(1)
■ اكتسبت انتخابات الكنيست 22، في إسرائيل، أهمية استثنائية، إن على الصعيد الوطني الفلسطيني، أو على الصعيد الإسرائيلي، أو على مسار القضية الفلسطينية وما يطرح لحلها من خطط ومشاريع هابطة وفاسدة.
على الصعيد الفلسطيني
انشغلت الحالة الوطنية، في مناطق الـ 48، وفي باقي المناطق، بالمحاولات الدؤوبة لإعادة ترميم أوضاع «القائمة المشتركة»، التي تضم 4 أحزاب عربية، من بينها حزب عربي – إسرائيلي، هو الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
وكانت «القائمة» قد انقسمت على نفسها، في انتخابات آذار (مارس) الماضي، لتشكيل الكنيست الـ 21، وخاضت المعركة بقائمتين منفصلتين، الأولى ضمت «الجبهة» وأحمد الطيبي، والثانية «التجمع الوطني» واللائحة الإسلامية )جناح عباس منصور(: وانتهت النتائج أن فازت القائمتان بعشرة مقاعد، خسرت في ذلك مقعداً، كما خسرت موقعها في عيون الناخبين العرب الفلسطينيين الذين أحجم بعضهم عن التصويت، عقاباً لهذا التشرذم.
إعادة توحيد «القائمة المشتركة» كان عملاً شاقاً، لعبت فيه الحركة الشعبية ضغوطاً واسعة، ونجحت في نهاية المطاف في تحقيق مرادها. وبذلك تكون قد أعطت درساً للأحزاب العربية في إسرائيل، حول أهمية وحدتها كقوى سياسية، وأهمية صون وحدة وتماسك الحالة الشعبية، خلف قيادات سياسية معترف بها، تمثلها في الكنيست الإسرائيلي، كما تمثلها في الشارع.
كما برز في هذه الدورة أن تقدم إلى الانتخابات حزبان، في لائحة لكل منهما خارج «القائمة المشتركة»، يترأس إحداها البروفسور المعروف أسعد غانم، بعد أن شكل حزب الوحدة الشعبية. وقد نال الحزب خمسة آلاف صوت، أما الحزب الآخر فقد نال حوالي ألفي صوت، علماً أن عتبة الحسم في الانتخابات وصلت إلى حوالي 145 ألف صوت )مقابل الفوز بخمسة مقاعد دفعة واحدة(.
هذا الجديد، يدلل على أكثر من قضية، من بينها أن قناعة العمل السياسي في الكنيست، وفي خارجه معاً، بدأت تفيض على حدود «القائمة المشتركة» ، وأن نزعات الانكفاء والانزواء، آخذة بالتراجع.
وفي السياق نفسه، أعادت مرة أخرى مسألة المشاركة في الكنيست والجدوى منها إلى نقطة الصفر، حيث انطلقت أصوات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، من مواقع وطنية فلسطينية معروفة، بذرائع ودواعي مختلفة، من بينها أن دخول الكنيست يتطلب الولاء للدولة، وأن الكنيست هو مصدر الشرور السياسية في إسرائيل، وأنه هو الذي يصوغ القوانين، وأن مشاركة العرب في الانتخابات تشكل غطاءً سياسياً للديمقراطية الإسرائيلية المزيفة.
وكان واضحاً أن مثل هذه الدعوات، اعتمدت، في رؤيتها، على مقياس سياسي مشتق من واقع الأراضي المحتلة عام 67، لكنه يتناقض مع واقع المناطق الـ 48، ولم يأخذ بالاعتبار الفوارق الجغرافية، والقانونية والسياسية، والاجتماعية، والآفاق السياسية لكل مشروع من مشاريع النضال في الـ 48 أو في الـ 67.
فإذا كان هدف النضال في الـ 67 هو الخلاص من الاحتلال، فإن الهدف في الـ 48 هو صون الهوية الوطنية، وضمان الحقوق القومية وحقوق المواطنة الكاملة، والنضال ضد سياسات التمييز العنصري.
ونعتقد أن أدوات النضال، هنا، تختلف عن أدوات النضال هناك، وآلياته هنا، تختلف عن آلياته هناك. وأن عدم التمييز بين الحالتين، والانجرار وراء الشعارات الكبرى، وعدم التمييز بين الأهداف الآنية والمباشرة، والأهداف الأبعد، هو شكل من أشكال الانقطاع عن الواقع السياسي، واللجوء إلى سياسة فرض الإرادة الذاتية على الواقع، بدلاً من استيعابه، والدخول في تفاصيله، والعمل على تغييره.
والمفارقة العجيبة الغريبة، أن الصوت العربي شكل لنتنياهو كابوساً في هذه الانتخابات، وفي السابقة، وأنه جعل من الصوت العربي عدوه اللدود، والأمر ذاته كان بالنسبة لأفيغدور ليبرمان. ولم تتردد بعض القوى اليمينية الإسرائيلية اليهودية عن الدخول على الخط، وتنظيم أوسع حملة إعلامية، باللغتين العربية والعبرية، «تشجع» الناخبين العرب على مقاطعة الانتخابات، لإدراكها أن هذا من شأنه أن يخفض عتبة الحسم، ما يفتح الباب للقوى اليهودية الصغرى من زيادة مقاعدها ■
(2)
في كل الأحوال، جرت الانتخابات، وحققت القائمة المشتركة فوزاً مميزاً حين حازت على 13 مقعداً في الكنيست، وتحولت بذلك إلى القوة الثالثة فيه، وإذا ما تشكلت «حكومة وحدة» بين الليكود و«أزرق أبيض»، فستكون هي القوة المعارضة الأولى، وفي هذا تطور لافت وقفزة كبرى، أن يكون الصوت العربي هو الصوت المعارض الأول، بكل ما يوفره له هذا الموقع من تسهيلات تمكنه من تعزيز موقعه في اللعبة البرلمانية في إسرائيل.
جرت الانتخابات، ولم تلتفت الجماهير العربية في الـ 48 إلى دعوات المقاطعة، واعتبرتها جزءاً من الماضي السحيق قبل أن تفيق الحالة الشعبية من صدمة النكبة وقيام دولة إسرائيل.
كما نجحت «القائمة المشتركة» في رفع منسوب التصويت العربي في الكنيست وقلصت دائرة التردد والانعزال، وصوت ما لا يقل عن 90% من أصوات العرب لصالح القائمة المشتركة. وفي هذا إشارة تدلل على أن أحزاب القائمة لم تنجح فقط في ترميم علاقاتها البينية، بل وكذلك في ترميم علاقاتها مع جماهيرها، التي لبت نداءها وصوتت لصالحها. ما يمهد الطريق أمام أحزاب «المشتركة» لوضع خطة عمل ذات شقين.
• الأول، داخل الكنيست، في لعب دور المعارض الأول، بالاستناد إلى خطط ومشاريع، تخدم مصالح الجماهير العربية.
• الثاني في الشارع، في تنظيم صفوف الجماهير العربية، في المجالس المحلية والبلدية، والمؤسسات المجتمعية والنقابات والنوادي، دفاعاً عن حقوقها المدنية، وحقها في العيش بكرامة وطنية وقومية فوق أرضها.
أي باختصار، يشكل هذا الفوز محطة امتحان جديدة أمام «القائمة المشتركة» وأحزابها. نعتقد في هذا السياق أنها هي الأقدر على إجراء المراجعة المطلوبة، وأنها هي الأقدر على استخلاص الدروس، وأنها هي الأقدر على تحمل المسؤولية الوطنية، باعتبارها هي المرجعية السياسية والحزبية والوطنية لجماهيرها في مناطق الـ 48، كجزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني، بخصوصياتها الجغرافية والقانونية والسياسية والمجتمعية، بين منطقة وأخرى ■
بقلم/ معتصم حمادة