منظمة التحرير الفلسطينية والشتات العلاقة المركبة والمعقدة

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة

 

  العلاقة بين الفلسطينيين في الشتات، وبين منظمة التحرير الفلسطينية علاقة معقدة ومركبة في آن واحد.

فهي، بالنسبة لهم، وطنهم المعنوي، في ظل حياة التشرد التي يعشونها، والجهة الرسمية التي تمثلهم، خاصة لمن لا يملكون الجنسية أو المواطنة، يعتبرونها مرجعيتهم السياسية ومآواهم في الدول المضيفة، التي يتعرضون فيها إلى الحصار الإقتصادي والأمني، كلبنان، أو تلك التي يعانون فيها أزمة معيشية طاحنة، كسوريا، أو تلك الدول التي شكلت معبراً إجبارياً نحو بلاد الهجرة فانقطعت بهم السبل، وباتت سفارات فلسطين ملجأهم الوحيد، بغض النظر عن الدور الذي تؤديه هذه السفارات.

وهي، في الوقت نفسه، في موقع الإستهداف  لإنتقاداتهم  اللاذعة، وهم يراقبونهم مشلولة، لم تقدم لهم إلا الجزء اليسير مما يتوجب عليها أن تقدمه، تسير نحو التلاشي، ونحو الزوال، ويفقد موقعها التمثيلي للفلسطينيين القه وبريقه، في ظل غياب الدور المناط بها أن تلعبه في هذا الإطار.

وبالتالي لا  غرابة أن يصل البعض إلى إستنتاج خطير، يرى أن الموقع التمثيلي للمنظمة ليس  معطى دائماً ثابتاً، لا يتعرض لهزات ومطبات! أو منعطفات خطيرة.

فالموقع التمثيلي لمنظمة التحرير، لا يمكن الفصل بينه وبين البرنامج السياسي للمنظمة، القائم على  ثلاث دوائر: دائرة الـ48، في النضال من أجل الحقوق القومية للفلسطينيين في إسرائيل، وتفكيك منظومة القوانين القائمة على التمييز العنصري، بما في ذلك قانون القومية اليهودية. ودائرة الـ67، حيث النضال للخلاص من الإحتلال والإستيطان وقيام الدولة الفلسطينية. وفي الشتات، حيث النضال من أجل حق اللاجئين في الحياة الكريمة عن طريق العودة إلى الديار والممتلكات. بقدر ما يرتقي دور المنظمة في تبني هذه الحقوق وصونها والنضال لأجلها، وعدم التفريط بها، والإلتزام بموجباتها، بقدر ما نعزز موقعها التمثيلي والعكس صحيح.

الشتات والمؤسسة الفلسطينية

تشهد العلاقات بين الشتات والمؤسسة الفلسطينية تدهوراً سريعاً، وصولاً إلى ما يشبه الإفتقار  إلى أقنية وآليات التواصل بين الطرفين؛ وبحيث باتت هذه العلاقة شبه مقطوعة، في ظل نسف العديد من المعادلات التي كانت تقوم عليها هذه العلاقة، واتباع القيادة الفلسطينية الرسمية سياسة تهميش الخارج، من خلال تهميش حقوقه السياسية، كحق العودة، أو من خلال تهميش تمثيله في المؤسسة، أو من خلال التراجع تبني قضاياه اليومية والدفاع عنها.

وإذا ما أخذنا المجلس الوطني في م.ت.ف، مثالاً، نلاحظ أن تمثيل الخارج [أي الشتات] في المجلس في دورته الأخيرة قام على الولاءات والتفرد في إختيار الأعضاء، بينما كانت اللجان الشعبية في المخيمات، والتجمعات السكنية هي من يسمي ممثليها إلى المجلس الوطني، ما يعني أن المجلس الوطني، وإن كان ما يزال يعتبر السلطة التشريعية الأعلى في م.ت.ف، إلا أن مصداقيته تراجعت في تمثيل الشتات بنشطائه المفترض أن  يتقدموا نيابة عنه بهمومهم وآرائهم، وإن يصوتوا على الإستراتيجيات السياسية. ولا داعي للتأكيد أن هذه الإنعطافة السلبية هي من نتاج تدهور أوضاع المؤسسة وتجويفها، وإفراغها من مضمونها، لصالح طبقة بيروقراطية ترتبط مع بعض أوساط رجال المال والأعمال، بمصالح طبقية صنعتها تطبيقات أوسلو وبروتوكول باريس، وقيدت عموم الحالة الفلسطينية بقيودها. إذ مع تراجع موقع قضية اللاجئين في برنامج القيادة الرسمية، ومحاولاتها الدائمة للبحث عن حل يلقي «العبء» عن كاهلها. [ الحديث عن حل عادل بموجب مبادرة السلام العربية أي التوطين بديلاً لحق العودة].

وما يقال عن المجلس الوطني كمؤسسة رسمية، يقال عن الإتحادات الشعبية في الشتات التي تحولت إلى مجرد هياكل فارغة وعناوين بلا مضامين، تحت الهيمنة البيروقراطية لحركة فتح، ما يعزز سياسة تهميش الحركة الشعبية وحرمانها من أطرها المنظمة القائمة على التمثيل الديمقراطي عبر مؤتمرات دورية تعقد بنظام التمثيل النسبي. ولا يمكن الفصل بين سياسة الهيمنة البيروقراطية على الاتحادات الشعبية، وبين سياسة فرض الحصار على الحركة الشعبية، وإفقادها منابرها وأطرها الخاصة بها، حتى لا تتحرر من قيود التسلط البيروقراطي، القائم على الفساد بوجهيه السياسي والإداري المالي.

الشتات والهموم الاجتماعية

في الجانب الاجتماعي يبدو تهميش م.ت.ف للشتات أكثر بروزاً، ويتلمسه كل بيت في مخيمات اللاجئين، إن في سوريا، أو لبنان، كما تتلمسه الجاليات الفلسطينية في بلاد المهجر في أوروبا والولايات المتحدة. وفي اليد العديد من الأمثلة الحية، نورد بعضاً منها في هذا السياق.

في لبنان، تلقت الحركة الشعبية في المخيمات طعنة من قبل اللجنة التنفيذية حين أعلن عزام الأحمد، مبعوثاً منها، تأييده لقرارات وزارة العمل اللبنانية بفرض القيود على العمالة الفلسطينية اللاجئة إلى لبنان، ما أدى إلى تأجيج الحراك في المخيمات، إحتجاجاً على موقف مبعوث المنظمة، الذي اضطر تحت الضغط إلى التراجع عن تصريحاته ونفيها، رغم أنها قيلت على مرآى الآلاف. وتوضح هذه الحادثة كيف أن القيادة السياسية في م.ت.ف، تعمد إلى تهميش القيادات المحلية، الأدرى بتفاصيل الحالة، لصالح المصادرة وفرض رؤيتها البيروقراطية بديلاً، بذريعة الحرص على حسن العلاقات مع الدول العربية المضيفة، ذريعة تقف على رأسها، فشرط حسن العلاقة مع الدول المضيفة كلبنان، لا يكون بالتساوق مع سياسات الحصار المفروض على المخيمات، بل من خلال التجاوب مع مطالب الحالة الشعبية، وتبنيها والدفاع عنها أمام الحكومات العربية المعنية، أي عكس تماماً ما قام به عزام الأحمد في بيروت إبان انتفاضة المخيمات. وليس خافياً أن مثل هذا الأداء تسبب في إضعاف دور فصائل م.ت.ف، لصالح حركة حماس والقوى الإسلامية خاصة في مخيم عين الحلوة، التي بتدخلها هي الأخرى، متحدثاً بإسم الحراك، كادت أن تجر الحراك إلى مستنقع التجاذب  والاستقطاب الثنائي[سلطة – حماس] لولا وعي القيادات المحلية ووعي الشارع في المخيمات لمثل هذا الأمر.

أما في سوريا فقد كانت الأمور لا تقل فداحة. ففي ذروة الأزمة الاجتماعية، قدمت م.ت.ف مبلغاً من المال، لمساعدة المهجرين من أبناء المخيمات المنكوبة في اليرموك وغيرها. بادرت فتح، التي تسلمت المبلغ إلى اقتطاع حوالي ربعه تماماً، بذريعة مساعدة من لجأ إلى لبنان، علماً أن وكالة الغوث وم.ت.ف، وفرت للمهجرين القادمين من سوريا إلى لبنان المساعدات المطلوبة. وتبين أن المبلغ المقتطع كان لكوادر فتح دون غيرهم. أما باقي المهجرين فكان نصيب الفرد منهم لا يتجاوز 10 دولارات لا غير ولمرة واحدة. الأمر الذي أثار سخط المهجرين، وألحق بسمعة منظمة التحرير وموقعها أضراراً فادحة. بعد ذلك استمرت المساعدات، من الصندوق القومي، لكن هذه المرة، عبر حركة فتح وحدها، هي التي تتحكم بآليات التوزيع، ولوائح المستفيدين، مع الإدعاء أن المساعدات هي من فتح، في محاولة لكسب الشارع بطرق ملتوية، عبر مساعدات مالية وعينية، لصالح كسب التأييد للسياسات الفاسدة للقيادة الرسمية.

ولعل آخر مثال على ذلك أن الصندوق القومي، في م.ت.ف، أقر مؤخراً مساعدات شهرية لحوالي 500 عائلة فلسطينية في سوريا، بقيمة مئة دولار للعائلة [أي ما يعادل مرتب في مجلس الشعب السوري بسبب من تدني قيمة الليرة السورية]. فتح هي التي تستفرد بالمبلغ. هي التي تنظم اللوائح. ولا داعي لأن يكون المرء عبقرياً ليدرك أن «الجمهور» الفتحاوي هو الذي انصبت عليه المساعدات بينما حرمت العائلات غير الموالية لفتح أو من في حكمها من الفصائل.

الجاليات ودائرة المغتربين

منذ أن انتزعت دائرة شؤون المغتربين من اللجنة التنفيذية، وأحيلت إلى أحد مستشاري الرئيس عباس، بدأ العبث واضحاً وجلياً بشؤون المغتربين، في أوروبا، وأميركا اللاتينية بشكل خاص.

فقد لجأت الدائرة، التي حشر فيها عشرات المفرغين من لون سياسي وحزبي واحد، إلى فبركة الاتحادات الجالوية هنا وهناك، لمجابهة اتحادين كبيرين في أوروبا، أحدهما تدعمه وتواليه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والثاني تدعمه وتواليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولم تكف دائرة المغتربين عن محاولات شق صفوف الجاليات، من خلال الفبركات التي لم تتوقف والتي أعلنت فشلها، إذ سرعان ما تحولت الاتحادات الجالوية المفبركة إلى ميدان صراع بين هيئاتها القيادية على المناصب والمغانم، وصلت أصداءها إلى صفحات الصحف ووسائل الإعلام وإصدار البيانات والبيانات المضادة.

في السياق نفسه تصر دائرة المغتربين على فرض هيمنتها على الجاليات، من خلال تسلط سفارات السلطة الفلسطينية، وشن حملات التشويه ضد الاتحادات الجالوية التي ترفض سياسة الهيمنة والتسلط وفبركة هيئات إدارية كرتونية ذات ارتباطات سياسية، ومالية على حساب مصالح الجاليات ودورها النضالي في إطار الحركة الجماهيرية الفلسطينية.

ويمكن النظر إلى تجربة دائرة شؤون المغتربين باعتبارها نموذجاً لما آلت إليه مؤسسات م.ت.ف، من مؤسسات تستمد شرعيتها من احتضان الشارع والحركة الشعبية لها، إلى مؤسسات تسلطية بات هدفها الرئيس تجميع المنافقين والفاسدين، وأصحاب الذمم الرخيصة والنفوس الضعيفة، للالتفاف حول قيادة رسمية لم تعد تملك ما تقدمه إلى القضية الفلسطينية سوى الرهان على الحلول الفاشلة.

ما يتوجب أن نخلص له هو إن إصلاح أوضاع م.ت.ف، ليست عملية فوقية تقف عند حدود الحوارات القيادية أو الفصائلية، بل هي عملية سياسية من الطراز الأول، تلعب فيه الحركة الشعبية، في المناطق المحتلة وفي الشتات الدور الرئيس، مع ضرورة الربط بين الإصلاح السياسي والمؤسساتي البرنامجي. إذ أن أخطر أنواع الفساد، هو الفساد السياسي.

 

معتصم حمادة

عضو المكتب السياسي

للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت