ليس هناك من معجزة ننتظرها لإنهاء الانقلاب البغيض والمدمر ليس للحاضر فقط، وإنما للمستقبل أيضاً، ليس هناك معجزات أو كرامات قد تحدث من أجل تجميع الشعب الفلسطيني وجعله على قلب رجل واحد، إذ لابد من العمل والجهد من أجل إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بمعنى، وحدة القرار ووحدة المؤسسة ووحدة الأداة ووحدة الهدف، تأسيساً على مفاهيم الشراكة والندية وعدم الإقصاء ودمج كل الفعاليات والقوى في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية القادرة على أن تجمع وتوحّد وتُفعّل كل المبادرات والجهود، وهي مفتوحة للجميع.
إن ذلك كله لا يكون بحرب أهلية، لا سمح الله، فهذا خيار انتحاري، لا يفعله الفلسطيني ضد أخيه الفلسطيني، ولا يكون بانتظار أن يختفي الطرف الآخر لسبب أو لآخر، الوحدة لا تكون إلا بالقرار النابع من الإرادة الحرة والمستقرة، فالأوطان لا تُبنى إلا بالاختيار، ولنأخذ أمثلة من العالم، عندما تم إقامة أوطان لا يجمع شعوبها إلا الخوف والقوة، كيف انحلّت وذابت عندما غابت القوة والخوف؟
الأوطان والشعوب لا تقوم إلا بالخيار الحر والمستقل، ونحن شعب حر ومستقل، ونقاتل من أجل أن يتحقق ذلك.
وعليه، فإن الوحدة الفلسطينية لا تكون إلا بالخيار والاختيار، ولا يُحقق ذلك سوى صندوق الانتخابات.
وصندوق الاقتراع هذا، وهو ثمرة الديموقراطية الحقيقية ونتائجها أيضاً، فصندوق الاقتراع يمنح الجمهور البدائل وقدرة الاختيار من تلك البدائل، ويمنحهم حرية التمثيل وإمكانية التعبير عن الاتجاه وعن الأولويات.
صندوق الاقتراع يحدد شكل المجتمع ومضمونه، باعتباره يمثّل معظم الجمهور، والذهاب إليه شجاعة وقوة واقتدار، القيادة السورية أجرت الانتخابات في ظل المعارك والتشرّد واللجوء، يمكننا أن نفعل ذلك.
من يخاف صندوق الاقتراع فهو لا يملك مضموناً ولا رسالة ولا محتوى سوى الجنون والعبث واللاجدوى.
صندوق الاقتراع حل حقيقي للتوتر والاحتقان السياسي والاجتماعي، ولذلك فإن الانتخابات ليس تجديد للقيادة فقط، بل مواجهة الأزمات أيضاً، ورداً على الاحتلال.
صندوق الاقتراع خيار قانوني ودولي وإنساني، ولهذا، فإن دعوة الرئيس محمود عباس الدائمة والمستمرة لإجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية المحتلة، إنما تعني دعوة إلى الخروج من الانقسام بطريقة حضارية، غير مكلفة، سليمة، مقبولة دولياً ومُرحّب بها عربياً وشعبياً.
دعوة الرئيس إلى ذلك يعني أن الرئيس يختار الحل الأمثل والأفضل للخروج من هذه اللحظة القاتمة والخطيرة من تاريخ شعبنا.
إن الدعوة إلى الانتخابات، بما فيها القدس المحتلة، يعني أيضاً تثبيت الحق في القدس الشرقية المحتلة وإجبار المحتل على الاعتراف باحتلاله، رغم ما قيل عن الاعتراف الأمريكي بواقع آخر لا يدعمه قانون ولا شرعية.
إن الدعوة إلى الانتخابات تُشكّل امتحاناً حقيقياً للبرنامج والرؤية المرجعية والمكانة والهوية الأخيرة للمجتمع الفلسطيني.
إن دعوة الرئيس محمود عباس للذهاب إلى صندوق الاقتراع دعوة حكيمة وتصحيح للتاريخ أيضاً، إذ أن حماس، التي قامت بانقلابها سنة 2007، سيكون عليها أن تختار أن تحكم بالحديد والنار أم تحكم بتفويض من الشعب الفلسطيني.
فصندوق الاقتراع، على تواضعه وسكونه وهدوئه، لقادر على أن يكشف العديد من الأكاذيب والشعارات الطنانة، كما يكشف الزيف من الأصالة، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يفرز الغث من السمين، والواقع من الخيال، ولهذا كانت الديموقراطية، حيث للجمهور قولته وحكمته وخياره وبديله.
واستمراراً للحديث فإن ما قيل عن ورقة الفصائل الثمانية وما رشح عنها وعن الجدال حولها لا يُشكّل معبراً للوصول إلى حلّ للانقسام، بل إن هذه الورقة تُميّع الموضوع وتعممه وتجعله غائماً بدون تحديد مسئوليات، فالورقة هي حاصل جمع حسابي لكل ما طُرح دون تحديد بدايات أو نهايات أو حتى تحديد أهداف، والحديث عن طرفي الانقسام غير صحيح، هناك انقلاب ويجب إنهاءه، وبالوسائل الديموقراطية.
هي ورقة لا تقرأ الواقع الذي نشأ بعد 12 سنة على الانقلاب الذي قامت به حركة حماس، فقد وقعت في التوصيف والتلخيص والتجميع، وليس بين يديها أدوات ضغط أو تنفيذ سوى كلام عائم وغائم عن جمهور لا تستطيع أن تحركه ولا تستطيع الادّعاء بأنها تملكه أو تؤثر عليه، وهي بعيدة عن الواقع، وإلا كيف نفهم الدعوة الدائمة لمؤتمرات أو اجتماعات في المنفى؟ هنا أرضنا وهنا نحقق الانتصار على الاحتلال.
إن ما اقترحه الرئيس عباس دائماً، من العودة إلى صندوق الاقتراع، يُشكّل – برأينا – المخرج الحقيقي والصحيح للخروج من المعضلة التي نحيا في ظلها، هكذا تفكر القيادة الحكيمة والشجاعة، والحريصة على شعبنا، ولم يعد من الممكن أن نطرح مسميات تجاوزها الواقع، القيادة هي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ومن يريد الشرعية فلينهي الانقسام ويأتي للانتخابات ويحصل على الدعم الشعبي ويستلم السلطة.
الانتخابات مرّة أخرى، هي الطريقة الحضارية الأسلم والأحكم للخروج من الأزمات، هكذا تفعل الأمم المتحضرة، وهكذا يفعل الأعداء والأصدقاء، وهكذا يجب أن نفعل.
فلا يمكن لنا أ، نركن إلى معجزة أو عدو أو قريب أو بعيد ليضع حلاً لأزمتنا، صندوق الاقتراع قد لا يُكلف عشرة شواكل لنحل كل مشاكلنا، بينما أن كل صندوق آخر قد يؤدي بنا إلى هاوية سحيقة لا يعلم عتمتها إلا الله.
بقلم/ اللواء د. محمد المصري