دعاني صديق للتعرف على "شاعر مبدع" حسب وصفه، استضافنا ببيته، واتحفنا بكلمات لم أستطع ربطها باي صيغة تسمى شعرا او منطقا ثقافيا بسيطا. استمعت اليه بطول صبر. لم أجد شعرا ولم أجد الا ترهات أقرب للسجع الفكري واللغوي، مجرد ثرثرة فارغة من أي مضمون او معنى ثقافي بسيط، حتى لو كانت الأسطر موزونة!!
كانت ابتسامة "الشاعر المبدع" تمتد من الأذن للأذن، وكنت أضبط لساني وانتظر نهاية الجلسة والمغادرة مكتفيا باني استطعت ان اشرب فنجان القهوة، رافضا تناول أي شيء آخر من طاولة الضيافة العامرة.
بأعجوبة حافظت على صمتي ولم اقل أي كلمة عن شعره احتراما للضيافة. ولكني اليوم وقد مضت سنوات على تلك الجلسة، لم اعد قادرا على عدم قول رأيي، ضمن يومياتي (يوميات نصراوي) خاصة انه شاعر فحل لا تخلو بعض النشرات من كلماته المصاغة عموديا بالطريقة الصينية. وآمل ان لا يعرضني ذلك "لرصاصة طائشة".
طبعا لسخافته كان ينتظر ان اشيد ب "عبقريته الشعرية"، لكن سيطر علي شعور بان صديقي جرني الى مطب لم اتوقعه والأفضل ان ابقي فمي مغلقا. ولم يكن ذاك سهلا، لكني نجحت بالصمت.
خلال حديث "الشاعر المبدع" الفارغ من أي مضمون ثقافي بسيط، بعد ان قرأ بعض شعره، فاجأني "الشاعر المبدع" بالخروج عن مضمون الشعر والحديث الثقافي بقوله انه منذ سنوات لا يلبس الا الكلسات البيضاء وشد بنطاله للأعلى ليظهر كلساته البيضاء. احترت كيف افهم هذا التصرف الغبي. اضحك ام ابصق؟ لم افهم ما العلاقة بين الشعر وكلساته البيضاء. تملكني اشمئزاز كبير لم يفارقني حتى اليوم بسبب اصراري على الصمت، وقرار لا عودة عنه ان لا اصمت إذا استمعت لتفاهات تسمى ادبا.
اسرعت بإنهاء اللقاء ضابطا لساني.
سألني صديقي ونحن نبتعد:
- ما رايك بشعرة ؟ لماذا لم تقل شيئا؟
قلت له:
- أتمنى لو اصفعك بقوة.. لا تنظر الي ببلاهة، ان لون كلساته البيضاء أكثر تألقا من شعره، واشكر ربك لأني ضبطت لساني.
اجابني:
- لم افهم ما تعني؟ لماذا هذه العصبية، انه شاعر صاعد؟
قلت:
- اجل صاعد، بدأ بلون كلساته، والحمد لله انه لم يصعد اكثر ليكشف عن لون كلسونه أيضا.
قال لي:
- لماذا انت دائما سلبي؟ والحديث ليس عن كلساته وكلسونه؟
اجبته:
- لم اسمع شعرا بل ترهات غبية. هل تريدني ان امدح لون كلساته؟ لعلها بحر شعري جميل؟ ام كنت تنتظر أن يكشف عن لون كلسونه أيضا؟ لعل هذا اهم مميزاته الشعرية؟!
نبيل عودة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت