لعبة تقاطعات المصالح في السياسة الدولية

بقلم: اياد خالد الشوربجي

إياد خالد الشوربجي

العلاقات الدولية هي عملية شديدة التعقيد والتشابك، تدخل ضمن مؤثراتها عشرات الفواعل المادية والمعنوية، المرئية وغير المرئية، من هنا فقد نشأت عشرات النظريات التفسيرية للسلوك الدولي، تركز كل واحدة منها على زاوية محددة من المشهد الكلي. لذلك فإن عملية فهم وتفسير السلوك الدولي هي عمليه غير سهلة، لما تتضمنه من متغيرات كثيرة تؤثر على طبيعة المعادلة.

الأمور الملتبسة في هذا السياق هو صعوبة فهم لعبة تقاطعات المصالح في السياسة الدولية، ما ينتج عنه غالبا تفسيرات مقولبة ومختزلة وسطحية. فعندما نجد في السلوك الدولي أن دولتين أو أكثر من الدول المتصارعة تلتقي معا في نقطة محددة في لحظة تاريخية معينة؛ نسمع تفسيرات تتجه لاختزال الحالة بأن الأمر لا يعدو كونه نوعا من العمالة أو التبعية، وأن حالة العداء أو الصراع الدائر هو عبارة عن مسرحية لا أكثر، وتغيب عن الأذهان إمكانية التقاء المصالح، وفي مساحات واسعة أحيانا في الوقت ذاته الذي تشهد فيه العلاقة عموما حالة من الصراع أو حتى العداء في بعض الأحيان.

من هنا، فإن سلوك دولة مثل الولايات المتحدة مع إيران مثلا ما يزال يفسره البعض بأنه عبارة عن مسرحية وأن الصراع هو صراع مزعوم، أما ما يجري فهو عبارة عن استمرار لعلاقات حميمية وتقارب عميق. وهذا الكلام ينسحب بالمنطق نفسه على العلاقة بين إيران والكيان الصهيوني، وغيرها من الدول.

استطاعت إيران في لحظات تاريخية معينة الاستفادة بشكل كبير من الحروب الأمريكية في المنطقة، حيث التقت مصالح الطرفين في الحرب على أفغانستان. ففي الوقت الذي أرادت الولايات المتحدة الانتقام من القاعدة وطالبان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فقد شكلت عملية القضاء على طالبان فرصة تاريخية لإيران لإنهاء التهديد المتاخم لحدودها الشرقية، باعتباره تهديدا سُنِّيا يُهدد أمنها القومي من وجهة نظرها.

الأمر نفسه حصل عند الحرب الأمريكية على العراق، بهدف التخلص من حكم الرئيس الراحل صدام حسين، حيث شكَّل ذلك فرصة لإيران كلحظة انتقام تاريخي جراء الحرب التي شنها العراق على إيران عقب تفجر ثورتها، كما أن تغيير الواقع في العراق يصب مباشرة في خدمة المشروع الإيراني وأمنها القومي، كدولة محاذية لحدودها الغربية، لا سيما أن التركيبة السكانية للعراق وكثافة الوجود الشيعي فيها عامل مشجع جدا لإيران للتمدد وبسط نفوذها غربا.

وفي السياق ذاته، التقت مصالح النظام السوري مع الكيان الصهيوني في القضاء على الثورة السورية، والتقت مصالح بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني في مسألة مواجهة إيران، في الوقت الذي تلتقي مصالح بعض تلك الدول مثل دولة الإمارات التي ترفع لواء المواجهة مع إيران، في شبكة مصالح اقتصادية واسعة مع طهران. كما التقت مصالح المقاومة الفلسطينية مع إيران، والتقت مصالح الولايات المتحدة مع كل من الصين وروسيا في مساحات معينة، في الوقت الذي تناقضت فيه في مساحات أخرى، والتقت مصالح معظم دول العالم في مسألة محاربة "الإرهاب" بغض النظر عن كون العلاقة بين هذه الدول هي علاقة تعاون أو صراع، في مشهد قد يبدو متناقضا إلى حدٍّ بعيد!

وقد تتسع مساحات هذه التقاطعات وقد تضيق، وقد تمتد زمنيا وقد تقصر، في لحظات تاريخية عابرة. كل ذلك بحسب طبيعة وأهمية المصلحة المتبادلة ومدى الحاجة إليها، دون أن تخرج العلاقة بالمجمل بين الطرفين بالضرورة عن حالة الصراع في المساحات المتبقية من المشهد، هذا ناهيك عن أن الكثير من العلاقات الدولية هي علاقات تعاون من حيث الأصل وليست علاقات صراع.

فهم واستيعاب هذه التقاطعات والتشابكات في العلاقات الدولية، ومعرفة دوافعها وعمقها ومداها، وإدراك الدور الذي تؤدي شبكة المصالح في السياسة الخارجية، والقدرة على الفصل بينها وبين غيرها من مُدخلات العلاقات الدولية، وفض الاشتباك بين الممارسات التي تبدو متناقضة في السلوك الدولي، يُساهم بشكل كبير في الوصول إلى تحليل واقعي وتقدير موقف حقيقي، بعيدا عن التفسيرات المختزلة والمقولبة، التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى تشويش الصورة وتضليل صانع القرار عن تبني الوجهة الصحيحة التي تخدم المصلحة الوطنية العليا.

إياد خالد الشوربجي

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت