تناول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" الانعكاسات السياسية، والحزبية والقانونية والدستورية المترتبة على تقديم لائحة الاتهام الجنائية ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على اعتبار أن ذلك يشكل "هزة أرضية" حقيقية في الشأن الإسرائيلي السياسي.
وخلص التقرير الذي أعده "مدار" أن تنفيذ المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت قراره بشأن تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو لن يكون بالأمر السهل أو السريع، بل قد يتأجل لفترة زمنية طويلة، أو طويلة جداً حتى، إذا ما اختار الأخير خوض حربه الشخصية الضروس ضده، وهو ما تشير كل الدلائل إلى أنه سيكون خياره على الأغلب.
ونوه إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة إبان إشغال منصبه هذا، وهي المرة الأولى التي تُقدَّم فيها لائحة اتهام بتهمة الرشوة ضد رئيس حكومة إبان إشغال منصبه، كما أنها المرة الأولى التي تتطرق فيها لائحة الاتهام إلى مخالفات جنائية جرى تنفيذها إبان فترة إشغال رئيس الحكومة منصبه ومن خلاله وخلال مزاولة مهام منصبه هذا رسميا.
وحسب التقرير، يتضح بداية نهاية عهد نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد، من خلال مسارين:
الأول: مسار الحراك داخل حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، وفيما إذا كان من شأنه أن يسفر عن إطاحته، وهو مسار ما زال يحيطه الغموض الكبير.
الثاني: المسار القانوني وفيما إذا كان ينطوي فعلاً على إمكان إطاحته عاجلا أم آجلا.
وليس ثمة نص قانوني أو سابقة قضائية تتعلق بإلزامية تقديم رئيس الحكومة في إسرائيل استقالته في حال تقديم لائحة اتهام جنائية ضده، كما ليس ثمة نص قانوني أو سابقة قضائية تلزمه بتقديم استقالته قبل انتهاء الإجراءات القضائية بحقه. ومعنى هذا أن رئيس الحكومة يستطيع قانونيا مواصلة إشغال منصبه الرفيع هذا حتى بعد تقديم لائحة اتهام جنائية ضده، بل وحتى خلال كل الفترة التي تستغرقها مداولات المحكمة وجلساتها للنظر في لائحة الاتهام هذه، والتي قد تطول كثيراً جداً (بضعة أعوام). وليس ثمة جهة أو شخص في إسرائيل مخول صلاحية قانونية لعزل رئيس الحكومة عن منصبه.
ويحدد "قانون أساس: الحكومة" (البند رقم 18) حالتين ينبغي فيهما إنهاء ولاية رئيس حكومة في إسرائيل في أعقاب مخالفة جنائية، وكلتا الحالتين بعد صدور قرار حكم قضائي بإدانته جنائياً: الأولى، قرار يتخذه الكنيست بأغلبية أعضائه بعد أن تكون محكمة أولى قد قررت إدانة رئيس الحكومة بمخالفة جنائية فيها وصمة عار؛ والثانية، بعد صدور قرار حكم قضائي نهائي ومطلق (بعد استنفاد جميع إمكانيات الاستئناف) يتضمن إدانة رئيس الحكومة بارتكاب مخالفة جنائية.
ومن الواضح، الآن، أن إصرار نتنياهو على عدم الاستقالة من منصب رئيس الحكومة، استنادا إلى القانون الذي لا يلزمه بذلك، سوف يجر عدداً من طلبات الالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية التي لا يمكن التكهن بالمنحى الذي ستختاره في معالجة هذه الإشكالية وبالحلول التي يمكن أن تتوصل إلى طرحها على المتنازعين.
شبهات لائحة الاتهام:
كما ذكر أعلاه أعلن مندلبليت أنه قرّر تقديم لائحة اتهام بحق نتنياهو بشبهة تلقي رشوة في القضية المعروفة باسم "الملف 4000"، بالإضافة إلى تقديم لائحتي اتهام أخريين بشبهتي الاحتيال وخيانة الأمانة في القضيتين المعروفتين باسم "الملف 1000" و"الملف 2000".
وبموجب اللائحة، سيُتهم نتنياهو بتلقي الرشوة في "الملف 4000"، وذلك على خلفية قيامه بالدفع قدماً بمصالح رجل الأعمال الإسرائيلي شاؤول ألوفيتش المالك الرئيسي لشركة "بيزك" للاتصالات، في مقابل تغطية أخبار رئيس الحكومة وعائلته بشكل إيجابي في الموقع الإخباري "واللا" الذي يمتلكه ألوفيتش. وتم إغلاق الملف ضد زوجة رئيس الحكومة سارة في هذه القضية، في حين سيتم توجيه تهمة تلقي الرشوة إلى ألوفيتش وزوجته.
وفي "الملف 1000" ستُوجه إلى نتنياهو تهمتا الاحتيال وخيانة الأمانة بشبهة تلقيه عطايا من الثري أرنون ملتشين. ولن يتم توجيه أي تهم ضد ملتشين في هذه القضية.
وستوجّه تهمتا الاحتيال وخيانة الأمانة في "الملف 2000" على خلفية اتصالات جرت بين نتنياهو ومالك صحيفة "يديعوت أحرونوت" وناشرها أرنون (نوني) موزس من أجل التضييق على صحيفة "يسرائيل هيوم" المنافسة في مقابل قيام "يديعوت أحرونوت" بنشر أخبار عن رئيس الحكومة بصورة إيجابية. وسيتم اتهام موزس بالرشوة. وكانت وسائل إعلام ذكرت في الماضي أن هذا الملف كان موضع خلاف في مكتب المستشار القانوني، حيث رأى العديد من المسؤولين أنه يجب توجيه تهمة تلقي الرشوة إلى نتنياهو، بينما درس مندلبليت إمكان عدم توجيه أي تهمة إلى رئيس الحكومة.
"الملف 1000": تضارب مصالح خطر- في قضية "الملف 1000"، التي تدور حول اتهامات بحصول نتنياهو على هدايا من أثرياء، في مقدمهم المنتج الهوليوودي الإسرائيلي الأصل أرنون ملتشين، والمستثمر الأسترالي جيمس باكر، في مقابل حصولهما على خدمات، قال مندلبليت إنه يتهم نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة، وإنه قرّر إغلاق القضية ضد ملتشين.
وبحسب مندلبليت، فإن نتنياهو متهم بتضارب مصالح خطر بين التزاماته تجاه مانحين والتزاماته تجاه الجمهور. وقال إن رئيس الحكومة وزوجته حصلا على هدايا تصل قيمتها إلى 701.146 شيقلا، 477.972 شيقلا، منها سيجار وشمبانيا ومجوهرات من ملتشين، و229.174 شيقلا سيجار وشمبانيا من باكر.
وقال المستشار القانوني إن هناك 3 حالات استخدم فيها نتنياهو منصبه كرئيس حكومة لدفع مصالح ملتشين: مساعدته في الحصول على تأشيرات إقامة في الولايات المتحدة؛ العمل من أجل تمديد قانون إعفاء ضريبي غير معروف يخدم مصالح المنتج الهوليوودي؛ العمل من أجل الدفع قدماً بمصالح ملتشين الاستثمارية في القطاع الإعلامي الإسرائيلي.
وأشار مندلبليت إلى أن نتنياهو قام بتدخلات كبيرة ساعدت ملتشين في محاولته امتلاك جزء كبير من قناة التلفزة الثانية التي تم حلها. وقبل فصلها إلى قناتين منفصلتين، كانت شركتين تشغلين هذه القناة وهما "ريشت" و"كيشت" ("كيشت" تشغل الآن القناة 12 بينما "ريشت" تشغل القناة 13). وأوضح مندلبليت أنه بحسب خطة نتنياهو- ملتشين، كان من المفترض أن يدخل الأخير في شراكة مع "ريشت" وبعدها يعمل على الدمج بين "ريشت" و"كيشت".
وأضاف ان نتنياهو ساعد في تعيين عدة لقاءات بين ملتشين ومستثمرين معنيين، وطلب من المدير العام السابق لوزارة الاتصال شلومو فيلبر، الذي أصبح شاهد ملك في هذا الملف، أن يساعد في الدفع قدماً بهذه المسألة.
يذكر أن ملتشين (73 عاماً) مولود في إسرائيل ولا يحمل جنسية أميركية لكنه كان يحصل على تأشيرات إقامة مدتها 10 أعوام. لكنه في العام 2013 أدلى بمقابلة إلى قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أقر فيها بالعمل لمصلحة المخابرات الإسرائيلية في الماضي، وفي إثر ذلك لم يعد يحصل على تأشيرات لمدة 10 أعوام، بل يضطر إلى طلب تمديد بشكل سنوي.
"الملف 2000": إلحاق أضرار خطرة بثقة الجمهور- في قضية "الملف 2000"، التي تدور حول اتهامات باتفاق نتنياهو مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" ومالكها أرنون (نوني) موزس حول إضعاف صحيفة "يسرائيل هيوم" المنافسة في مقابل تغطية أكثر إيجابية في "يديعوت"، اتهم مندلبليت رئيس الحكومة بالاحتيال وخيانة الأمانة، بينما سيتم توجيه تهمة تلقي رشوة إلى موزس. وورد أن هذه القضية أثارت جدلاً في مكتب مندلبليت وأن العديد من مسؤولي النيابة العامة بمن في ذلك المدعي العام الرئيسي قالوا إنه يجب اتهام نتنياهو بتلقي رشوة، بينما درس مندلبليت احتمال عدم توجيه أي تهمة إلى رئيس الحكومة.
وبحسب الاتفاق المفترض بين موزس ونتنياهو والذي لم يتم تطبيقه، قال رئيس الحكومة إنه سوف يدفع قدماً بتشريعات لتحديد انتشار صحيفة "يسرائيل هيوم" إذا ما طلب موزس من صحافيين وكتاب مقالات رأي تغيير مواقفهم السلبية عادة تجاه نتنياهو.
وقال مندلبليت إنه منذ العام 2009 عقد نتنياهو وموزس محادثات ولقاءات شخصية تباحثا خلالها بشأن مساعدة أحدهما الآخر في صفقة مقايضة لدفع مصالحهما. وعرض نتنياهو دعمه لإجراءات محتملة تساعد في تقييد انتشار "يسرائيل هيوم"، منها إلغاء نسخة نهاية الأسبوع التابعة للصحيفة. ولم تتم المصادقة على هذه الإجراءات، نظراً لحل الحكومة والتوجه إلى الانتخابات العام 2015.
وبحسب مندلبليت، عرض موزس على نتنياهو في مقابل مساعدة رئيس الحكومة خطاً مباشراً لمحرري كل من صحيفة "يديعوت" وموقع "واينت" التابع لها، وهو من أكبر مواقع الأخبار الإسرائيلية، وقال له إنه يمكن أن يكون لديه تأثير مباشر على المقالات حوله.
وقال مندلبليت إنه سيوجه تهمة تلقي رشوة ضد موزس لكن تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة فقط ضد نتنياهو. ومع ذلك اتهم رئيس الحكومة بإلحاق أضرار خطرة بثقة الجمهور، عبر إجراء مفاوضات مفصلة وواسعة النطاق مع موزس بشأن عرضه بدلاً من وقف المسألة فوراً.
"الملف 4000": علاقة مبنية على رشى- في قضية "الملف 4000"، التي تعتبر القضية الأخطر ضد رئيس الحكومة، يُتهم نتنياهو بالدفع قدماً بقرارات تنظيمية تعود بالفائدة على شاؤول ألوفيتش، المساهم المسيطر على شركة "بيزك" العملاقة للاتصالات، في مقابل الحصول على تغطية إيجابية من موقع "واللا" الإخباري الذي يملكه ألوفيتش. وأعلن مندلبليت أنه يتهم كلاً من نتنياهو وألوفيتش بتلقي رشوة.
وقال مندلبليت إن نتنياهو تدخل بشكل سافر ومستمر، وأحياناً حتى بشكل يومي، في المضامين التي ينشرها موقع "واللا" الإخباري، وسعى أيضاً للتأثير على تعيين مسؤولين رفيعين (محررين وصحافيين) عبر تواصله مع ألوفيتش وزوجته إيريس.
وضمن ألوفيتش تغطية إيجابية لنتنياهو في "واللا"، ثاني أكبر مواقع الأخبار في إسرائيل، وتغطية منتقدة لمنافسي نتنياهو، خاصة في فترات الانتخابات في العامين 2013 و2015.
ويُتهم نتنياهو بالدفع من أجل السماح لمستشاره الإعلامي نير حيفتس الذي أصبح لاحقاً شاهد ملك بتحرير مقابلة مع نتنياهو، وتم قبول الطلب.
في المقابل تدخل نتنياهو في قرارات تنظيمية وتجارية أخرى أدت إلى حصول ألوفيتش على نحو 1.8 مليار شيقل.
والاتهامات بإساءة الإدارة تعود إلى قيام نتنياهو باستبدال غلعاد إردان كوزير اتصال في تشرين الثاني 2014، فيما اعتبره البعض انتزاع سلطة للحصول على سيطرة أكبر على قطاعات الإعلام والاتصالات. وقام بعدها بإقالة المدير العام لوزارة الاتصال آفي بيرغر عبر الهاتف في أيار 2015، وعيّن فيلبر مكانه. وكانت هذه الخطوة، بالإضافة إلى إصرار نتنياهو على أن تشمل الاتفاقيات الائتلافية العام 2015 بنداً يمنحه سيطرة حصرية على شؤون الإعلام، تهدف إلى إيجاد مواقف ليست فيها مواجهة بخصوص شركة "بيزك"، وهو ما سعى بيرغر لتقييده.
وأشار مندلبليت إلى أنه تحت إدارة فيلبر بدأت "بيزك" تحظى بمعاملة تفضيلية. وعلى سبيل المثال، أطلقت إسرائيل العام 2014 إصلاحاً شاملاً لفتح سوق الهواتف الأرضية والإنترنت التي كانت تهيمن عليها شركة "بيزك" أمام المنافسة. وبحسب الإصلاح المخطط كان من المفترض أن تؤجر "بيزك" حتى آذار 2017 بُنيتها التحتية لمنافسين من شركتي "بارتنر" و"سيلكوم" كي تتمكنا من توفير خدمات هواتف أرضية وإنترنت، لكن مع تولي فيلبر الإشراف على تطبيق الخطة تراجعت "بيزك" عن التزاماتها.
وكتب المستشار القانوني أن العلاقة بين نتنياهو وألوفيتش شكلت تضارب مصالح سافر، حيث تدخل ألوفيتش بفجاجة من أجل نتنياهو في "واللا" مع التوقع الذي تحقق بالانتفاع تجارياً. واستخدم نتنياهو نفوذه وصلاحياته للدفع قدماً بمصالح ألوفيتش، ما أدى إلى حصول هذا الأخير بشكل مباشر أو غير مباشر على 1.8 مليار شيكل نتيجة قرارات نتنياهو التنظيمية وغيرها.
وقال مندلبليت إنه يعتقد أن هناك أدلة كافية لمقاضاة نتنياهو بتهمة تلقي رشى، بالإضافة إلى الاحتيال وخيانة الأمانة. وقال إنه يتفق مع الشرطة بشأن وجود علاقة مبنية على الرشى بين نتنياهو وألوفيتش.
لكن خلافاً لتوصيات الشرطة و"النيابة" لم يقرر مندلبليت توجيه تهم تلقي رشوة والاحتيال وخيانة الأمانة أو عرقلة الإجراءات التحقيقية والقضائية ضد زوجة نتنياهو سارة. وألغى أيضا تهما شبيهة محتملة ضد نجل نتنياهو يائير