تحدثنا كثيرا وطويلا عن التعبئة التنظيمية ومخاطرها ونتائجها المخيفة حتى على من يمارسون هذه التعبئة والذين يقيسون درجة الانتماء بمدى التعصب والتطرف ... وحتى اكون واضحا وصريحا فانا لا اقصد بالتحديد تعبئة بعينها ... ولكن مقالتي تأتي بسياق وطني ... معرفي ... شمولي . بالنسبة لي انا ضد التعصب والتطرف والتعبئة والتخزين بالبشر لكراهية الاخر ... فلا شيء يستوجب الكراهية والبغضاء ... لكن كل شيء يمكن ان يكون بجزء منه موضع اتفاق او خلاف . تعبئة العقول وتسويد القلوب وكأنها أمر ذات علاقة بالانتماء وتقويته امرا مغلوطا وخطيئة لا تغتفر تؤثر على صلب العلاقات الانسانية الاجتماعية وحتى الوطنية والتنظيمية .
الاختلاف المشروع يجب ان نعمل على تصويبه وتعزيزه بالمزيد من الوعي والثقافة الفكرية والانسانية حتى نجعل الطريق سالكا ممهدا للالتقاء بمحطات الاتفاق وحتى لو غادرنا لنصل الى محطة التلاقي بالحد الادنى . التطابق الكامل ليس أمرا واردا ومقبولا بالحياة السياسية والعلاقات الوطنية ... لان التطابق قد يأخذ الى الاحتواء والالحاق وعندها لن يكون لهذا الفصيل او ذاك ضرورة وجودية بل يجب ان يكون هناك مسافة من الاجتهاد والابداع الفكري الانساني والسياسي حتى نعزز من قوة التعبئة السليمة والتي تكون مخرجاتها انسان قوي وعضو مؤثر وفعل ملموس في اطار تنظيم متماسك وقوي وقادر على ان يكون نموذجا يحتذى به .
يجب ان نتعامل مع بعضنا البعض بعلاقات انسانية راقية اولا ... ومن ثم علاقة وطنية ثانيا .... ومن ثم بأخلاقيات عالية ثالثا وعلى اساس ديني واجتماعي رابعا .... وبثقافة وعلمية خامسا ... وبأسس تنظيمية سادسا . هذه الخارطة من التعبئة لتجسيد العلاقات الاقوى والافضل محكومة بالعديد من الضوابط والاحكام والانظمة الداخلية والاعراف والتقاليد التي لا حياد عنها . ليس من حق احد اطلاق لسانه ليقول ما شاء ... واينما شاء .. وكيفما شاء .. هذا تعبيرعن حالة من الفوضى تنطلق من جهل وتعصب وقد يكون تطرف لحالة مرضية نفسية تحتاج الى معالجة .
مقياس التعصب والتطرف واطلاق الكلمات على غاربها يعبر عن حالة ضعف وفقدان للثقة والمعرفة وتأتي في سياق التخبط والاضطراب وعدم اليقين مما يقال وخسارة ذلك تتعدى حدود القائل لتؤثر بالأجواء المحيطة وهذا عمل لا يغتفر ولا يقبل بل يجب ان تتم المحاسبة عليه . الالتزام بالأقوال والافعال واحترام النظام والقانون بدافع ومنطلقات قائمة على القناعة والتربية والثقافة والانتماء يجب ان نرسخها وان نطورها وان لا نهمل متابعتها بصورة دائمة .
المجتمعات الراقية والمتطورة قد يعتقد البعض انها معروفة بما تمتلك من تكنولوجيا عالية وتطور علمي وبحثي وهذا صحيح .... لكن الحقيقة التي يجب تسليط الضوء عليها هو مدى رقي العلاقات وعدم تدخل أحد بالأخر وبمستوى الثقافة والاحترام وتحديد حدود كل شخص للأخر وعلى قاعدة ان (حريتي تبدأ عندما تنتهي حرية الاخرين ) . قد يقول قائل نحن لسنا بجمهورية افلاطون !!!! حتى يقال مثل هذا الكلام والرد ابسط من ان نصل الى جمهورية افلاطون التي قيل عنها انها جمهورية المثالية التي لا توصف بدرجاتها العالية ... لنصل الى مستوى الانسانية المطلوبة واعتماد الثقافة والتربية المعلومة والتي تربينا عليها والى التدين الوسطي الذي نشأنا عليه ... وحتى يمكن لنا التوازن الفكري والمعرفي ... مجموعة من التعاليم والافكار والاسس التي تم البناء عليها بكل محتواها واسسها الصحيحة والراسخة بداخلنا والرافضة لكل متطاول خسيس ‘!!!! ... ولكل متدخل بشؤون غيره والمفرغ والفاقد لأي امكانية عمل او عطاء والذي وجد على هذه الحياة وسيمر فيها الى حيث نهايته دون بصمة او فعل او حتى اشارة يمكن ان تدلل على انه قد اعطى ما يستحق له الثناء والتقدير .... وما يستحق له وما عاش لاجله ... ولم يقدم نموذجا ومثالا لغيره .
لا يجب ان يترك أحد لنفسه العنان لقول ما لا يجب قوله ولا حتى في أي موضوعات يمكن ان تكون شخصية من باب التسلية ملئ الفراغ وهو ينهش بأعراض الناس ومكانتهم ... فالقائل والمستمع لا يجب ان يكونوا من البشر العاديين ... ولا من الاناس الذين تربوا وفق اسس صحيحة ... لان مثل هذا الكلام غير الموثوق والذي يتجاوز الحدود ويتعارض مع الاصول واسس العلاقات يجعل من القائل شذوذا وخروجا عن كافة القواميس التي نعرفها .
نحن بحاجة الى العمل المخطط والمدروس لبناء الانسان في البيت والمدرسة والجامعة وان لا نترك الابناء لشبكات التواصل للتلاعب بأفكارهم وتغيير مبادئهم وتربيتهم لان ما تم صناعته ومتابعته من تربية واخلاقيات ومثالية مطلوبة اسلحة ذات اهمية عظيمة لبناء علاقات ونماذج يحتذى بها .... وهنا يأتي دور الجميع بما فيها الفصائل والاحزاب التي يجب ان تعطي اولوية قصوى للتعبئة التنظيمية الوطنية القائمة على محبة الاخر واحترامه وان نشطب من ذاكرة كل منا كل حقد دفين وكراهية مصنعة لاننا اولا واخيرا ابناء شعب واحد ما يحكمنا قانون المحبة والوفاء والاحترام حتى نحقق اهدافنا وليس أي شئ اخر .
الكاتب : وفيق زنداح
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت