من دراما التاريخ الفلسطيني المُثقل بالآلام (في ذكرى رحيل ياسر عرفات)

بقلم: علي بدوان

علي بدوان


لمن لايعرفها، ولايعرف شخوصها، وتوقيتها، وحيثياتها، ومارافقها، ولمن لم يقرأ لحظاتها العسيرة بعد اقل من عامٍ واحد من الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت اواخر ايلول/سبتمبر 1982، هي صورة تروي أحداثاً جسام شهدتها الساحة الفلسطينية وتداخلاتها الإقليمية، وكانت زبدة الخسارة، خسارة فلسطينية، صافية مائة بالمائة. فالخاسر الأساسي كان الشعب العربي الفلسطيني، وكل قواه وفصائله الفدائية المسلحة وحتى القوى الحزبية والمجتمعية دون استثناء، دون استثناء.
كان الرئيس الراحل ياسر عرفات قد وصل طرابلس تسللاً من قبرص، حيث يقول محسن إبراهيم الأمين العام للحركة الوطنية اللبنانية في حينها، واصفاً تلك المرحلة: "وصلت إلى باريس قادماً من بيروت في 17/9/1983، وكنت تواعدت مع أبو عمار على الهاتف وبصورة علنية على أن التقيه في تونس في 20/9/1983، ولم أكن أعلم في حينه أن أبا عمار استخدم هذا الموعد المضروب علناً معي للقاء في تونس من أجل تغطية ذهابه إلى طرابلس. وما أن وصلت إلى باريس واتصلت بتونس سائلاً عن أبي عمار حتى أتاني الجواب الختيار مشي ... مشي لوين.؟ فكان موعده معي تمويهاً لحركته ..".
طائرة جزائرية نقلت ابو عمار الى قبرص، ومنها توجه تسللاً بقاربٍ بحري إلى طرابلس. يرافقه ثلاثة من قوات الــ 17 هم حسني سليم (أبو سليم)، وجهاد الغول، ونبيل حمدي، ويوسف عبد الرحيم الملحق العسكري الفلسطيني في الاتحاد السوفييتي، حيث أعيد تجميع القوات المتواجدة في سهل البقاع وبعلبك والتي كان على رأسها الشهيد خليل الوزير، باتجاه مناطق الشمال اللبناني عند طرابلس ومحيطها، وقد حاولت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأخرين فرملة التدهور الحاصل في الحالة الفلسطينية دون جدوى.
في طرابلس، ومناطقها، جرى ماجرى، فابو عمار، ومعه اللجنة المركزية لحركة فتح، اعتبر ماحصل دفاعاً عن الشرعية الفلسطينية، ومنعاً لإنهيار المنظمة، وانهيار البيت الفلسطيني، في مواجهة ماكان مطروحاً في حينه.
انسحبت القوات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم 23/11/1983، عبر البحر، وعلى متن البواخر الفرنسية : الزرقاء اسمها "ايونيان غلوري"، والباخرة الثانية البرتقالية واسمها "ناكسوس"، ثم باخرة ثالثة بيضاء هي "سانتوريني"، ومثلها رابعة اسمها "اوديسياس اليتيس"، وخامسة رمادية اسمها "فرجينيا"، وبذلك اكتمل عقد البواخر الخمس في الحوض الكبير.
 السفن الفرنسية، وعلى متنها عدة آلاف من المقاتلين الفلسطينيين، سارت في حينها بتغريبة جديدة، نحو القواعد العسكرية الفلسطينية في اليمن الشمالي بقيادة العقيد عارف خطاب، واليمن الجنوبي بقيادة العقيد الشهيد أحمد مفرج (أبو حميد) في حينها، لتدخل بعد زمنٍ مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، عام 1994 بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.
إذاً، بالفعل، هي ليست صورة فوتوغرافية فقط، بل هي صورة تُلخص فصلاً دامياً من دراما التاريخ الفلسطيني المُثقل بالمواجع والآلام، هي صورة الخروج الثاني عبر السفن الفرنسية، ومن طرابلس الشام (طرابلس لبنان) هذه المرة، بعد جولات قاسية من الإقتتال الفلسطيني/الفلسطيني الداخلي المؤسف، الذي كان من المُمكن تجنبه، لولا ... ولولا ...
تاريخ قريب يفترض أن تجري عملية تقييم دروسه بروح نقدية، مُتعمقة، بمساهمة أساسية من نُخبه، بعيداً عن العصبيات التنظيمية والفصائلية. فدروس التجربة ملك الشعب الفلسطيني...


في الصورة الأولى : الشهيد الراحل ياسر عرفات، وشيخ الأسرى في سجون الإحتلال فؤاد الشوبكي مدير الإدارة المالية في منظمة التحرير الفلسطينية، واللواء الحاج اسماعيل جبر، والشهيد اللواء منذر أبو غزالة، نبيل عمرو ... واخرين ...


في الصورة الثانية : أبو عمار على متن القارب البخاري متسللاً من لارنكا في قبرص باتجاه طرابلس لبنان ...وقد ارتدى ثياباً مدنية ...

 

 

 

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت