ماذا يجري في غزة؟

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة

لا تجعلوا شعبنا في غزة ضحية لانقسامكم وحروبكم المفتوحة ودعايتكم المسممة للأجواء

هذا السؤال الملح لم يعد بالإمكان طرحه همساً، وبات من الضروري أن يطرح علانية فمن حق أبناء القطاع، بشكل خاص، وأبناء فلسطين وأصدقائهم، بشكل عام، أن يعرفوا ما الذي يدور في غزة، خلف الجدران، وفي القاعات المغلقة.

إسرائيل تغتال الشهيد أبو العطا. كما تستهدف منزل أحد قادة الحركة في دمشق حيث استشهد أحد أبنائه وصديق له.

وكما كان متوقعاً اشتعلت نيران حرب عدوانية جديدة، طالت القطاع، وأوقعت فيه عشرات الشهداء ومئات الجرحى، كما طالت صواريخ  المقاومة أهدافاً داخل إسرائيل.

دار الحديث، بين الأسطر، وفي الكواليس، وعلى صفحات الصحف الإسرائيلية، أن حركة حماس تركت الجهاد تخوض حربها الدفاعية وحدها؛ وإن حماس غلّبت التزامها التهدئة مع إسرائيل على الوقوف إلى جانب الجهاد.

إسرائيل حاولت «شيطنة» الجهاد بالادعاء أن ما يدور هي حرب إسرائيلية – إيرانية، تخوضها الجهاد وبالوكالة عن طهران، وإن لا علاقة للفلسطينيين بهذه الحرب رغم أن الوقائع الدامغة كذبت كل هذا، وأن الشهداء والجرحى، كان معظمهم من المدنيين، وليسوا على علاقة مع أي محور إقليمي.

القاهرة تتدخل، وكذلك المبعوث الدولي ملادينوف، ونتنياهو يبدو محشوراً وبات يلح في ضرورة وقف إطلاق النار.

الإعلام الإسرائيلي أوحى أن حماس ترغب في وقف إطلاق النار، وأن الجهاد تعارض، بذريعة إنها لم تحقق خطتها كاملة في الانتقام لشهيدها أبو العطا.

صدرت على لسان بعض قادة حماس تصريحات توحي بأن ثمة خلافاً بين الحركة وبين الجهاد. الأمر نفسه تكرر مع تصريحات لقادة في الجهاد.

تمّ الإعلان عن وقف لإطلاق النار. لم ينجح منذ المرة الأولى، وقيل، في الصحف الإسرائيلية، إن الجهاد هي من عطل الإعلان. ثم في مرة ثانية هيمن الهدوء على جبهات القتال.

بعد «ثرثرات» إسرائيلية لم تتوقف، انتقل إلى القاهرة وفدان من حماس والجهاد على أعلى المستويات، بدعوة مصرية لبحث الوضع في القطاع.

الغريب في الدعوة أن الوضع في القطاع يهم الأطراف الفلسطينية كلها وليس فقط الأطراف المدعوة. ثم سرب بعض الإعلاميين المصريين وبعض الوكالات، أن الثلاثي (المخابرات المصرية – حماس – الجهاد) بحث العلاقة بين الحركتين الإسلاميتين، وأنه دار عتاب بينهما، وصولاً إلى تفاهم باركته القاهرة بضرورة التزام الجميع بالتهدئة. وبدا الطرفان في الصور التذكارية في تفاهم تام.

بعدها عادت حماس (ماعدا هنية في جولة خارجية) إلى غزة، وتحدثت وسائل الإعلام عن سفر وفد من الجهاد إلى طهران.

في اليوم الثاني انطلقت صواريخ من غزة نحو سديروت أوقعت جرحى، ردت عليها إسرائيل بغارات جوية على مواقع المقاومة، البعض قال إنها لحماس، والبعض الآخر إنها للجهاد.

إذن، ماذا يدور في غزة؟

هل هناك خلاف بين طرفين من أهم أطراف المقاومة؟ الطرفان ينفيان ذلك نفياً قاطعاً. وهذا مهم وجيد.

هل هناك هدنة طويلة مع دولة الاحتلال؟ أكثر من متحدث في حماس نفى ذلك.

إذن لماذا الوفدان إلى القاهرة، ثم وفد الجهاد إلى طهران، ثم صلية صواريخ؟

ما هو دور غرفة العمليات المشتركة؟ ومن هو صاحب القرار في التهدئة والتصعيد؟ ومن هو صاحب قرار الحرب والسلم في القطاع؟ ومن هي المرجعية السياسية لغرفة العمليات المشتركة؟ وهل من مصلحة الشعب الفلسطيني، في القطاع وفي خارجه، والذي يفتخر بمقاومته الباسلة والصامدة، أن يتم الغمز واللمز من قناة فصائل المقاومة المسلحة، وأن تبدو حالتها أقرب إلى التشتت، وتفتقر إلى التفاهم؟ وهل يجوز أن يتم الحديث عن «تفاهمات» مع الجانب الإسرائيلي، في الوقت الذي يفتقر فيه أطراف المقاومة إلى «تفاهمات» فيما بينهم؟

* * *

 قضية أخرى لا تقل إرباكاً، هي قضية المستشفى الأميركي، والمستشفى التركي، والميناء العائم، ومشاريع تنموية أخرى. وقد تحولت كلها إلى موضوع لحرب ضروس تدور في وسائل الإعلام بين فتح من جهة وحماس من جهة أخرى، وقد دخل على خط الحرب هذه كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وحكومتها، واللجنة التنفيذية، وتحولت هذه القضية إلى إحدى القضايا الكبرى التي تقدمت على ملف الانتخابات، وتهويد الخليل واقتحامات الاقصى، والتمهيد لضم غور وادي الأردن وشمال البحر الميت.

التعامل مع المستشفى الأميركي حرام، إلا إذا كان عن طريق السلطة الفلسطينية.

التعامل مع المستشفى التركي حلال، لأنه عن طريق السلطة الفلسطينية.

محطة تحلية المياه، ومحطة تكرير المياه العادمة، حلال لأنها عن طريق السلطة الفلسطينية.

 التنسيق مع الاحتلال في معابر القطاع حرام، أما التنسيق مع الاحتلال في الضفة فحلال.

التعامل مع الأمريكان في القطاع حرام، أما تنسيق السلطة مع المخابرات الأميركية فحلال.

إذن، المسألة ليست مسألة ولاية ولا مسألة إمارة إسلامية. اطمئنوا فالشعب الفلسطيني في القطاع يرفض المشروعين، ولا يرضى إلا بالحل الوطني: تقرير المصير والاستقلال والعودة. وكل قول خارج هذا التقدير فيه إهانة لأهلنا في القطاع وتخوين للقوى السياسية والمجتمعية فيه. والشعب الفلسطيني في القطاع لم يقدم شهداءه من أجل حل لا يستحق نقطة دم واحدة. ومع ذلك علينا أن ندرك أن القطاع بحاجة إلى مشاريع تنموية، واستنهاض اقتصادي. لا تلوموا المريض أو الجريح إذا ما لجأ يوماً ما إلى المستشفى الأميركي. ألسنا نرسل مرضانا، وجرحانا إلى المستشفيات الإسرائيلية؟ وبالتالي لا نجعل من قضية صحة أبناء القطاع مادة للمتاجرة السياسية.

بوضوح نقول: إن القطاع، مثله، مثل كل الشعب الفلسطيني، ضحية للانقسام المدمر بين فتح وحماس. وحدهما فتح وحماس تتحملان، كل من موقعه مسؤولية مأساة القطاع، ومأساة المتاجرة بهموم القطاع، ومأساة إدامة الانقسام. هنا المشكلة. وهنا الحل.

*   *   *

الجميع رحب بالانتخابات، رهاناً منه على أنها الخطوة الأولى على الطريق الصحيح للشروع في إنهاء الانقسام، بالطرق الديمقراطية. والكل وافق على اقتراح الرئيس عباس، أن يكون الحوار بعد المرسوم الرئاسي، في وقت كان فيه الجميع تقريباً، يفضل الحوار قبل المرسوم. والمهم أن تنتظم الانتخابات. لكن ما يدعو للريبة والشك، هذا التهييج، والتجييش، والتحريض، وتوتير الأجواء وتسميمها، بما يؤثر على العملية الانتخابية. من يريد الانتخابات يتوجب عليه أن يهيئ لها الأجواء اللازمة.

الانتقاد، والخلاف السياسي مشروع، وسيبقى مشروعاً. وسنبقى نتحاور وننتقد بعضنا البعض.

لكن الاتهام بالتساوق مع صفقة ترامب – نتنياهو، والانجرار في تطبيقاتها «الإنسانية»، واعتبار هذا في خدمة المشروع الأميركي – الصهيوني، يخرج عن سياقه الوطني، ويجر إلى حروب جديدة، لا مصلحة فيها لأي طرف فلسطيني.

إذن. ما دمنا نحاور إسرائيل، في قضايا المال والانفكاك الاقتصادي وما دمنا ننسق معها أمنياً، فلنتحاور كأطراف فلسطينية، ونضع حداً للحرب الدائرة، والتي سيكون أهل غزة أول ضحاياها.

معتصم حمادة

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت