برنامج نتنياهو وعقدة الحكومة

بقلم: محمد السهلي

بنيامين نتنياهو

معظم المؤشرات تقول إن كلا من "الليكود" و"أزرق ـ أبيض" أقفل باب حكومة الوحدة. وباتت وظيفة اللقاءات الأخيرة بين نتنياهو وغانتس تقتصر على تصريحات ختامية يتبادلان من خلالها الاتهامات حول مسؤولية الطرف الآخر عن التوجه إلى انتخابات ثالثة.
وكان واضحا منذ بداية نقل الكرة إلى ملعب الكنيست أنه لن ينجح فيما فشل فيه كل من المكلفين بتشكيل الحكومة. وعلى هذا الأساس، بقي العامل الوحيد الذي يمنع إجراء انتخابات مبكرة جديد هو تغير موقف أفيغدور ليبرمان في اللحظات الأخيرة، وانحيازه إلى نتنياهو متجاوزا اعتباراته وشروطه تجاه الأحزاب الحريدية من خلال التوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين و لا يستفز جمهورهما.
      هناك من يستبعد ذلك بالمطلق، مقابل آخرين ربطوا ما يستجد من مواقف بحسابات الربح والخسارة لكل طرف في حال أجريت الانتخابات الثالثة.
 

على الرغم من المتاعب متعددة الجهات التي يعانيها نتنياهو، مازال يحاول بكافة الوسائل الوصول إلى تشكيل حكومة برئاسته، مع معرفته أن الخريطة الحزبية التي رسمتها نتائج الانتخابات لا تسمح له بذلك. لكنه في الأيام الأخيرة يراهن على جدية الإشارات التي أطلقها ليبرمان وأوحت أنه من الممكن أن يشارك في حكومة ضيقة برئاسة نتنياهو. وخاصة أن هذه الإشارات ترافقت مع الحديث عن ضغوط يتعرض لها ليبرمان من داخل حزبه من أجل الانضمام إليها، كما ترافقت مع إبداء أعضاء كنيست من حزبه غضبهم من أداء "كاحول لافان" تجاه مسألة حكومة الوحدة. وفيما قال مراقبون أن كل ما سبق مناورة من قبل ليبرمان للضغط على غانتس ولبيد لقبول شروط "الليكود" حول أولوية نتنياهو في الولاية على الحكومة، قال آخرون إن حزب ليبرمان غير مطمئن لنتائجه المتوقعة في الانتخابات الثالثة، في ظل تناول استطلاعات الرأي لدوره السلبي الذي منع  تشكيل حكومة منذ الانتخابات قبل السابقة. لكن عقبات جدية تحول دون دخول ليبرمان إلى حكومة يمينية ضيقة برئاسة نتنياهو، أبرزها أنه رفض ذلك على طول الخط منذ ظهور نتائج الانتخابات قبل الأخيرة، وأصر على حكومة وحدة. ويمكن لهذا التصريح أن يضر بشعبية حزبه ويفقده مقاعد في الكنيست القادمة ،إذا استمر فشل نتنياهو ووقعت الانتخابات الثالثة. كما سيدفع هذا التصريح الأحزاب الحريدية إلى التشدد بمواقفها، من زاوية إدراكها لمؤشرات تراجع ليبرمان عن موقفه، إضافة إلى بروز معارضين داخل الحزب لهذا التوجه المستجد، وربما ينشق البعض.  
لكن المسألة الأهم التي يتناولها المراقبون بالتحليل حول آفاق تشكيل الحكومة اليوم أو بعد الانتخابات الثالثة تتعلق ببرنامج نتنياهو، الذي دأب في الفترة الأخيرة على تظهير عدد من عناوينه بشكل غير مسبوق فيما يتعلق بمسألة ضم المستوطنات ومناطق واسعة في الضفة الفلسطينية في مقدمتها الأغوار.
 ويدرك نتنياهو أن الذي مكن الليكود برئاسته من الاستمرار على رأس الحكومة طيلة العشر سنوات الماضية هو نجاحه في تقديم الليكود كحامل قوي لبرنامج اليمين الصهيوني في السياسة والاقتصاد. وقد أنشأ تحالفاته الحكومية على هذا الأساس. وتحتل سياسات نتنياهو تجاه مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة قلب هذا البرنامج. وقد زاد تغوله في السياسة التوسعية مع مجيء إدارة ترامب وطرح خطتها المسماة "صفقة القرن"، والتي عبرت عن اتحاد بين رؤية هذه الإدارة مع خطة نتنياهو في "السلام الاقتصادي". وهذا جعله يحيل انحياز إدارة ترامب وخطواتها لصالح التوسعية إلى قدرته على الوقوف في وجه إدارة أوباما بشأن التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان على أبواب عودة المفاوضات في العام 2010. ولذلك جرى التأكيد مرارا مع التصعيد الواسع على جبهة الاستيطان والتهويد أنه بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى تدويل موضوعة الاستيطان من زاوية عرضة أمام محكمة الجنايات الدولية ومحكمته ربطا بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
 من جانب آخر، يدرك "الليكود" مركزية وجود نتنياهو على رأسه وكذلك الأمر بالنسبة لأطراف المعسكر اليميني. وقد أظهرت نتائج الاستطلاعات أن "الليكود" سيكون أضعف بدون نتنياهو. ولهذا السبب بالأساس بقي الحزب ملتفا حوله ولم تظهر معارضة جدية في مواجهته باستثناء جدعون ساعر، الذي لم ترشحه هذه الاستطلاعات للصعود إلى رأس "الليكود".
ويسعى نتنياهو لتعزيز موقعه في خريطة اليمين الصهيوني في محاولة لدرء تداعيات قيام مستشار الحكومة تسليم ملفات الاتهام الخاصة به إلى رئيس الكنيست. وقد لفت الانتباه مؤخرا نشاطه على صعيدين:
* الأول: إعلانه أنه سيبحث مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إبرام معاهدة "دفاع متبادل". وعرض نتنياهو لذلك على أرضية أن إدارة ترامب تنحاز عمليا إلى مصالح إسرائيل. وأن من شأن توقيع هذه المعاهدة أن يشكل رادعا لأي طرف يفكر بمهاجمتها. وهذه رسالة إلى الجمهور الإسرائيلي من زاوية إشعاره بأن نتنياهو دائم العمل من أجل الدفاع عن الدولة العبرية في مواجهة "الأخطار الوجودية المحدقة بها".
* وفي الوقت نفسه الدفع باتجاه وضع عدد من الدول العربية أمام توقيع معاهدة "عدم الاعتداء" مع إسرائيل. وذلك في إطار استثمار خطوات التطبيع العربي الرسمي مع الاحتلال، وفي سياق مشروع تشكيل تحالفات إقليمية تحت قيادة الدولة العبرية وخدمة لسياساتها العدوانية التوسعية. وقد دخل موضوع إبرام المعاهدة، بورصة المزايدات بين نتنياهو وخصمه المنافس غانتس. ففي الوقت الذي يرى فيه رئيس الوزراء منتهي الولاية أن هذه المعاهدة مع واشنطن لن تقيد يد الجيش الإسرائيلي، رأى رئيس قائمة "كاحول لافان"، عكس ذلك. وغانتس هنا يبدي "حرصه" على إطلاق يد جيش الاحتلال في شن عدوانه على الأراضي الفلسطينية المحتلة وغيرها، وكأن الولايات المتحدة بإداراتها المختلفة وضعت قيدا على حروب إسرائيل منذ العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 وحتى اليوم.
* يضاف إلى ما سبق وضع قطاع غزة أمام مقايضات تستغل أزماته المتراكمة مقابل وعود بالتخفيف من إجراءات الحصار. والهدف الإسرائيلي هو نفسه الذي يحاول الوصول إليه منذ أعوام طويلة وعقب كل عدوان يقوم به ضد القطاع. وثبت أمام الجميع أن وراء هذه المحاولات سعي نتنياهو لتحسين موقعه أمام خصومة ومنافسيه وهذا يعني مع استمرار أزماته وتفاقمها، أن الحرب على الغزة مجددا أمر غير مستبعد، وهو يرى نفسه غير معني بإيجاد سبب يقنع أحدا في ارتكاب هذه الحماقة.


محمد السهلي

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت