نهاية العام 1975، أبلغني عن وضعني في الإطار التنظيمي المُحدَدّ كعضو مُرشّح في التنظيم اليساري الفلسطيني إياه، وكان مع مسؤوله الأعلى (.....)، شعلة من النشاط والعمل، والمناورة السياسية والنقابية والخبرة التنظيمية، وكان صاحب قرار، وله دور أساسي في قيادة اقليم (...) في سوريا، لكنه إمتلك في الوقت نفسه ناصية عالية من "الديماغوجيا" المحشوة في غالب الأحيان بــ "الكذب"، ولكثرة إفراطه في الداء المشار اليه، كنّا نقول عنه بأنه مصاب بمرض "الإسهال" في الكذب.
كان يكبرنا بنحو عقدين من الزمن، وعند تيقنه، من قناعاتنا المتزايدة، والتي تُشير لإغراقه في الكذب، وفي احدى الجلسات التي جمعتنا، اطلق جملته، وعلى المكشوف : "الكذب ملح الرجال، وعيب على اللي بيستحي".
تلك الصفة القاتلة، جعلت الواحد منّا يحتار في تقييمه، وقد عكس تلك الناصية في صفاته ونعوته، على سلوك العديد من الكادرات التي كانت تعمل تحت سلطته واشرافه، حتى كاد الواحد فينا يعتقد بأن الجميع في الــ (....) يستمرئون تلك "الديماغوجيا" ومفردات "الكذب" ذهاباً واياباً، وعلى الطالع والنازل حسب المأثور الشعبي، حتى أثناء النقاشات التنظيمية في الإجتماعات، الأمر الذي استولد بدواخلي "نغزاتٍ سلبيةٍ" من سلوك العديد من الكوادر بشكلٍ مُبكّر جداً في الــ (....)، وبدا لي في أوقاتٍ مُعينة كأن الأمر يتعلق بسلوكٍ عام للكادر، وبثقافة تتسرب بين الأعضاء، حتى غَدَت، وبدت عملياً، ثقافة عامة في أطر ومؤسسات وهيئات التنظيم، وتلك "النغزات" كادت أن تُطيح بي وتجعلني خارج التنظيم كله تمرداً عليها وعلى تلك المسلكيات التي كنت أمتعض منها على الدوام، وأبث الشكوى تجاهها بكل الإتجاهات ومع الجميع، لكنني كنت أجد من يُبررها لي باعتبارها سلوك أفراد وليس لها علاقة بالسلوك الجمعي للتنظيم، كما كنت أنطلق في القفز عنها وعلى قاعدة "لن يتحمل الناس التعامل معك طويلاً ، لو أستمريت في الشكوى وإظهار إمتعاضك وغضبك". ومن التقدير القائل "لا يوجد أحدًا مثاليًا".
بقلم علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت