لم يهلوس في حياته البتة، لكن هموم الحياة جعلته يهلوس بينما كان يعدّ نقوده المتبقية من راتبه، فراح يعد النقود بقلق مجنون بعد تسديدِ ديونه المترتبة عليه، وعندما علم المبلغ المتبقي بدت على وجهه علامات الحزن فلحظتها، وتخيل بأنه يسمع أصواتا تأتيه من الفراغ وتطالبه بشراءِ أشياء ليستْ ضرورية للبيت، رغم أنه كان يجلسُ بمفرده على أريكتِه المُهترئة لحظة عدّه للنقود، لكن الصوت الأنثوي ظل يدوي في أُذنيه، ويطلب منه الذهاب لشراء مستلزمات تبين فيما بعد بأنها ليست مهمة، لكنه بعد مرور وقت قصير بدأ يهلوسُ عندما شعرَ بدفءٍ مجنونٍ، فنظر من حوله، لكنه لم يرَ أي أحدٍ، لأن الدّفء الذي شعر به يشبه دفءَ امرأة، فقال: لقد شعرتُ بسخونةٍ تلفح جسدي للتو، فهل ما أراه بين يدي من نقودٍ قليلة تجعلني أهلوس إلى هذا الحدّ، يا للجنون من هموم الحياة الصعبة فالهلوسات تأتي بلا موعد، كان يحاول النّوم، لكنه ظل يشعر بدفء مجنون، فقال في ذاته بعدما وضع النقود المتبقية من راتبه في جيب بنطاله: لربما امرأة شبح أتت دون علمها بحالي، لأنّني متأكد بأن امرأتي قالت لي بأنها ستذهب لزيارة عائلتها بعد أن أخذتْ مبلغاً معقولا من المال لمساعدتهم في ترميم بيتهم القديم.. حاول الرجل أن ينام، إلا أنه ظلّ يهلوس على الأريكة المهترئة، ويرى خيالا يشبه امرأة، فقال يا لهذه الهلوسات التي تأتي بلا موعد، فهل إفلاسي هو سبب هلوستي؟ لربما وراح يغطّ في نومه، لكن أرقا أصابه، ولم يعرف النوم إلا في صباح اليوم التالي ..
عطا الله شاهين