ميلاد انتفاضة في الخليل..!

بقلم: هاني العقاد

هاني العقاد

الخليل زرع الثورة وعنوان التحدي والعيش بكرامة.. مسرح المواجهة الساخنة.. نار لا تنطفئ وسواعد لا تهدأ.. انها خليل الرحمن من تقاتل ليل نهار.. لا تغمض لجفون ثوارها عيون ولا تهدأ لصدورهم انفاس ولا تستريح ابدانهم على فراش ناعم ولا يهنأوا بطعام ولا شراب طالما هناك غرباء محتلون مستوطنون حاقدون على ارضها. الخليل من تصبح وتمسي حكاية للثائرين.. سطرت مئات الحكايات والقصص البطولية في تاريخ النضال ومناهضة المحتل الغاشم.. اطفالهم، شيوخهم، نساؤهم، فتياتهم رجالهم كلهم ثوار.. السباق بينهم من يسبق الى ارض المواجهة ومن يبلي بلاء حسنا في كل نزال.

اليوم تثور الخليل في وجه المستوطن الحاقد وجيش الاحتلال الذي يريد ان يقتلع كل شجرة زيتون وكل كرمة عنب ليعطيها للمستوطنين، ليس هذا فقط، بل يريد ان يزرع كل شبر داخل المدينة باليهود المستوطنين الذين يريدون أن يفرضوا على اهل الخليل الاقامات الجبرية ويمنعوا ابناء المدينة من التوجه للمدارس ويغلقوا دكاكينهم ويسرقوا قوت اسرهم.. اليوم يسرقوا المدينة من اهلها ويهودوا المسجد الابراهيمي الخليل في واحدة من اعنف جولات المواجهة بين الاحتلال واهل الخليل.. انها مسألة وجود وثبات على الارض.. من ينتصر الغزاة والمحتلين والمستوطن الغرباء ام اهل البلد اصلها ومؤسسيها؟ المعركة مازالت في مراحلها الاولى وستشهد الايام نزالات دامية وواسعة.. وسيصدق التاريخ بان الغزاة الى زوال والنصر لاهل الارض وثوارها.

تقول تقارير المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان ان مدينة الخليل تحولت الي هدف مباشر لمشاريع الاستيطان والتهويد الاسرائيلية بايعاز من وزير الجيش نفتالي بينت. واكد التقرير ان ما يسمي بالادارة المدنية للاحتلال بعثت الاسبوع الماضي برسالة الى بلدية الخليل طالبت فيها البلدية بالموافقة على هدم (سوق الجملة) في قلب المدينة من اجل اعادة بنائة من جديد ليصبح بؤرة استيطانية واقامة 70 وحدة استيطانية للمستوطنين بعد اضافة طابق جديد.. هددت في الرسالة بأنه إذا لم تستجب بلدية الخليل للطلب خلال 30 يوما، فإنها سوف تبدأ إجراءات قضائية لإلغاء مكانة البلدية كمستأجر محمي للسوق.. ليس هذا فقط وانما قسمت سلطات الاحتلال الخليل الى مناطق بتصنيفات استيطانية حسب استراتيجية الاستيلاء على المدينة وتحويلها الى مدينة مستوطنين تأوي آلاف المستوطنين، واجبارالفلسطينيين على النزوح عن المدينة والبحث عن مناطق اكثر استقراراً..!

الحقائق تقول ان سلطات الاحتلال اغلقت ثلث الشقق السكنية الفلسطينية في البلدة القديمة وتم اخلاؤها من السكان لتصل الى نحو 2400 شقة سكنية علاوة على ان معظم الشقق الفارغة التي توجد في المنطقة تقع تحت السيطرة المباشرة للمستوطنين، وان  اكثر من 1500 محلا تجاريا بات مغلقا منذ عشرين سنة تقريبا، الثلث منها بأوامر اغلاق عسكرية، والأخرى بسبب تنكيل المستوطنين ومنع الحركة التي تصعب على الانتاج والتجارة وتردع المشترين والموردين من الوصول اليها. الحقائق تقول انهم غيروا اسماء الشوارع والحارات والميادين الى اسماء يهودية، كما يفعلون بالضبط في القدس، فكلتا المدينتين الآن واقعتين ضمن اهداف اسرائيلية استيطانية متطرفة تهدف لقلع الهوية الفلسطينية منها.

الخليل تشهد منذ فترة مراسم ولادة  انتفاضة حقيقية وزخم جماهيري يشعل جمر انتفاضة من جديد لاستشعار اهلها بتهديدات المستوطنين التي باتت توحي بالاستيلاء على المدينة بمجملها وطرد سكانها، فكانت هناك رسالة للمستوطنين وقوات الاحتلال التي تحميهم عندما قرر اهل الخليل التواجد في صلاة الفجر بالمسجد الابراهيمي، فحضر الى المسجد الابراهيمي اكثر من 120 الف مصل كل صلاة فجر في مشهد ارعب المستوطنين واخاف قطعانهم ومازال يمثل ثورة بمعني مختلف، ضمن حملة الفجر العظيم؛ في تحدٍّ لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تغلق المسجد وتمنع الصلاة فيه فترات طويلة.

لم تقتصرفعاليات المواجهة مع الاحتلال والثبات على الارض بالصلاة في المسجد الابراهيمي صباحا بل كل الاوقات، وكان هناك قبل ايام اكثر من مائة الف مصل في صلاة الظهر ما بعث برسائل الى المحتل الاسرائيلي بان الحرب حرب وجود ديموغرافي. الخليل يحميها شبابها واهلها واطفالها الذين تسابقوا للرباط في المسجد.. شكل من اشكال المقاومة المرعبة بدأت في الخليل اليوم وستستمر طالما بقي الاحتلال يمارس اشكال الارهاب وهدم البيوت والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية بحجة تحويلها لمناطق عسكرية والتضيق على اصحابها.

كل ما يجري مراسيم ولادة انتفاضة حقيقية.. مواجهات بالنهار والليل في كافة الشوارع.. اغلاق طرق امام مركبات المستوطنين.. حراسات ليلية للقرى الفلسطينية.

الخليل والقدس نموذجان مهمان للمواجهة والانتفاضة التي سيبقي جمرها مشتعلا طالما بقي الاحتلال.. هذا النموذج يجب ان ينتقل الى كافة المدن الفلسطينية بالضفة الغربية والمناطق المهددة.. نموذج نزول المواطنين بالآلاف لاقامة الصلوات والاحتشاد واغلاق الطرق والاشتباك مع المحتلين وتفعيل الحراسات الليلية لدحر اي هجوم للمستوطنين لحظة وقوعه.

الآن انتفاضة في الخليل.. الآن انتفاضة في القدس.. انتفاضة في سلوان.. انتفاضة في نعلين وبلعين.. كلها عنوان واحد لانتفاضة تكبر يوما بعد يوم، اصبحت بحاجة لقيادة حقيقية ترسم خارطة الاشتباك وخطوط الاستمرار في الهجوم.

 بقلم: د. هاني العقاد
 [email protected]

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت