مفهوم العلاقات الدولية فيه من الغموض والعمومية ما يجعل من امكانية الوقوف على مواقف واحدة ....وسياسة موحدة ...وفعل واحد امرا شبه مستحيل ....ان لم يكن مستبعد في ظل خارطة التحالفات والتشكيلات والمصالح التي توحد من جهة ....وتتضارب من جهة أخري ....مما يجعل من العلاقات الموحدة في السياسة الدولية أمرا مستحيلا وغائبا على خارطة العلاقات الدولية .
متابعة للسياسة الدولية ومنذ عقود وبكافة تشكيلاتها وتحالفاتها ....مصالحها القائمة والغائبة ....والتي يمكن قراءتها من خلال خارطة العلاقات ما بين الدول ....انما تؤكد أن المواقف تتغير وفق مفهوم المصالح الانية والاستراتيجية وما يحدث عليها من متغيرات تفرض التغيير ببعض أو كل المواقف وما يمكن أن ينعكس على التحالفات والتشكيلات ما بين الدول وحتي ما بين الاحزاب والأيدولوجيات داخل الدولة الواحدة .
المبادئ والقيم لا تشير بصورة قاطعة لحقيقة المواقف التي تتخذها الدول بقدر ما يحكم المواقف من مصالح أنية واستراتيجية وما يجري ضد الدول من ضغوط سياسية اقتصادية انية تفرض عليها اتخاذ مواقف مغايرة لحقيقة وثوابت مواقفها . مما يؤكد أن السياسة بالعلاقات الدولية تتغير بفعل عوامل ومتغيرات تحدث بصورة مستمرة ودائمة ولا تجعل من المواقف حقيقة ثابتة لا تتغير .
المصالح المتضاربة تتحكم بمواقف العديد من الدول التي يمكن أن تربط بينها عوامل مشتركة لها علاقة بالتاريخ والجغرافيا والثقافة والدين وهذا ما يبرز خلل واضح في سياسة بعض الدول مع بعضها البعض . جهود بذلت ونتائج تم الوصول اليها من أجل توحيد اقتصاديات بعض الدول على طريق تحقيق مصالحها وغاياتها المشتركة والتي فشلت لعدم قدرة أي دولة من تحمل تبعات وظروف دول أخري وهذا ما تم تلمسه في اطار الاتحاد الاوروبي والخروج البريطاني ...وما حدث لدي بعض دول الاتحاد من نكسات اقتصادية لا يعرف مدي المعالجة الحقيقية لاقتصاديات تلك الدول وهذا محدد باليونان وايطاليا .
التشكيلات والتحالفات الاقليمية والقائمة على المصالح والنفوذ والايدلوجيا ....لم تؤكد الحلول القاطعة لمشاكل تلك الدول وانما تبقي في ظل محاولة الاسعاف المؤقت لإطالة أمد النفوذ وانتظارا للحلول واحداث المتغيرات التي يمكن أن تكون شافية ومعافية لاقتصاديات وأزمات تلك الدول . السياسة الدولية وعلاقات الدول فشلت في الكثير من محطاتها السياسية الاقتصادية والامنية ....سياسيا لا زالت المصالح تتغلب على الحقوق والحقائق ....ولا زالت عوامل القوة تتغلب على الحق والقانون ....واقتصاديا لا زالت مصالح الدول تفرض نفسها دون أدني اعتبار لمدي تأثير ذلك على الدول الأخري.... وحتي على الطبقات والشرائح المتضررة داخل الدولة الواحدة نتيجة أفعال اقتصادية ذات مدلولات خاصة لا تعبر بالمجمل عن مصالح هذه الدولة أو تلك .....كما كان الفشل الامني واضحا في مواجهة الارهاب نتيجة الضعف في الارادة ...وغيابها على مستوي القرار الدولي لمواجهة ومحاربة الارهاب الأسود ....اعتقادا من بعض القوي الدولية أن الارهاب يتواجد داخل مناطق محددة وليس لها تأثير مباشر....
وبالتالي فان ما يمارس من ارهاب أسود يشكل في علوم السياسة الجديدة أحد أبرز وسائل الابتزاز وممارسة الضغوط والتحكم بتلك الدول من خلال حاجتها الي من يساندها ويقف معها . لقد ثبت فشل هذا المفهوم عندما وصلت أفعال الارهاب الي بعض الدول في أوروبا ....مما أكد على أهمية المشاركة الدولية في محاربة الارهاب وعدم ترك الارهاب يتنقل بحرية تامة ....ويقدم له كافة سبل الدعم والاسناد دون أدني محاولة دولية لمحاربته واجتثاث جذوره وتجفيف منابعه . لقد بات الارهاب واضحا وفاضحا لكل من يحاولون تمريره ....والاستفادة من نتائجه ....تحت عناوين متعددة لا تعبر عن أدني مصلحة وطنية أو قومية ....بل تؤكد على رؤية ضيقة لأجندات خاصة تخدم أجندات خارجية استخباراتية تسعي الي تفتيت المنطقة وانهاء مفهوم الدولة وتهجير الشعوب واعادة توطينها . لقد تشكلت القوي الارهابية بفعل مصالح دولية تحاول من خلاله فرض حالة من التراجع وزيادة الهوة بين متطلبات الحياة والموارد المتاحة لخلق أزمات داخلية ...وخلق نزعات فئوية وفتن طائفية واسقاط مفهوم الدولة القومية الوطنية .....وهذا ما تم استهدافه بالعراق وسوريا التي انتصرت بفعل جيشها العربي في حلب باعتبارها نقطة تحول فاصلة واستراتيجية في الحرب على الارهاب وقواه المتعددة .....
وكما يحدث باليمن وليبيا وما يحاول الارهابيون أن يمارسوه في الاردن الشقيق في ظل حالة الهروب للقوي الظلامية بعد توجيه الضربات القوية لها بالعديد من الدول . السياسة الدولية يجب أن تعيد صياغة مواقفها على أرضية أكثر وضوحا وثباتا وأن لا تبقي صياغة المصالح تبني على حسابات ضيقة..... لان المصالح التي لا تخدم القيم والمبادئ والثقافة والتاريخ قد تصاب في مقتل ...وتذهب أدراج الرياح ...
ولا تبقي على الدول المحكومة بمصالحها الضيقة على الدول المساندة لها في لحظات الضيق والحاجة . التاريخ وقد أثبت بما لا يدع مجال للشك أن هناك علامات تاريخية لا زالت قائمة تؤكد على مواقفها وتجعل من واقعها امتدادا لتاريخها الذي رسمته بدماء الالاف من أبنائها الذين سقطوا من أجل قضايا العرب ...وهذا ما يبرز تاريخيا وحتي يومنا هذا من مواقف مصرية نعتز بها . خارطة السياسة الدولية بدأت تتشكل بطريقة مغايرة وبتحالفات ومصالح مختلفة في ظل فقدان اسرائيل لمكانتها ....وفي ظل فقدان تركيا للكثير من أوراقها ....كما خسارة ايران لبعض تحالفاتها ....والذي يؤكد ان دول المنطقة تحتاج الي بعضها البعض .....وأن التحالفات وتعزيز العلاقات لا يمكن ان يفيد الا في ظل علاقات عربية أكثر قوة ورسوخا ....حتي يمكن للعرب أن يشكلوا بإعادة صياغة مواقفهم..... ركنا أساسيا وقويا في معادلة السياسة الدولية كل ما سبق سرده وغيره الكثير في العلاقات الدولية وما يحكمها من ضوابط ومصالح يجب ان تكون استخلاصا لتجربة العرب مع غيرهم من الدول التي تستغل خيراتهم وتصنع لهم من الاعداء كما الارهاب حتى يتدخلوا بصورة اكبر في شؤونهم واحداث الاستغلال لاقتصادياتهم وجغرافيتهم .
كما نحن اليوم بصدد اطماع تركيا الاردوغانية والتي يحاول من خلالها السلطان الجديد ان يعيد مجدا قد مات واصبح من التاريخ ... كما قطر وبهذا المال السياسي الذي أخرجها عن اطار جغرافيتها ومحدوديتها لتلعب بالوكالة عن غيرها .... كما ايران واثارة النعرات الطائفية واحداث الاختلالات المجتمعية في اليمن والبحرين وحتى في لبنان . كل هذا وغيره يثير المخاوف ويطرح العديد من التساؤلات حول مصالح تلك الدول التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كما خيراتها واستقرار شعوبها ... وهذا ما يحتاج الى اعادة صياغة العلاقات والبناء على المصالح الوطنية والقومية وان لا تخرج أي دولة او حزب سياسي عن اطار المصالح العليا لامتنا العربية وشعوبها .
الكاتب : وفيق زنداح
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت