بدلاً من الحوار الفضائي حول الانتخابات دعونا نجلس إلى الطاولة إحتراماً لحقوق الشعب السياسية والدستورية في انتخابات ناجحة
■ تفترض الصراحة والشفافية الاعتراف أن قضية الانتخابات مازالت تشكل مبعث قلق، من أن تتحول إلى قضية خلافية، تعمق الانقسامات في صفوف الحالة الفلسطينية، وتلحق بالحالة الشعبية خيبة أمل إضافية، إلى جانب العديد من خيبات الأمل التي تعانيها أمام فشل طرفي الانقسام، في الالتزام بما تمّ التفاهم عليه، وأمام حالة الشلل التي تعيشها السلطة الفلسطينية وقيادتها، في مواجهة سياسات الاحتلال، ما حوّل المناطق المحتلة إلى ساحة تعبث فيها قوات الاحتلال كل أشكال العبث، دون رد رسمي يرتقي إلى مستوى الحدث.
فالطرف الداعي إلى الانتخابات، لا يتوقف عن التشكيك بنوايا الآخرين، وتتبارى مكوناته في إطلاق الشروط، وبعضها تعجيزي، على غرار الشرط الداعي إلى الالتزام بالالتزامات الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما يعني في السياق الالتزام بأوسلو واستحقاقات أوسلو، أي الاعتراف بإسرائيل والموافقة على التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية لها، بموجب استحقاقات بروتوكول باريس الاقتصادي، مع العلم أن قرارات المجلس الوطني في دورته الأخيرة (الـ23) وقبله المجلس المركزي في دورتيه الـ27+28، تجاوزت كل هذا، لصالح الخروج من اتفاق أوسلو واستحقاقاته والتزاماته. وهذا في سياقه العام، يعيدنا إلى الشجار الإعلامي، الذي دار بين حركتي فتح وحماس، على ضوء نتائج انتخابات الدورة الثانية للمجلس التشريعي (2006)، والتي انتهت إلى صيغة دموية، مازلنا حتى الآن ندفع ثمنها غالياً.
وأطراف أخرى، تعلن موافقتها على الانتخابات، وضرورة إجرائها، لكن بعبارات غامضة وسلسلة من التصريحات المتناقضة فيما بينها، ما يوحي وكأن هناك مناورة تدار، وأن الموقف من الانتخابات لم يحسم، وأن القضية مازالت تخضع، في حسابات البعض، لمبدأ الربح والخسارة، إلى أن يتبلور الموقف النهائي من القضية، ما يفسح في المجال لأكثر من طرف، على خصومة سياسية، للتشكيك بالنوايا، والحديث عن «الشياطين» التي تكمن في التفاصيل، والتي يمكن أن «تشيطن» كل الحالة الفلسطينية إذا ما وصل الحوار حول هذه « التفاصيل الشيطانية» إلى الطريق المسدود، ما يعيد تقديم الحالة الفلسطينية، على عكس ما ينبغي، حالة فاشلة، بسلطتها وقواها السياسية، وتقدم الشعب الفلسطيني على أنه عاجز عن إدارة شؤونه بنفسه، وإقامة نظام ديمقراطي، أي بتعبير آخر، لا يستحق أن تكون لديه دولة مستقلة. وهو ما يخدم، في الوقت نفسه، ادعاءات دولة الاحتلال أن الدولة التي ستقوم إلى حواراها ستكون مسرحاً للفوضى، ولصناعة الإرهاب.
■ ■ ■
يمكن توصيف الحالة التي تعيشها الحالة الفلسطينية، في النقاش المحموم حول الانتخابات، أنها تشهد حواراً معلناً، أداته وسائل الإعلام، تتدخل فيه الأطراف كلها، وكل طرف يقدم نفسه الناطق الرسمي باسم جماعته، بحيث تختلط الاوراق، ويتحول الحوار إلى فوضى تملأ الأجواء الفلسطينية، وتعمل على تعكيرها أكثر فأكثر.
ليس لأننا ضد الحوار المعلن، وعلى الملأ، وأن يقال للرأي العام ما يقال خلف الجدران، بل لأنه حوار، يحاول البعض أن يجعل منه أداة لإغلاق الطريق أمام إنهاء الانقسام، ولإدامة الحالة القائمة، بما يلبي مصالح المستفيدين من هذا الانقسام، بكل أشكال الفائدة. وللتأكيد على ذلك أن الحوارات الوطنية، التي شهدتها رام الله، ومن ثم غزة، والقاهرة، وعمان، وبيروت، ولم تترك قضية إلا وتناولتها، ووضعت لها حلاً، بما في ذلك قضية الانتخابات، فأجابت بوضوح بضرورة تنظيم انتخابات شاملة، رئاسية، وتشريعية للسلطة، ومجلس وطني فلسطيني في م.ت.ف. وأقرت قانون الانتخابات بنظام التمثيل النسبي، وحددت سن الترشيح، وسن الانتخاب، بما يضمن للشباب المشاركة الفاعلة في ذلك (21 سنة للترشيح و18 سنة للانتخاب) وحددت نسبة الحسم 1.5%. أي أن الحالة الفلسطينية تملك خارطة طريق واضحة المعالم للانتخابات، ويعطل تطبيق هذه الخطة عدم التزام طرفي الانقسام بالتفاهمات الثنائية، ومنها تفاهمات 12/10/2017، (والتي أعيد التأكيد عليها وطنياً في 22/11/2017،) وزرع الألغام في الطريق.
■ ■ ■
هذا الجدال الدائر في الفضاء، وبلغات مختلفة، بعضها هدفه التقريب بين المواقف، والبعض الآخر تعميق الخلافات، يؤكد، باعتراف الجميع تقريباً، أن الحالة الوطنية بحاجة ماسة إلى حوار وطني شامل من شأنه أن يزيل الألغام من طريق مسيرتها. ومن الطبيعي جداً أن تكون الحالة الوطنية بحاجة إلى حوار، وهي مقبلة على استحقاق سياسي، دستوري، وقانوني، هدفه جمع الشمل، كما يقولون، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية، التي انتهت ولايتها القانونية منذ زمن، والتي تفككت بطريقة قسرية في ظل صراعات سياسية ودموية، وبالتالي فإن إعادة بناء هذه المؤسسات، بالانتخابات، لا تندرج، في سياق الانتقال السلس، والتطبيق السلس للقوانين، أي تنظيم الانتخابات في مواعيدها ومواقيتها القانونية والدستورية، بل هي تندرج في سياق حالة فلسطينية متأججة، جاءتها الدعوة للانتخابات، في خطاب نيويورك، بشكل مفاجئ، لم يتم التمهيد لهذه الدعوة لا في اللجنة التنفيذية، في م.ت.ف، ولا في اللجنة المركزية لحركة فتح (التي كثيراً ما تحاول أن تحل محل اللجنة التنفيذية)، ولا في تصريح أو تلميح للقيادة في رام الله. جاءت الدعوة في وقت تعيش فيه فصائل م.ت.ف خلافات سياسية عميقة، حول الموقف من ترجمة قرارات المؤسسة التشريعية الفلسطينية، وللخروج من اتفاق أوسلو وفي ظل تغول سياسة التفرد بالقرار السياسي، وتهميش اللجنة التنفيذية (التعبير المؤسساتي عن الائتلاف الوطني الذي تمثله م.ت.ف) وتحويلها إلى مجرد منتدى للحوار، لا يؤخذ حتى باستخلاصاته وتوصياته. وابتدعت لنفسها، بوحي ما، ما سمي صيغة «الاجتماعات التشاورية». كما صدرت الدعوة في ظل قرار من فتح بمقاطعة أي حوار مع حركتي حماس والجهاد، بعد نكسة اجتماعات الحوار في موسكو في شباط (فبراير) الماضي.
الكل يعترف بضرورة الحوار لكن هنا تفترق المواقف.
البعض يقول أنّ لا حوار إلا بعد صدور المرسوم الرئاسي بتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية (للسلطة). وأن الحوار سيقتصر عندئذ على قضية واحدة هي إنجاح الانتخابات، دون التطرق إلى غيرها(!).
البعض الآخر يقول بضرورة الحوار قبل صدور المرسوم. ففي حال صدر المرسوم، وفشل الحوار، تكون الحالة الفلسطينية أمام مأزق سياسي. أياً، كانت الاحتمالات: إلغاء الانتخابات، أو انتخابات في الضفة بدون القطاع، أو في الضفة والقطاع بدون القدس.. ما يعني أن هذا الحوار حول «آلية الحوار وتوقيته» يؤكد عمق الانقسام وعمق الشرخ. والأخطر أنه ينبئ أن بعض النوايا مازالت تفتقر إلى الصفاء، وأن الإرادة السياسة مازالت هي الغائب الأكبر.
لذلك نقول احترموا حقوق الشعب السياسية والدستورية. وأزيلوا العقبات أمام الانتخابات.
لا تطلقوا الرصاص على الانتخابات.■
معتصم حمادة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت