امرأةٌ من زمنِ اللا زمن..

بقلم: عطاالله شاهين

عطا الله شاهين

 اخافتني تلك المرأة، التي راحتْ تربّتُ على كتفي، بينما كنتُ نائما في فراشي العادي، وكنتُ حينها أحلمُ حُلْماً مخيفاً، ووجدتُ نفسي حينها أعومُ في بحيرةٍ لون مياهها أحمر، كنتُ خائفاً من الغرقِ هناك تحت ضبابٍ أتى على حينِ غرة، لكنّ المرأةَ، التي كانتْ تنبّهني جعلتني أنهضُ من فراشِي كالمجنونِ.. كان منظرُها يشير إلى أنها خائفةٌ من شيءٍ ما.. كان جسدُها يرتجفُ مع أنّ جوّ البيتِ كان دافئاً، لكنني ابتعدتُ عنها لمسافةِ عدّة خطواتٍ، وقلتُ لها: من أنتِ؟ كانتْ تحملُ جهازا يشبه الهاتف الذّكي، ورسمتْ على شاشتِه مجرّةً، وأشارتْ بإصبعها بأنها من هنا، ففهمتْ بأنّها أتتْ من زمن بداية العدم، من زمن اللازمن، وفهمتُ منها بأن الزّمنَ لم يكن معروفا بعدْ، امرأةٌ وقفتْ خائفةً ولم تفهم لغتي، وكانت خائفةً منّي، وأنا خائفٌ منها، لكنني دنوتُ منها، بعدما أيقنتُ بأنها امرأةٌ عادية، لكنها مختلفة بنظراتها الخجولة، كانت ترتدي رداءً أزرق اللون، وعليه رُسمتْ صورةُ مجرّة، وبيّنت لي رحلتها عبر الزّمنِ من اللا زمنِ، هناك بداية الزّمن كما أشارتْ لي على جهازها..
اعتقدتُ للوهلة الأولى بأنني أحلمُ، وفركتُ عيني جيداً، وأشعلتُ مزيدا من الضوءِ كيْ أرى المرأة بوضوح أكثر، فتلك المرأة روّعتني للتّوّ بوقوفها بجانب سريري، فقلت في ذاتي: لعلّني أحلم، سأذهبُ لغسلِ وجهي بماءٍ باردٍ، فتبعتني المرأةُ، ولمستْ الماء، فاهتزتْ من لمسِها للماءِ، وابتعدتْ خطواتٍ عدة، فنظرت صوبها، وتأكّدتُ بأنني لا أحلمُ، وأشارتْ لي بأنها تسير منذ مليارات السّنين، ووصلتْ إلى هنا بعد أن تاهت بين الأكوانِ..
كل هذا رسمته على جهازها الذكي، فتركتها، وذهبتُ إلى غرفة الصالون لإحضارِ هاتفي الخلوي، وعندما عدتُ بعد ثوانٍ معدوداتٍ لم أجد تلك المرأة، لكنها رسمتْ قبل رحيلها على مرسمي بأنها عائدةٌ إلى مكان اللازمن، فقلت: أنا فعلا لا أهذي، ولا أحلم، ولا أهلوّس البتّة.. فقبل قليل كانتْ هنا امرأة من اللا زمن، وأتتْ بمحضِ الصّدفة، وعادتْ على ما يبدو إلى مكانِ مولدِها..


عطا الله شاهين

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت