حنينُها للوطنِ يشدّها كُلّ لحظة

بقلم: عطاالله شاهين

عطا الله شاهين

بينما كان يسير على جسر فوق نهر هادئ استوقفته امرأة في الأربعينيات من عمرها، وسألته عن مكان تقديم اللجوء، ومن لبسِها علِم بأنها امرأة شرقية، فسألها كيف عرفت بأنني عربي؟ فقالت وهل يخفى الوجه العربي عني؟ فعلِم من حديثها بأنها تريد مركز الهجرة، فقال لها لحسن حظكِ أنا ذاهب إلى هناك، والمكان ليس ببعديد من هنا، فتعالي تسير سوية على هذا الرصيف النظيف، فقالت له كلا، سأسير خلفكَ، أخاف أن يرانا أحد من معارفك، أو من أقاربي فيعتقد بأنني على علاقة معك، فهزّ رأسه الرّجل المثقل بهموم الحياة والغربة، وقال لها معك حقّ..
 وسار على رصيف الشارع بخطوات بطيئة، وراح يدخّن سيجارة، وينظر إلى هدوء النهر، الذي يسلب منظره العقول، وعندما وصلا إلى مركز الهجرة، دلّها إلى أين تذهب، وذهب هو لعمل معاملاته، وعندما همّ بالخروج سألها من أين أنتِ؟ فقالت له من أين أتتْ وأين تسكن، فبيتها ليس ببعيد من مكان التقائهما، فسألها على العنوان، فأبتْ أن تعطيه، فقال لها: حسنا انسي الموضوع، وبعد أيام أتى إلى عند أهلها وطلب يدها، فوافق أهلها على الزواج من الرّجل، الذي كان لبقاً في حديثه مع أبيها، ولكن الرّجُل اكتشف بعد الزواج بأنها امرأة جاهلة في كل شيء، ومع مرور الأيام اعتاد على أسئلتها العفوية، وحاول إخراجها من الجهل المحتل لعقلها، لكنه فشل، وذات يوم أتتْ إلى عنده، وسألته ماذا تعني كلمة فاشينيستا؟ فقال لها: أين سمعتِ هذه الكلمة؟ فقالت له: المذياع كان يبث اليوم موضوعا عن فاشينيستا تريد أن تكون امرأة مغايرة، فأريد أن أكون مثلها فاشيتيستا، فصمتَ الرجل، وقال لها أتريدين أن تلبسين لبسا غربيا، وربما يغضب اللبس أهلكِ، فهل تقبلين أن يراك أهلكِ بلبس غريب؟ فقالت له كلا، وتركها وذهب إلى فراشه، وفي الصباح أتت إلى عنده، وقالت له: أريد أن أبقى كما أنا بعاداتي الشرقية، فاعذرني على جهالتي، فأنا لا أحبّ حياة الغربة، لكن الظروف كانت قاهرة، ولهذا أرغمنا على القدوم إلى هنا، فقال لها: لا بأس، ليس ذنبك أنكِ أتيت إلى هنا، لكن الحربَ جعلتك تفرّين إلى هنا، فمِنْ عينيكِ أرى حنينك إلى الوطن، فهل تريدين العودة إلى وطنكِ؟
 فقالت له: بلى، فالغربة صعبة هنا، فالحنين يشدّني نحو وطني كل لحظة تمرّ من عمري، فلا أدري متى سأعود إلى هناك، فأنا لا أُحِبّ العيش في الغربة فنظر إايها وسالت دموعه وقال لها: ما أصعب على المرء أن يعيش بعيدا عن وطنه!..

عطا الله شاهين

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت