ان حالة المقدسات المسيحية في فلسطين لا تختلف عن مثيلتها الاسلامية، فالاحتلال لا يرحم ولا يميز ولا يحترم المشاعر الدينية لدى الاخر الفلسطيني، ان كان مسلما ام مسيحيا.
فالمقدسات، الاسلامية والمسيحية، تقتحم وتداهم، تدنس وتنتهك قدسيتها، وان المسيحيين الفلسطينيين هم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، تعرضوا للظلم التاريخي والتشريد والاعتقال والتعذيب كما الآخرون، وانخرطوا في النضال ضد الاحتلال وانتموا لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقدموا تضحيات جسام، ولعبوا دورا مهما وتاريخيا في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة ونهضة المجتمع الفلسطيني، وشكّلوا معالم بارزة في تاريخ الشعب الفلسطيني وتركوا بصمة واضحة في قلوب وعقول الناس من خلال عملهم المهني ونشاطهم المجتمعي والرياضي وحضورهم الاجتماعي والخدماتي وإبداعاتهم الثقافية والفنية، فبرز منهم القادة والعظماء الذين شكلوا معالم بارزة في مسيرة الثورة الفلسطينية. ومن بينهم خرج المفكرين والمؤرخين والإعلاميين والأدباء والشعراء وقيادات المجتمع المدني.
والمئات من المسيحيين ذاقوا مرارة الاعتقال وفظاعة التعذيب وقسوة السجان، واحتجزوا مع المعتقلين المسلمين في ظروف سيئة، وتعرضوا لما تعرض له باقي المعتقلين من معاملة لا إنسانية، وصنوف مختلفة من العذاب والحرمان، ولعل الأسير البطل/ سامر عربيد خير مثال على ذلك.
فكانوا شركاء في المعاناة والألم والنضال خلف القضبان، ومنهم من قضوا سنوات طويلة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية. وشكّلوا عناوين بارزة لوحدة الألم والدم والمصير المشترك. وبرزت منهم نماذج رائعة وقيادات متقدمة، ورموز متميزة للحركة الوطنية الأسيرة. كما وأن قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة لم تخلُ من أسماء المسيحيين، و"خضر الترزي" وغيره نموذجا. ونحن، نقدر عاليا نضالاتهم وتضحياتهم، ولم نميز يوما في التعامل معهم أو بالخدمات المقدمة لهم ولعائلاتهم.
ولأنهم كذلك، بل واكثر من ذلك، فإننا نشهد على انهم شركائنا في الدفاع عن قضية الاسرى، ونفخر بان لنا من بينهم أصدقاء كثر، اخوة ورفاق، وفي كثير من المواقف شكّل الكثير منهم، افراد ومؤسسات، سندا لنا في الدفاع عن الحقوق السياسية والقانونية والانسانية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وما زالوا.
ان العلاقات الإسلامية -المسيحية في فلسطين، كانت ومازالت وستبقى متميزة ومتينة، وأن الفلسطينيين أيا كانت ديانتهم مسيحية أم إسلامية يعيشون إخوة في الحياة، وأصدقاء في العمل، ورفاق في العلم، وجيران في المسكن أيضاً. وان الذاكرة الفلسطينية تحفظ اسماء كثيرة حفرت عميقا في الوعي الجمعي الفلسطيني. فمنهم من رحل امثال: "جورج حبش"، "وديع حداد"، "خليل السكاكيني"،" "ادوارد سعيد"، "موسى سابا"، "كمال ناصر"، "المطران كابوتشي"، "اميل حبيبي"، "وليم نجيب نصار" والقائمة تطول. ومنهم الكثير من لا زال على قيد الحياة يعطي ويُكافح ويقاوم من أجل مستقبل أفضل.
ولهم مواقف رائعة كثيرة، ولعل أبرز ما نستحضره نحن في غزة في السنوات الأخيرة ذاك الموقف لإخواننا المسيحيين خلال العدوان الإسرائيلي في صيف عام2014، حينما اشتد القصف وضاقت الدنيا بالنازحين المسلمين، ولم تعد مدارس الأونروا والمؤسسات الصحية ولا حتى المساجد، أماكن آمنة، فتوجه المسلمون للاحتماء بالكنيسة التي فتحت أبوابها لهم وأحسنت ادارتها استقبالهم، كما وسُمح لهم برفع الآذان وآداء الصلاة وإقامة الطقوس الدينية التي كانت تصدح من داخل الكنيسة، مما يُؤكد على اصالتهم وقوة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين.
وفي هذه الأيام، وكما في الأعوام السابقة، ومع حلول المناسبات السعيدة، لا يسعني إلا وأن أتقدم أحر التهاني والتبريكات للإخوة المسيحيين كافة، وللأسرى والأسرى المحررين منهم خاصة، بمناسبة أعيادهم المجيدة وحلول العام الميلادي الجديد، متمنيا لهم ولعائلاتهم ولشعبنا كافة عام سعيد وقد تحققت فيه أمانينا وتطلعاتنا في الحرية والاستقلال.
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
25 كانون أول/ديسمبر2019
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت