لقد شكلت نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي ادت الى سقوط بنيامين نتنياهو السريع وعدم حصوله على نسبة اصوات تمكنه من تشكيل الحكومة والاستمرار فى رئاسة الوزراء بالرغم من كل هذه العنصرية والكراهية التى مارسها وحقدة الاعمى وسلوكه المتطرف تجاه الشعب الفلسطيني وتعبيره عن كرهه للعرب والمسلمين، ولم تسعف نتنياهو الرعاية الامريكية والحماية التى وفرتها امريكا برئاسة ترامب لحليفهم نتنياهو، وسرعان ما فشلت الجولة السريعة التي قام بها المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جيسون جرينبلات بالرغم من تقديمه الاستقالة من مهام عمله، حيث التقى في القدس خلال زيارة فاشلة نتنياهو من اجل محاولة اخيرة لترتيب الاوضاع بينه وبين زعيم حزب أزرق أبيض بيني جانتس، بالرغم من نفى ذلك رسميا من قبل الحزب الاكثر حظا فى تشكيل الحكومة وسارعت امريكا وإدارة ترامب على الحرص للاجتماع مع نتيناهو المنتهية ولايته بهدف الوصول إلى تبادل تفاصيل الخطة الأمريكية، والتي يطلق عليها «صفقة القرن» من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى محاولة لدعم نتيناهو في النصف الساعة الاخيرة قبل الاعلان عن رحيله واعتزاله للعمل السياسي .
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت أنها تعتزم الكشف عن تفاصيل صفقة القرن بعد الانتخابات العامة الإسرائيلية، ولكنها اصيبت فى صدمة بعد فشل نتنياهو بتحقيق الاصوات المطلوبة وباتت صفقتها المسماة بصفقة القرن مهددة بالسقوط وملاحقة بالفشل الذريع، وفى المقابل يواجهه نتنياهو واحدة من أكبر الهزائم في مسيرته السياسية منذ انتخابات نيسان/ابريل الماضي وشكلت النتائج الجديدة لانتخابات الكنيست المعادة إشارة جديدة إلى الضعف الذي أصاب حكمه الطويل في دولة الاحتلال العسكري الاسرائيلي .
وفى تطور لاحق للمشهد السياسي فى دولة الاحتلال والمأزق الامني والانهيار للمنظومة السياسية الاسرائيلية ذكرت وسائل اعلام اسرائيلية إن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نتنياهو، يبحث إمكانية السعي للحصول على عفو في القضايا التي من المحتمل أن يدان فيها ويلاحق بالسجن وذلك مقابل مغادرة الساحة السياسية، وتسربت الانباء التى تتعلق بهروبه من الحياة السياسية ومحاولته اقناع رئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين وإمكانية طلب العفو من خلاله مقابل تركه الحياة السياسية واعتزاله العمل السياسي وهذا يجرى بعد فشله فى شراء المواقف وعقد الصفقات المشبوه للتغطية على جرائمه وفساده وفشل ترامب في تمرير صفقة القرن ومساهمته في إلحاق الهزيمة بحليفه نتنياهو، فالفترة التى حكم بها نتيناهو شهدت تراجعا في عملية السلام وكانت بالكارثية تجاه الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية فهو كان يعمل على سرقة الارض ويسابق الزمن لإقامة المستوطنات في خرق فاضح للقانون الدولي ومارس عمليات القتل والحروب ضد ابناء الشعب الفلسطيني من اجل بقاءه فى الحكم وكان ماهرا فى النصب والاحتيال وضاربا في الفساد لتنتهي ولاياته بالملاحقة ومواجهته السجن المحتمل، ويواجه نتنياهو محاكمته في ثلاث قضايا فساد تتعلق بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ويتوقع أن تبدأ محاكمته فيها بعد جلسة الاستماع الأولى المقرر عقدها بدايات أكتوبر/تشرين أول المقبل .
وانه وخلال حكم نتنياهو، أقرت دولة الاحتلال عددا من القوانين المثيرة للجدل والتى اقل ما يمكن وصفها بأنها قوانين عنصرية من بينها قانون القومية اليهودية، الذي يستبعد العرب والأقليات غير اليهودية من حق تقرير المصير في دولة الاحتلال الاسرائيلي، كما أقرت قانونا آخر يسعى إلى إسكات المنظمات غير الحكومية التي تراقب الانتهاكات الحقوقية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، كما وعملت حكومة نتنياهو على اقرار قانونا يلغي أحد القيود الرئيسية على سلطة رئيس الوزراء في اتخاذ قرار الحرب.
ان سياسة العربدة والبلطجة التي مارسها نتنياهو ضد كل أبناء الشعب الفلسطيني سواء فى الداخل الفلسطيني او في قطاع غزة والضفة الغربية ستبقى وصمة عار تلاحقه ولن يغفر له ما ارتكبه من بلطجة وسرقة ونهب وفساد وممارسته النزعة العنصرية واللاسامية حتى تجاه اليهود أنفسهم حيث تعامل مع يهود الفلاشا بدون أي حقوق وبنظرة فوقية لدواع شتى، منها لون البشرة، ويتهم الإثيوبيون الإسرائيليين البيض بممارسة التمييز العنصري النظامي الممنهج في حقهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية، وهذا ما كشفته سياسة نتنياهو فى تعامله مع الازمة والاحتجاجات التى اندلعت مؤخرا بين قوات الامن الاسرائيلية ويهود الفلاشا ليتبين حجم النكران لهم ولحقوقهم والتعامل معهم بعيدا عن قيم الديمقراطية والتعددية والمساواة .
ان حصيلة ما جرى يكشف زيف الديمقراطية فى دولة الاحتلال الاسرائيلي وان الأعمال العدوانية الإسرائيلية التي لم تتوقف ضد الشعب الفلسطيني كشفت ايضا زيف العلاقات بين حكومة الاحتلال وإدارة ترامب وان ما جرى هدفه الاساسي هو تكريس واقع الاحتلال واستمرار سرقة الارض الفلسطينية والتمدد الاستيطاني، فالسياسات الأميركية والإسرائيلية تؤكد أنها سياسات عدوان وتدمير وحصار وقتل واستهتار بالقيم الإنسانية وهذا هو جوهر ومرتكزات (صفقة ترامب - نتنياهو) التى تنتهي وتسقط بدون رجعة بعد سقوط ورحيل نتنيناهو عن المشهد السياسي الاسرائيلي.
بقلم : سري القدوة
سفير النوايا الحسنة في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية