قراءة في كتاب “الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف“ للإعلامي فايز أبو رزق

بقلم: ناهض زقوت

يمثل الإعلام الإسرائيلي حالة من الغموض في المشهد السياسي العربي، لعدم تطرق الكتاب والباحثين إلى تناول هذا الإعلام بالدرس والتحليل وسبر أغواره بدراسة خطابه السياسي والإعلامي سواء الموجه للعالم العربي بصفة عامة، والفلسطيني بصفة خاصة، لما في ذلك من أهمية كبرى من تبيان دوره التخريبي أمام الرأي العام العربي، لذلك خدع كثير من الجهلاء بالصورة التي يقدمها الإعلام الإسرائيلي عن المجتمع الإسرائيلي، وعن ديمقراطيته، وعن حرية الرأي والتعبير، ونقل الحقيقة الزائفة عن موقعها المهدد دائما في وسط العالم العربي، وتعرضها (للإرهاب) الفلسطيني.
هنا تكمن أهمية هذا الكتاب (الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف) الذي أهدانا نسخة منه مؤلفه الباحث الصحفي فايز أبو رزق عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، الصادر على نفقته الخاصة في قطاع غزة عام 2019. حيث يكشف عن حقيقة الدور الذي يلعبه الإعلام الإسرائيلي من خلال سبر أغوار الخطاب الإعلامي وخدمته الأساسية للمؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيليتين. ورغم أن الباحث لم يركز بشكل واسع على إبراز جوانب تزييف الحقائق في الإعلام الإسرائيلي، إلا أنه قدم للقارئ العربي مادة غنية عن الإعلام الإسرائيلي بكل أنواعه من مسموع ومقروء والكتروني وفضائي، من الصعوبة أن تجدها في كتاب واحد، يقول الباحث في المقدمة: "يأتي هذا الكتاب ليقدم للقارئ العربي معرفة شاملة بتطور الإعلام العبري منذ ما قبل نكبة 1948 وحتى عصرنا الحاضر، حيث يسلط الضوء على توجهات وبنية ومهام المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في إسرائيل، ويكشف عن القوى المجتمعية والتيارات السياسية المتحكمة في الإعلام الإسرائيلي، ويتناول أيضا دور الرقابة على وسائل الإعلام بما يخدم الأهداف والقضايا الإستراتيجية للأمن الإسرائيلي".
لقد بذل الباحث جهدا كبيرا في إعداد هذا الكتاب الذي يعد إضافة متميزة في المكتبة العربية عامة والمكتبة الفلسطينية خاصة، لما احتواه من معلومات قيمة يجهلها الكثير من الكتاب والصحفيين والإعلاميين عن الإعلام الإسرائيلي ووسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل عام، والاهتمام الحكومي بوسائل الإعلام، ودخول الشركات والقطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال في الاهتمام بالجانب الإعلامي وامتلاك وسائل إعلامية، وقد استفاد الباحث في صياغة هذا الكتاب بمتابعته الدائمة للإعلام الإسرائيلي من خلال عمله في الهيئة العامة للاستعلامات، ثم في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، واستغرق سنوات في توثيق وأرشفة ملفات تختص بالإعلام الإسرائيلي كان من نتيجتها هذا الكتاب.
جاء هذا الكتاب في 196 صفحة من القطع الكبير، وضم ستة فصول، وكل فصل تناول موضوعا في الإعلام الإسرائيلي والأدوات المرتبطة بهذا الإعلام، ففي الفصل الأول تناول (الإعلام الإسرائيلي المرئي)، فتحدث عن (سلطة البث الإسرائيلية) التي تعد أقوى سلطة حكومية إسرائيلية، وقد كانت حتى عام 2017 سلطة البث الرسمية التي تؤطر في داخلها قناة تلفزيونية واحدة، وثماني إذاعات، ويشرف عليها هيئة مكونة من برلمان مؤلف من 31 عضوا، ثلاثون تعينهم الحكومة ويمثلون الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة والشخصيات العامة، أما العضو الحادي والثلاثون فتعينه الوكالة اليهودية، تهدف هذه اللجنة إلى اختيار اللجنة التنفيذية المؤلفة من سبعة أعضاء يمثلون التيارات السياسية المختلفة. وفي مايو 2007، وبسبب الصراع داخل الحكومة الإسرائيلية تم حلها وتسريح العاملين فيها، وإعادة هيكلتها لتنافس القنوات الإسرائيلية الخاصة، وأطلق عليها (هيئة البث العامة) واسمها العبري المختصر (كان)، وسميت الإذاعة الناطقة باللغة العربية (مكان)، والتلفزيون الناطق بالعربية (مكان 33).
ويتحدث عن باقي الوسائل الإعلامية المرئية، فيشير إلى (السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة – القناة الثانية)، وهي شركة تجارية تخضع لمراقب الدولة، وتضم قناتين للبث التلفزيوني هما (القناة 2)، و(القناة 10)، كما تشرف على عدد من المحطات الإذاعية، وتعد الأكثر مشاهدة في إسرائيل، ضعف عدد مشاهدي القناة الأولى. ويتناول الباحث بالتفصيل تاريخ إنشاء (القناة الأولى – كان) والتطورات التي دخلت على القناة، والهدف من بث القناة برامج وموضوعات باللغة العربية موجه للعالم العربي تصور الحياة في إسرائيل من حيث ديمقراطيتها وتقدمها العلمي والتقني، بالإضافة إلى نشرة الأخبار والبرامج الاجتماعية والترفيهية للأطفال.
وتحدث أيضا عن الفضائية الإسرائيلية باللغة العربية (قناة 33 أو مكان 33)، والقناة العاشرة التجارية، وقناة أي 24 نيوز (i24news) الخاصة التي بدأت بثها في يوليو 2013، ومقرها الرئيسي في لوكسمبورج، ولكنها تبث من استوديوهات في يافا، وتبث بعدة لغات العربية والانجليزية والفرنسية. بالإضافة إلى التلفزيون متعدد القنوات الذي يعمل بالكوابل والأقمار الصناعية، وهو ملكية خاصة ويعتمد على الاشتراكات.
يؤكد الباحث أنه يلاحظ على التلفزيون الإسرائيلي في طريقة تناوله لأي موضوع يخص الفلسطينيين وقضيتهم، توافر العدائية الكامنة وراء الخبر، كلمة أو صورة، حيث يستغل التلفزيون الإسرائيلي ميزة نقل الصورة استغلالا سيئا، ويقدم من خلال الصور أنصاف حقائق للمشاهدين متعمدا إثارة مشاعر وحقد الإسرائيليين على الشعب الفلسطيني. ويرسم الباحث صورة لما يبثه الإعلام الإسرائيلي المرئي من مشاهد حول الأحداث والمواضيع الفلسطينية، حيث يميز بين الضحايا الفلسطينيين والضحايا الإسرائيليين، مثلا في جنازة الشهداء في الجانب الفلسطيني يركز على المسلحين وهم يطلقون النار في الجنازة، أما في جنازة القتلى الإسرائيليين نجده يركز على مشاهد الحزن والألم وبكاء الأطفال.
إن معظم الصور اليومية التي يعرضها التلفزيون الإسرائيلي عما يحدث في أراضي السلطة الفلسطينية صورا سيئة مثل صور شبان فلسطينيين يعدون زجاجات حارقة أو بالونات حارقة، أو صور شبان يلقون الحجارة على جنود إسرائيليين وهم لا يحركون ساكنا، وتخلو معظم الصور اليومية التي يعرضها تلفزيون إسرائيل من مثل إطلاق النار على المتظاهرين غير المسلحين، أو قتل الفلسطينيين على الحواجز الإسرائيلية. تلك هي الصورة الزائفة التي يقدمها الإعلام الإسرائيلي.
وفي الفصل الثاني يقدم (الإذاعات الإسرائيلية)، ويذكر أنه حتى عام 2018 كان يوجد في إسرائيل ما يزيد عن 120 محطة إذاعية، من بينها 17 محطة تابعة للمتدينين، وأخرى لرجال الأعمال والشركات الخاصة، بالإضافة لإذاعتين عربيتين هما إذاعة الشمس، وإذاعة صوت الجبل الخاصة بالدروز. ويستعرض الباحث تاريخ إنشاء الإذاعات الإسرائيلية ما قبل عام 1948، والبرامج التي تقدمها، والسياسة الإسرائيلية المتبعة في بث البرامج. ويقدم قائمة بأسماء بعض المحطات الإذاعية الرسمية والتجارية في إسرائيل.
وفي الفصل الثالث يتحدث عن (الصحافة الإسرائيلية) من خلال عدة زوايا: الصحافة العبرية في فلسطين حتى عام 1948، والعائلات المالكة للصحف الإسرائيلية الكبرى، فيذكر أسماء خمس عائلات تملك الصحف الكبرى كيديعوت احرونوت، ومعاريف، وهآرتس، وجلوبس، وإسرائيل اليوم, ويؤكد الباحث أن الإعلام الإسرائيلي يحمل توجهات أيديولوجية مختلفة، ولكن في المواضيع الأمنية لا يشذ عن موقف الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية.
وفي الفصل الرابع يتناول (الإعلام الجديد) هذا الإعلام الذي يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتوتير وجوجل ولينكيدان، فيتحدث عن أهم المواقع الالكترونية الإخبارية (0404، وواللا، ونعناع 10، وواي نت، وتيك، وروتر، وفريش نيوز)، وتفاصيل نشأة كل موقع، والموضوعات التي يتناولها، ودور الرقابة الإسرائيلية في السيطرة على ما يبث من خلالها. يشير الباحث إلى أن السيطرة الإسرائيلية على هذه المواقع، خاصة فيما يترجم عنها من أخبار، فيقع الباحث في شرك الخديعة، فهذه القنوات يعمل بها ضباط احتياط في الجيش الإسرائيلي، يضعون مصلحة الدولة أمامهم قبل المهنية وصدقية الخبر، ويسربون أخبارا مقصودة لخدمة الاحتلال أو لإثارة الفتنة ونشر الشائعات، وإثارة الرأي العام في الشارع الفلسطيني.
ويأتي الفصل الخامس متحدثا بالتفصيل عن (الرقابة الإسرائيلية على الإعلام، وعلاقتها مع الفلسطينيين) حيث يؤكد الباحث أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بكل أنواعها تقف موقفا موحدا خلف المؤسستين السياسية والعسكرية، وتبث الأخبار والتقارير والتحليلات بصورة توحي بأن هناك حربا ضد إسرائيل، هدفها إلقاء اليهود في البحر، من أجل ذلك يستخدم المراسلون والمحللون كل ما هو مشروع وغير مشروع من أجل التحريض وتشويه الحقائق معتمدين بشكل كامل على رواية الناطق باسم الجيش الإسرائيلي مصدرا لمعلوماتهم. وفي هذا الفصل يتناول الباحث بالتفصيل دور الرقابة الإسرائيلية على الإعلام، ودورها في الحرب على غزة، وعلاقة الرقابة الإسرائيلية بالمراسلين الأجانب، وعلاقتها مع فلسطينيي 48 ورؤيتهم في الإعلام الإسرائيلي.

وفي الفصل السادس والأخير يقدم الباحث (تعريفات إعلامية إسرائيلية) لها أهميتها في مجال الإعلام الإسرائيلي، وهي: مجلس الصحافة الإسرائيلي، ونقابة الصحافيين الإسرائيليين، والاتحاد الوطني للصحافيين في إسرائيل، والنقابة الإسرائيلية للإعلام، ومركز حماية الديمقراطية في إسرائيل (كيشف)، ومكتب الصحافة الحكومي، وبطاقة مكتب الإعلام الحكومي، ونقابة الصحف اليومية في إسرائيل، ومنظمة الصحافيين، والناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، والمنسق، ووزارة الشؤون الإستراتيجية، ووزارة الخارجية الإسرائيلية. بالإضافة إلى الجوائز التي تقدم للصحفيين المميزين في إسرائيل (جائزة برات، وجائزة الأكاديمية الإسرائيلية للسينما والتلفزيون، وجائزة سوكولوف، وجائزة كاكتوس الذهبية).
وفي الختام نتوجه بالتحية للباحث الصحفي فايز أبو رزق على هذا الجهد البحثي القيم في الإعلام الإسرائيلي، وهو جهد مميز لم يسبقه أحد، لذا يعد كتابه مرجعا للباحثين والدارسين في الإعلام الإسرائيلي، ومن الأهمية لهذا الكتاب أن ندعو الجامعات الفلسطينية أن تجعله مساق غير منهجي لطلاب الإعلام في الجامعات لفائدته المعلوماتية والمعرفية.

الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت