ربع قرن على رحيل رابين: إرثه مازال حياً!

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة

■لم تكن إسرائيل وحدها، حين بكت اسحق رابين، بل بكته عواصم عربية أخرى رأت فيه «رجل سلام»، من شأنه أن يخرج الحالة العربية من مأزقها السياسي، وفشلها في استرداد الأرض التي احتلتها دولة الإحتلال في الحرب العدوانية في حزيران (يونيو) 1967.
وكان يهودي أصولي، يدعى إيغال عامير، قد أردى في 5/11/1995، اسحق رابين، قتيلاً بعدة رصاصات، وهو يحتفل ومناصريه في قلب مدينة تل أبيب، بنجاح حكومته في إيرام «إتفاقات سلام» مع الجانبين الفلسطيني والأردني. إعلام إسرائيل قدم للرأي العام رابين، رئيس حكومته المقتول، رجل سلام شجاعاً، ونزع عنه تاريخه الدموي، يوم كان عنصراً فاعلاً في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حتى أنه حمل، إبان الإنتفاضة الأولى، لقب «محطم عظام الشباب الفلسطينيين».
في إحتفالات سادتها الأبهة الرسمية، في حديقة البيت الأبيض، وقع رابين اتفاق أوسلو مع قيادة م.ت.ف. وفي وادي عربة، في الغور الأردني، وقع رابين «معاهدة» سلام مع الجانب الأردني، وراهنت الولايات المتحدة أنه سيكون حصانها الفائز في الوصول إلى معاهدة مماثلة مع سوريا، تخرج إسرائيل من الجولان. لكن الوثائق التي تمّ الكشف عنها لاحقاً، بما في ذلك ما كتبه وزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع، وماكتبته بعد ذلك المستشارة في القصر الجمهوري الدكتورة بثينة شعبان، أوضحت كم كان رابين ثعلباً مناوراً، يتحدث لغة السلام، دون أن ينزع عن إسرائيل صفتها دولة حرب ودولة إحتلال، لا تنظر إلى معاهدات السلام مع الأطراف العربية إلا زاوية واحدة: الحفاظ على مصالح إسرائيل وحدها، وتجويف قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك القرار 242، الذي أخضعته لتفسير أحادي الجانب، لا ترى فيه إلا مصلحتها، وعلى حساب مصالح الأطراف العربية المعنية بالقرار.
ولعل ذهابه إلى الكنيست الإسرائيلي، في أعقاب توقيع إتفاق أوسلو في واشنطن، في 13/9/1993، ليلقي خطاباً أمام السلطة التشريعية الإسرائيلية، كان كافياً ليشكل دليلاً دامغاً، يكذب أسطورة رجل السلام. فقد تحدث بلغة واضحة أن أوسلو لن يقود على الإطلاق إلى «دولة ثالثة» بين الأردن، وبين إسرائيل.
 ما يعني رفض «رجل السلام» المزعوم قيام دولةفلسطينية مستقلة، ما وضع الفلسطينيين أمام خيارين إسرائيليين، رفضهما الفلسطينيون مسبقاً: البديل الأردني، أي جعل الأردن دولة الفلسطينيين، أو القبول بالحكم الإداري الذاتي للسكان على أجزاء من الضفة وقطاع غزة، حلاً نهائياً ودائماً، في ظل الهيمنة والتبعية السياسية والأمنية والإقتصادية لإسرائيل. كما أن الشروع في تطبيق إتفاق أوسلو، شكل محطة كاشفة لحقيقة نوايا رابين وحديثه الأجوف عن السلام.
ففي 13/12/1993، أي بعد ثلاثة أشهر من توقيع إتفاق أوسلو، كان يفترض بجيش الإحتلال أن يبدأ بإجراءاته الميدانية في إعادة الإنتشار في بعض المناطق، غير أن رابين عطل هذه الخطوة، ورفع في وجه القيادة الفلسطينية شعاره المعروف « لا مواعيد ولا نصوص مقدسة»، مؤكداً أن إتفاق أوسلو لا يلزمه بشيء، وأن معيار التزامه، هو الأمن الإسرائيلي، وبالتالي فإن حكومته –كما أوضح- لن تلتزم رزنامة التطبيق، بل ستعمل وفق مبدأ تقييم كل خطوة، ومدى تلبيتها لحاجات إسرائيل، وسوف تلجأ إلى تعديل الإتفاق، إن هي رأت ذلك ضرورة، ليس بالعودة إلى التفاوض حول النصوص بل بفرض الوقائع الميدانية على الأرض.
 ولعل شعار رابين تحول إلى إستراتيجية إسرائيلية في تطبيق إتفاق أوسلو. وما يقوم به نتنياهو وحكومته يشكل الحالة النموذجية في تطبيق شعار رابين: فرض الوقائع الميدانية على الأرض، واللجوء إلى الإجراءات الأحادية، خاصة في الإستيطان، والضم، والتهويد، وإجتياح الأماكن الدينية في القدس، والخليل وغيرها، لفرض تهويدها، مسلمة كانت أم مسيحية. رحل رابين منذ ربع قرن، ومازال إرثه حباً في السياسة اليومية الإسرائيلية: رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، وزرع العوائق في طريقها، ورفض حق العودة للاجئين، وتصويب النيران على وكالة الغوث.■

معتصم حمادة
 مجلة الحرية الفلسطينية العدد1748

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت