حينما نحيا الذكرى أو نحييها فكلاهما يشير إلى زمن القامات العالية، زمن الرمزية الثورية التي عايشناها وعاصرناها؛ وأبرزها المعلم الملهم والقائد صالح دردونة "أبو ناصر"، هذا القائد الفريد الذي جمع في ثنايا شخصيته سمات القائد المتميز بعطائه وبسلوكه وبرؤيته للأمور، أحد مؤسسي وقادة الجبهة الشعبية الأوائل؛جبهاوي الانتماء، وطني، ديمقراطي المراس. عايشناه في المعتقلات، أينما وُجِد وُجِدت المحبة وتراجعت الفئوية. هو وآخرون أمثال معين بسيسو والحج البرعي وآخرين كثر، اللذين في اللحظات الحرجة كانوا يتحلّقون محاصِرين نفَسَ الفئوية داخل المعتقلات.عهدناه قائداً جماهيرياً رمزاً جماهيرياً تلازمه المحبة والعطاء والهدوء أينما وطأت أقدامه في أزقة المخيمات وحواري القرى. كيف بنا أن نحفظ مثل هذه السجايا من الضياع في زمن مجافٍ؛ أصبحت فيه الحياة "بزنس". إنّ المظهر العام السائد الذي يؤشر إلى تراجع القيم وغياب المبدئية وطغيان الذاتية وتقاسم المنافع والمغانم ممّن يدّعون الوطنية، قادة أولاً ثم أولاً. هذا المظهر لا ينفي بالمطلق حتمية تجاوز هذه الطغم الفاسدة التي لوثت مفاهيم ارتبطت وارتبط بها عظماء؛ أمثال أبو ناصر؛ إنه التضحوي النقاء، الوطني النسوك الثوري.
أين نحن من مرشدٍ ورمزٍ تبوّأ رمزيته خارج تأثير الدعم الخارجي، بعيداً عن الكتلوية والعصبوية والقبلية السياسية والجغرافية، التي هي عناصر قوة قادة وزعماء يتبوؤون مكانة التمثيل لهذا الشعب وقواه المناضلة. قالوا إنّ جنازته كانت استفتاءً وأيّ استفتاء؛ لم يكن ذا طابع سياسي أو قبلي أو جهوي، إنه استفتاء لتجربة مناضلٍ، لسجايا ومزايا قائد وطني ديمقراطي. فلنمسك بهذه المزايا والصفات ونعمل على سيادتها السياسية والاجتماعية؛إنها تشكل منظومة قيم إنسانية، لم لا؟! وما أروع هذه المدرسة الثورية التي دشنها القائد المربي صالح دردونة، القائد المشتبك دوماً مع الهم الجماهيري. كم أغنت تجربة الكادراتوالمسؤولين الوطنيين في كل الفصائل والساحات، فمن ساحة النضال الطلابي بجامعة الإسكندرية إلى ساحة العمل السري في حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية إلى ساحة النضال الجماهيري.
صالح دردونة أبو ناصر؛ فرادة في الإدارة الإنسانية، بعيداً عن القواعد والقوانين الأكاديمية. السؤال لكم قائدي ومعلمي وقدوتي أبو ناصر: كيف استطعتم المُزاوجة بين العمل السري والرمزية الجماهيرية؟والشق الثاني من السؤال: كيف حافظتم على جماهيريتكم، رغم غيابكم ثلاثة عشر عاماً في معتقلات العدو الصهيوني؟ ليس هذا فحسب،بل تجاوزَت هذه الجماهيرية حدود الطاعة والولاء وكل الأرقام والحدود الجغرافيّة.
أبو نصار، إنّنا بذكرنا هذه السمات، ولهذه القدرات، بالتأكيد لا نبالغ. لو كنت حياً لما سمحت لنا بمجرد الثناء. هذا ما أنا متأكدٌ منه تمامًا، لمعرفتي بأنَك لست ممّن سعى إلى المظاهر أو القفز والتعالي عن المهام الصغيرة، صحيحٌ أنّك تبوأت المسؤول الأول والقائد الأول للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة، وأحد أبرز قيادات العمل الوطني داخل سجون الاحتلال، كما تبوّأت مركز القائد الجماهيري في قطاع غزة بدون منافس، لكنك بقيت متواضعاً بعلاقاتك، موزعاً وقتك بين مختلف فئات المجتمع، وتحديداً الفقراء من عملاء وفلاحين.
يطول الحديث عن الإنسان صالح دردونة، ولا تسعفنا الحالة والمزاج العام بإعطائه حقه، لا بأس؛ لقد كُرِّم جيفارا بعد أربعين عاماً على استشهاده.
سنبقى نذكرك ما حيينا، وستبقى مشعلاً يضيء لنا الطريق طريق النضال الإنساني غير المحدود، نضالنا ضد العدو الصهيوني والتخلف والتبعية، سنبقى نذكر تعاليمك لنا وتوجيهاتك نحو العطاء والبناء والتثقيف الذاتي، ونبذ الخلافات والحفاظ على النسيج الاجتماعي، ستكون دوماً عنواناً لكل إنجازاتنا، ومحفّزًاقويًا لتجاوز إخفاقاتنا، ستبقى دائمًا الطاقة الكامنة وقت الحاجة.
بقلم / حسين الجمل
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت