تحليل فتح المجال للفلسطينيين لمحاسبة إسرائيل دوليا قد يشكل مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع

رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا

يرى مراقبون فلسطينيون أن قرار رئيسة الإدعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا بإجراء تحقيق كامل في مزاعم ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، قد يمثل مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع الممتد بين الجانبين منذ عقود.

وقدمت بنسودا طلبا للدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية ومقرها لاهاي، تطلب فيه تقديم حكم بشأن الولاية الجغرافية للأراضي الفلسطينية.

وقالت خلال مقطع مصور "إنه وبناء على تحليل مستقل وموضوعي لكافة المعلومات المتوفرة لدى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية بشأن الحالة في فلسطين فقد قررت أن كافة المعايير لفتح التحقيق الجنائي قد توافرت، ما يعني أنها جاهزة لفتح تحقيق".

وأضافت "لدي قناعة بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وفي قطاع غزة"، معربة عن الارتياح "إزاء وجود أساس معقول لمواصلة التحقيق في الوضع في فلسطين".

وقوبل إعلان المدعية العامة للجنائية الدولية بترحيب فلسطيني واسع مقابل انتقادات وغضب من إسرائيل والإدارة الأمريكية.

واعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قرار المحكمة "تحولا كبيرا ولافتا في التعامل مع انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين"، مضيفا أن حكومته ستقوم بكل جهد قانوني لمحاسبة إسرائيل.

من جهتها، أعلنت حركة "حماس" استعدادها التام لتسهيل مهام أي لجان منبثقة عن تحقيقات الجنائية الدولية والتعاون معها، ورفدها بكل الوثائق والقرائن والبراهين اللازمة لإدانة إسرائيل.

وقال الخبير في القانون الدولي ومدير مركز (الميزان لحقوق الإنسان) في غزة عصام يونس إن قرار المدعية العامة للجنائية الدولية "إنجاز كبير (..) لكنه يتطلب الكثير من العمل والحذر".

وأضاف يونس لوكالة أنباء"شينخوا"، أنه "يجب على الفلسطينيين البدء بالعمل المهني القانوني تحضيرا لمداولات الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية حول الولاية الجغرافية".

وتابع "لكن علينا الحذر وتحضير الدفوع القانونية والسياسية بكل طاقتنا وإمكانياتنا والاستعانة بكل أصدقائنا حكومات وخبراء حتى ننهي القصة ويباشر مكتب الادعاء في التحقيق الفوري".

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقع في 31 من ديسمبر 2014 وثائق للانضمام إلى 20 معاهدة دولية أبرزها معاهدة روما التي تمهد لانضمام الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية.

ولاحقا أعلن الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بان كي مون لدى تسلمه قرار انضمام الفلسطينيين للمعاهدة الدولية أن فلسطين أصبحت عضوا في المحكمة الجنائية ابتداء من مطلع أبريل 2015.

وبعد ذلك أعلنت بنسودا فتح تحقيق أولي لتحديد كفاية الأدلة لفتح تحقيق شامل في الجرائم المنسوبة لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية منذ يونيو 2014.

وانتقدت إسرائيل بشدة قرار المدعية العامة للجنائية الدولية.

وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن تحقيق المحكمة في الأراضي الفلسطينية يجعلها "أداة سياسية" مناهضة لإسرائيل.

ووصف نتنياهو في بيان الإعلان الصادر عن المحكمة الدولية بأنه "مخز ويوم أسود للحقيقة والعدالة"، معتبرا أن "الحديث يدور عن محاولة لتصنيف إقامة اليهود وعيشهم في وطنهم تحت مسمى جريمة حرب".

وأعلن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيخاي ماندلبليت في بيان أن "المحكمة الدولية تفتقر إلى الاختصاص في ما يتعلق بإسرائيل"، مشيرا إلى أن إسرائيل ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية كما أن أي إجراءات فلسطينية في ما يتعلق بالمحكمة غير قانونية".

ولم تنضم إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بينما انضمت السلطة الفلسطينية.

وأعربت الولايات المتحدة عن رفضها القاطع لفتح مثل هذا التحقيق حيث وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ذلك بأمر غير مبرر.

وغرد بومبيو على "تويتر" يقول إن الطريق إلى السلام الدائم يمر عبر مفاوضات مباشرة.

واعتبر المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم في بيان، أن معارضة الخارجية الأمريكية لقرار المحكمة "إصرار منها على توفير غطاء وتشجيع للاحتلال على ارتكاب مزيد من الجرائم وهو ما يحولها لشريكة في العدوان".

وسبق أن قدمت السلطة الفلسطينية ملفات إلى الجنائية الدولية تشمل قضايا الاستيطان وحرب إسرائيل على قطاع غزة صيف عام 2014 وملف الأسرى الفلسطينيين.

كما قدمت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية عدة تقارير مماثلة.

ويقول الخبير الفلسطيني في شؤون الأمم المتحدة باسم الخالدي، إن إسرائيل بدعم من واشنطن ستحاول تصوير خطوات الجنائية الدولية على أنها موضوع سياسي ومعاد للسامية.

ويضيف "لهذا على الطرف الفلسطيني والعربي الاستمرار في التركيز على أن قرار الجنائية الدولية هو قرار قانوني متعلق بالاحتلال وجرائمه وأن فلسطين قضية وطنية حقوقية تنسجم مع القانون الدولي".

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة إن قرار الجنائية الدولية "مهم ويدشن مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع".

ويلفت أبو سعدة الى أن تحقيق الجنائية الدولية سيواجه تحديات كبيرة منها ما يتعلق بتشكيك إسرائيل بمكانة السلطة الفلسطينية كدولة لها سيادة، ومنها كذلك إثبات ولاية المحكمة الدولية على الأراضي الفلسطينية.

ويشير إلى أن فلسطين عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2012 وحصلت على عضوية المحكمة الجنائية الدولية بعد ذلك بعامين وهي تطالب بالعدالة الدولية.

ويعتبر أبو سعدة أنه "من المفترض أن تبدأ المحكمة الجنائية في أسرع وقت التحقيقات المباشرة في جرائم إسرائيل لمخالفتها اتفاقية جنيف الرابعة والتي تعتبر الأراضي الفلسطينية أراض محتلة".

ويوجد العديد من الملفات التي يتم يمكن للفلسطينيين طرحها أمام العدالة الدولية لإدانة إسرائيل مثل التوسع الاستيطاني وهدم المنازل وطرد الفلسطينيين والتعذيب في السجون فضلا عن الجرائم ضد المدنيين بحسب أبو سعدة.

ويعتبر الفلسطينيون والكثير من الدول المستوطنات غير قانونية بحسب القانون الدولي.

ويفتح الإعلان من قبل المحكمة الدولية أيضا الباب لاحتمال توجيه اتهامات لإسرائيليين أو لفلسطينيين.

وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن مسؤولين سياسيين وعسكريين حاليين وسابقين قد يواجهون خطر الاعتقال في أكثر من مئة دولة في العالم، في حال فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا رسميا بشبهات ارتكاب جرائم حرب في المناطق الفلسطينية.

في الوقت ذاته، فإن الفلسطينيين يدركون أن طريق المحكمة الجنائية يسير في اتجاهين، ما يعني أن الاتهامات يمكن أن تطال كذلك الفصائل الفلسطينية وإمكانية إدانتها في قتل مدنيين إسرائيليين.

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن قرار الجنائية الدولية "ليس بحاجة للترحيب والتصفيق وحديث عن الانتصارات بل العمل الجاد على طريق نيل الحرية والعدالة".

ويقول إبراهيم في اتصال مع "شينخوا"، "حان الوقت لأن يتوقف الفلسطينيون عن تشتيت موقفهم في مواجهة إسرائيل عبر توحيد صفوفهم وطاقاتهم من أجل تعزيز موقفهم".

ويضيف أن "قرار الجنائية الدولية يمثل تحديا كبيرا أمام الفلسطينيين وهم بحاجة إلى وقت وجهد وصبر، والتشمير عن سواعدهم وتحدي الاحتلال باتخاذ قرارات أكثر جدية في العلاقة مع إسرائيل وعدم المساومة على حقوقهم".

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - (شينخوا) - غ