أتفق أن التوقيع على اتفاقية سيداو مع تحفظات على بعضاً من بنوده من ناحية التنفيذ هو المطلوب والواجب، وهذا ما تم حقيقةً ، ولكن أن نقدم تفسيرات كما يعتقد البعض الذي يستند للموروث فهذه أيضا بحاحة لتقاش، وما جاء في القرآن الكريم "وليس الذكر كالأنثى" هو في حيثياته تفضيل للأنثى على الذكر وتكريمها لأنها هي من حملت روح الله وكلمته سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وموضوعة تعدد الزوجات أيضا فيها خلاف لأن التعدد مرتبط باليتامى وليس بالنساء ولكن عادة العرب قبل الاسلام كان فيها تعدد فأبقى الموروث على التعدد بمفهوم مثنى وثلاث ورباع ودون ربطها بالقسط باليتامى، اما قصة القوامة فهي مرتبطة بالأساس بمن ينفق وليس بالرجل وجاءت الآية للحد من تعسف النساء بالرجال في حالة اذا كانت النفقة من طرفهن، ودعوة "الابناء بالآباء" ليس بمفهوم الحصر النَسَبي لأن الناس يوم الحساب سيتم دعوتهم بأسماء أمهاتهم وليس بأسماء الآباء، أما موضوع الارث فقد قدم الدكتور "محمد شحرور" شرح تفصيلي حوله يتعارض مع ما قدمه الإمام "الشافعي" قبل الف ومئة عام وبالبراهين، والمقصود هنا شروحات وتفسيرات من سبقونا ليست مسلمات فالمصحف الشريف صالح لكل زمان ومكان ووفق الزمان وليس وفق ما كان لأن الرسول عليه الف صلاة وسلام لم يقم بتفسير الآيات حتى لا تكون قانون مطلق (لذلك ظهر مفهوم الحديث بعد وفاة نبينا عليه السلام بمائة وثلاث وثمانين سنة بما يعني ذلك من اخطاء وتقوٓل على رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام).
التحريض بهذه الطريقة هو محاولة لعزلنا عن العالم وكأننا نعيش في جزيرة خاصة بنا مع العلم أن التعاطي مع "سيداو" ممكن ولكن بتحفظات و للأسف لا زالت عقلية وشروحات العصر العباسي تحكم هذه الامة ولا زالوا يحلمون بالخلافة والتي ومنذ العصر الاموي ومرورا بالعباسي وحتى الاحتلال العثماني بإسم الدين الاسلامي كانت في اغلبها مجازر وحروب اهلية وصراعات ومذاهب ادت لما نحن عليه اليوم، والحملة اليوم التي يقودها حزب التحرير ومن معهم من سلفية ودعوية ليست بريئة لأن هدفها ضرب السلم الأهلي المجتمعي في مجتمعنا وتنفيذا لأجندات إحتلالية هدفها زعزعة مفهوم القانون ومركزية المؤسسة التي تقوم بتمثيل الدولة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي.
إتفاقية سيداو جاءت لوضع حد للعنف ضد المرأة الذي يمارس بشكل منهجي حتى عند جماعة الموروث الإسلامي وبإسم جواز الضرب لأنهم فسروا الآيات القرآنية وفق العادات والمفهوم المحسوس لعدم قدرتهم على فهم الرمزية والمجرد، أما سن الزواج فللأسف لا زالوا مقتنعين أن الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج عائشة رضي الله عنها في عمر تسع سنوات ودخل فيها في عمر إثنتا عشر وفقا لموروثهم الكاذب حيث هناك من قال وكتب أنه تزوجها وهي في سن الثمانية عشرة عاما. فالرسول الأعظم علية ألف صلاة وسلام والمرسل من رب العالمين لا يمكن أن يتزوج طفلة، فرحمةً بعقولنا.
هؤلاء الذين يحرضون من أصحاب فكر الموروث ليسوا سوى صناعة بريطانية وجامع "ميونخ" يقود بعضهم والآخر يقوده جامع "غيسن" في المانيا، وحزب التحرير في الخليل ومن معه من اصحاب فكر الاسلمة السياسية تحرك ضد اتفاقية "سيداو" وجمع بعضا من العشائر من خلال التحريض الممنهج في ظل تحرك جماهيري تجاه الحرم الابراهيمي الشريف وذلك لإجهاض هذه الحركة الجماهيرية وكما يبدو جاء ذلك بطلب من أسياده رغم أن الإتفاقية موقعة من سنين، لكن التنفيذ لبعض البنود بدأ هذه السنة برفع سن الزواج الى ثمانية عشرة عاما والسماح بفتح حسابات في البنوك كأوصياء على أطفالهن بدون إذن من الأب، وفي نفس الوقت منعت السلطة إجتماع وإحتفال للمثليين في نابلس قبل اشهر رغم تعارض ذلك مع إتفاقية "سيداو" تأكيداً على خصوصية مجتمعاتنا العربية والفلسطينية.
من يطرح اتفاقية "سيداو" بهذه الطريقة التحريضية هدفه زعزعة السلم الأهلي وخلق أزمة ونحن في معركة الجنائيات الدولية كمساعدة لأسيادهم المحتليين، وهذا التحرك مشبوه ولا نُبْلَ فيه.
بقلم: فراس ياغي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت