الشوق والحنين القاسم المشترك الذي يجمع كل الفلسطينيين، بل أكاد أقول إن الشوق للأماكن أصبح مكوّناً من مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية. نشتاق للذاكرة التي تحملها هذه الأماكن، وعودتنا إليها هي عودة إلى الذاكرة، ولكنني أعي أن هذه الأماكن تغيّرت بعد مرور السنوات الطويلة، ولم تعد تحمل الذاكرة نفسها، كما أدرك أيضاً أن الحداثة والعولمة التكنولوجية والاقتصادية سلّعت كل شيء، وهل يعني هذا أن الفلسطينيين تخلوا عن العودة والتحرر؟ بالطبع لا، فالعودة إلى فلسطين الماضي، فلسطين التاريخية حيث الصبار والرمان وطواحين الماء حق لايسقط ولايموت بالتقادم. أما (النوستالجيا) وباعتبارها إحدى أهم الظواهر الاجتماعية في حياتنا المعاصرة، وهي ظاهرة هامة بين ظواهر غير قليلة، ولكنها صارت عند الفلسطينيين عنصراً مؤثراً في دواخل الشعب الفلسطيني، وعنصراً هاماً في صراعه مع الإحتلال ووجوده على أرض وطنه التاريخي.
أجيالنا وماتلاها، أجيال المنافي والشتات بعد النكبة، أجيال مخيم اليرموك وفلسطينيي سوريا، تمضي عمرها القصير، أو الطويل في الحنين لديار الوطن في فلسطين، بقوة الإنشداد إلى الحياة، الأجيال التي تقول كل يوم : بعمرو الحلم المشروع ما مات ... ولاسرقتو العتمات ... نصحو على اشراقة الشمس ونخبّي الأمل بالنجمات.
(الصورة : مدينة حيفا في الليل عام 1925، لاحظوا الإضاءة العامة التي تنوّر المدينة لتعرفوا كيف كانت فلسطين، في وقتٍ كان فيه الظلام يخيّم على العالم العربي ومعظم مدنه الكبرى)
علي بدوان