يسأل كثيرٌ من الناس في مجتمعنا الفلسطيني، هل نحن في لحظةٍ من التيه؟!!!وكيف وصلنا لهذه اللحطة؟ ومن المسئول عن ذلك؟ وهل هي لحظة مقصودة ومُخططة؟ أم أن سوء تصرفاتنا ومصالحنا الشخصية والفئوية والحزبية هي السبب؟ أم أن الظروف الإقليمية من فوضى خلاّقة ومحاور وصراعات في منطقتنا كانت هي السبب؟أم أم...الخ. الأسئلة مُتعدّدة والأجوبة تكاد تكون إتهامية تشمل الكل الحزبي والرسمي الفلسطيني بِشقيّه أولاً وأخيراً. لكن يبقى السؤال المهم الذي يَغيب أو يُغيّبُ عن الأذهان هوَ ماذا نحنُ فاعلون؟ واقعنا الحالي بعد موت إتفاقية "أوسلو": *هناك سلطة على أجزاء من الضفة لا سيادة لها حتى على المدن الرئيسية حيث صادر الإحتلال كلّ أشكال السيادةِ تقريباً. *هناك سلطة أمر واقع في قطاع غزة محاصرة ومعاقبة والأمور وصلت فيها حد المجاعة والبؤس.
*هناك القدس التي تم السيطرة عليها ويتم تهويدها بسرعة الضوء رغم صمود أهلها وتمسكهم بترابها ومقدساتها. *هناك شعب يعيش في مجتمعات مُتعَدّدة وتحت سلطات مُتعَدّدة وقوانين مُتعَدّدة ولا يجمعهم سوى الأمل في العودة والحرية والإستقلال والتخلص من الإحتلال وتلك التَعَدّديات. ومع ذلك، هناك مقاومة للإحتلال في الضفة وغزة والقدس، لكنها مقاومة موضعية تأخذ أشكالا مختلفة كنتيجة لكل واقع، ومشكلتها أنها بلا إستراتيجية واحدة واضحة، وأهدافها مرتبطة بواقع كل موقع على حده، ففي القدس مقاومة للحفاظ على الهوية والبقاء، وفي مواقع من الضفة ضد الإستيطان وممارسات المستوطنين، وفي غزة لتحسين الشروط ورفع الحصار الجائر، وفي الداخل الفلسطيني (مناطق أل 48) ضد قانون القومية والجريمة والفلتان الذي يجتاح مدنها وقراها. وفقاُ لذلك: الإحتلال يتعامل مع كل موقع على حده، لكنه يبني ذلك وفقاً لخططه الإستراتيجية فهو يحقق الأهداف هدفاً وراءَ هدف.
غزة، يفاوض الإحتلال سلطة الأمر الواقع هناك على رفع الحصار وتبادل الأسرى والتمكين الإقتصادي من ميناء عائم ومدن صناعية ومطار، مقابل هدنة طويلة الأمد تصل لعشر سنين، والحالة الإنسانية تفرض نفسها بقوة هناك. أما الضقة، فواقع حالها الإبقاء على الوضع كما هو عليه الآن والإستمرار في قضم مناطق ما يسمى "سي" والأغوار وإستيطانها وضمها تدريجيا ووضع المدن الفلسطينية ذي الكثافة السكانية في معازل لحين البت في أمرها بعد سنين.
القدس، السيطرة عليها قاب قوسين أو أدنى بل أستطيع الجزم بأن الإحتلال أصبح يتعامل معها وفق مفهوم كيفية السماح للمسلمين والمسيحيين للصلاة فيها فقط لا غير كسياحة دينية إضافة لمفهوم السياحة الإقتصادية. نعود لسؤال، ماذا نحن فاعلون؟ حيثيات الواقع الحالي تتحدث عن نفسها، إتهامات لبعضنا البعض، والكل يدعي الشرعية، والغائب هو الشعب، صراعات داخلية وحزبية وفئوية وشخصية مقيتةٌ، قمعٌ هنا وهناك، محاولاتٌ للهروب من المسئولية عبر التقاسم والمحاصصة، تصريحاتٌ ناريةٌ هنا وهناك، فصفقة القرن ماتت، ومرة أخرى صفقة القرن تُطبق قطعة قطعه، وتصريحات أخرى هناك بسبعين ألف مقاتل ومقاوم وفي نفس اللحظة مشفى أمريكي للإستطباب الإنساني ومفاوضات لهدنة طويلة وكيان ما في غزة.
وللأسف، الكل لديه تبريرات، هذا يتهم هذا بالتفرد وذاك يتهم ذاك بالتواطؤ، والكل متهم والكل بريء، ذاك يُحاجج بالحصار والعقوبات، وهذا يُحاجج بالشرعية، هذا يتهم هذا بالتآمر وذاك يتهم ذاك بالتآمر، وفوق كلّ ذلك الكلّ يتشدق ب "القدس" و "الأقصى" ويُصدر تصريحات هدفها بالأساس الراحة النفسية الشخصية النابعة من عجز الفِعل على الأرض والخوف من إتخاذ القرارات المصيرية التي حانَ زمانها وبدون أي تردد، لكنهم وتحت مفهوم "جهاد الكلمة" يستمرؤون كل شيء.
أرأيتم ماذا نحن فاعلون؟ فعلنا ليس أكثر من تبريرات وردات فعل بلا خطط واضحة وبلا فعل قادر على لجم المؤامرة الكبرى التي تهدف لوضع حد نهائي لما يُسمى القضية الفلسطينية تحضيراً لشرق أوسط وفق رؤيا جديدة أساسها الحلف الأمريكي- "العربي-الإسرائيلي" في مواجهة محور الشر "الإيراني" المتحالف مع "روسيا" و "الصين"، وهنا نرى الخدمات تُقدم من الكل في سبيل تسهيل ذلك فالكل يبحث عن مصالحه على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية التي أساسها الحرية والإستقلال في دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس وحق العودة وفق قرارات الشرعية الدولية، الكل يضغط عبر طرقه وعلاقاته على المكونات الفلسطينية في "رام الله" و "غزة" لتسهيل تمرير المخططات الأمريكية- الإسرائيلية التي أصبحت معروفة للقاصي والداني، وبحيث يبقى للفلسطينيين كيان في قطاع غزة ومعازل في مدن الضفة مرتبطة مع بعضها البعض بصيغة إدارية ومالية واحدة وسيطرة أمنية متعددة ومشاريع للرخاء الإقتصادي، وجولة جديدة من المفاوضات لخمس سنين حول العلاقة بالقدس الشرقية من حيث طرق أو ممرات الوصول للصلاة في المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، ومصير الأحياء العربية فيها، أما "الأغوار" فهي جزئين، الأول للضم التام للسيادة الإسرائيلية، والثاني سيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية إدارية فلسطينية محدودة الصلاحية، في حين المستوطنات التي يريدون تسميتها "شرعية" تُضم لإسرائيل وهي تشمل أكثر من 80% من المستوطنات، وبحث حلول للمستوطنات العشوائية التي يريدون تسميتها "غير شرعية" في المفاوضات.
مرةً أخرى، ماذا نحن فاعلون؟ يقول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه"، فوطننا الفلسطيني حياتنا وقضيتنا، ولا شيء قادر على مواجهة المخططات التصفوية المُتسارعة إلا سبيل واحد ووحيد: الوحدة الوطنية، دفن الإنقسام، المشاركة الوطنية وتوحيد الجهود، الكلمة الواحدة بما يتعلق بكلِّ شيء مصيري ووطني، العودة للشعب ومصارحته ومواجهة الفساد ومسبباته، والخطوة الأولى تكمن بالدعوة العاجلة لمؤتمر وطني جامع للكل الفلسطيني لبحث المصير ومواجهة القادم ووضع رؤيا وسياسة واحدة، هذا هو السبيل لجواب ماذا نحن فاعلون؟ وغيرَ ذلك ليسَ سوى هروب يرتقي لمستوى المؤامرة، وتحويل الوطن كما قال الكاتب السوري الكردي لقمان ديركي "لم نستخدم الوطن إلاّ للموت فيه أو الهجرة منه".
بقلم: فراس ياغي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت