أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان " ضغوط وقيود متزايدة: تقليص فضاء عمل المنظمات الأهلية في قطاع غزة". ويهدف التقرير إلى تسليط الضوء على أبرز المعوقات التي تنتهك الحق في حرية تشكيل المنظمات الأهلية في قطاع غزة وحرية عملها والانضمام إليها.
وتناول التقرير مكانة الحق في تشكيل المنظمات الأهلية في المواثيق الدولية؛ ولاسيما الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والحماية التي توفرها القوانين والتشريعات الوطنية خاصة القانون الأساسي الفلسطيني، وقانون الجمعيات الخيرية، والهيئات المحلية رقم (1) لسنة 2000م، واللائحة التنفيذية رقم (9) لسنة 2003م، وقانون الشركات غير الربحية وتعديلاته.
واستعرض التقرير احصائيات حول عدد المنظمات غير الحكومية في قطاع غزة وفقاً للنوع والنشاط، وتوزيعها على المحافظات، وأشار إلى أن عدد المنظمات بلغ (961) منظمة حتى شهر أيلول (سبتمبر) 2019م.
وسلط التقرير الضوء على أشكال الانتهاكات الإسرائيلية ضد المنظمات الأهلية في قطاع غزة والمؤسسات الدولية، والتي تمثلت في استهداف مقراتها واعتقال موظفيها وحرمان البعض الآخر من حقهم في حرية السفر والتنقل؛ بالإضافة إلى استمرار حملة التحريض المنظمة والشرسة ضد المنظمات الأهلية والمنظمات الدولية الداعمة لها. وتسببت الحملات التحريضية في تقليص هامش عمل المنظمات الأهلية الفلسطينية، من خلال نجاح حملاتها التحريضية في الضغط على المانحين لوقف أو تقليص تمويل المنظمات الأهلية الفلسطينية، ما أدخل هذه المنظمات في أزمة مالية طاحنة.
وأكد التقرير على تراجع مستوى احترام الحق في حرية تشكيل المنظمات خاصة في أعقاب الانقسام الفلسطيني الداخلي عام 2007م، كما ارتفعت وتيرة الانتهاكات نتيجة التشريعات والتعديلات في القوانين والإجراءات الإدارية الصادرة عن الحكومات الفلسطينية سواء ما بات يعرف "بالفحص الأمني" أو الحصول على موافقة مسبقة قبل تلقي التمويل، أو التدخل في اجتماعات الجمعيات العمومية والانتخابات، أو رفع قيمة رسوم التسجيل، واعتماد وزارة الداخلية كجهة إشراف ومتابعة، وغيرها من القيود التي تناول التقرير أبرزها، سواء تلك الناشئة عن قرارات وتشريعات أصدرتها السلطة الوطنية، أو تلك التي أقرتها حكومة غزة السابقة والدوائر الحكومية في قطاع غزة.
ولفت التقرير إلى انعكاس القيود المفروضة وأثرها في تراجع دور المنظمات وتأثيرها، الأمر الذي ألقى بأثر سلبي على مستوى الخدمات التي تقدمها المنظمات وجمهور المستفيدين. ويحذر التقرير من مغبة استمرار هذه القيود خاصة في ظل تدهور مؤشرات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو خطير، حيث توسعت ظاهرتا البطالة والفقر وارتفعت نسبة العائلات التي تعاني من انعدام الامن الغذائي حيث باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لأنشطة هذه المنظمات.
وفي السياق ذاته حذر التقرير من أن المنظمات الأهلية وفي ظل استمرار القيود والانتهاكات المتشابكة والمعقدة التي تتعرض لها لن تصمد طويلاً، حيث إن استمرار تقليص الفضاء يأتي في سياق التصدي لفاعلية وقوة الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في مواجهة الانتهاكات الجسيمة والمنظمة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وقدرة هذه المنظمات على الفعل واستخدام الآليات الدولية المتاحة.
كما تنزعج السلطات المحلية من دور هذه المنظمات في التصدي للانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها السلطة التنفيذية وغيرها من اللاعبين غير الحكوميين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات والمطالبات التي من شأنها أن تحمي الحق في تشكيل الجمعيات وحرية عملها، وبالتالي تعيد الاعتبار لفعالية دور المنظمات الأهلي، حيث طالب:
1. المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية والتدخل الفاعل؛ لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، والضغط على سلطات الاحتلال لإجبارها على وقف استهداف المؤسسات الأهلية والعاملين فيها واحترام الحق في تشكيل الجمعيات وحرية عملها.
2. مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية التجمع السلمي وتشكيل الجمعيات بلعب دور أكبر في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة ضد المؤسسات الفلسطينية.
3. الجهات المانحة بتعزيز عملها في الأراضي الفلسطينية وفي قطاع غزة على وجه الخصوص في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعانيها السكان، وعدم قدرة السلطات الحكومية منفردة على التخفيف من وطأة البطالة والفقر، وأن تواصل تمويل عمل المنظمات المختلفة دون شروط سياسية أو قيود غير تلك التي ينص عليها القانون.
4. وقف العمل بالإجراءات والتدابير والقرارات التقييدية التي أقرت خلال فترة الانقسام، ومراجعة القوانين خاصة تلك المتعلقة بالإطار الناظم لعمل المنظمات الأهلية وإزالة كل ما يتعارض مع المبادئ الدستورية والقانون الناظم، وتوحيد القوانين بما يتناسب مع احترام واجبات دولة فلسطيني بموجب الاتفاقيات الدولية التي أصبحت دولة فلسطين طرفاً فيها.
5. ينبغي إعادة صياغة العلاقة بين المنظمات الأهلية والحكومة ودوائرها المختلفة على قاعدة احترام القانون والشراكة والتكامل، والتأكيد على أهمية القطاع الأهلي كونه أحد أذرع التنمية، مع توسيع خيارات هذه المؤسسات؛ كي تتمكن من ممارسة دورها.