لا نعرف قيمة وأهمية الآخرين إلاّ عند فقدانهم ، هذا ما انطبق على الراحل الكبير المجاهد وقائد الجيش الجزائري الفريق الركن أحمد قايد صالح ، الإبن البار للثورة الجزائرية وجيش التحرير الوطني . فقد صوبت الجنازة الحاشدة والمهيبة للفقيد الكبير البوصلة على أهمية الدور الذي لعبه في أحلك الظروف التي عاشتها ومرت بها الجزائر ، التي كادت أن تتشظى إلى المجهول ، غير أنّ ربان السفينة الأمين والمؤتمن ومعه مؤسسته العسكرية التي خاض معها منذ تسلمه رئاسة هذه المؤسسة معركة الوعي منذ العام 2004 بهدف تحصين العقيدة الوطنية لجيش الجزائر العظيم ، قد أوصل هذه السفينة إلى بر الأمان التي لا زالت تتربص به فلول الفاسدين والفتنويين ، الذين وقفت وتقف ورائهم قوى الاستعمار القديم ، والنهب الجديد تتقدمتهم فرنسا ، حيث عبرت جموع المشيعين لجثمان الراحل عن رفضها مشاركة السفير الفرنسي ، في إشارة بالغة في تحميل فرنسا المسؤولية عن سعيها إلى تخريب الجزائر .
أظهرت الجنازة المهيبة ما أنجزه الراحل الكبير خلال مرحلة ما بعد رحيل الرئيس بوتفليقة تحت ضغط الشارع الجزائري ، الذي حمله مسؤولية ما أصاب الجزائر من كوارث بالمعنى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ورعايته وحمايته لجيش من الفاسدين والناهبين لمقدرات الشعب الجزائري وإفقاره .
فالقائد صالح أشهر سيف محاربة الفساد والمفسدين ، وقادهم إلى المحاكمة . ووقف بحزمٍ في مواجهةِ التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي للجزائر . وله الفضل في احتضان الحراك وحمايته من الدخلاء ، وبذلك أوفى بوعده وعهده فلم تسقط نقطة دم واحدة .
ووقف على مسافة واحدة من الأحزاب والقوى الجزائرية ، وحمى الدستور وصانه ، فقاد البلاد إلى انتخابات رئاسية حرة ونزيهة ، أتت بالمرشح عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد ، الذي سلّمهُ الراحل الأمانة ، فغادر دنياه مطمئناً أن بلده وأبنائها قد أصبحت بأيدٍ أمينة .
لقد استحق الراحل الوطني الكبير وعن جدارة وطنية عالية هذه التشييع ، حيث عشرات الآلاف من الشعب الجزائري التي خرجت في وداع قائد جيشها الوطني ، وحامي حراكها ، وحافظ تطلعاتها وأمانيها ، فأطلقت عليه اسم حارس وأسد الجزائر وفارسها العنيد ، ورجل اللحظة التاريخية بكل ما حملتها من دلالات .
كيف لا وهو الشخصية التي نشأت وترعرعت في كنف الثورة والجيش الجزائري ، الذي مثلّ حالة فريدة في أنه الاستمرار الطبيعي لجبهة التحرير الجزائرية . وهي بذلك بادلته الوفاء بالوفاء . اليوم والجزائر قيادةً وشعباً يودع قائد جيشه الفريق أحمد قايد صالح ، لا تنسى فلسطين وشعبها وقواها ، الدور المميز والمتميز للجزائر في دعمها واحتضانها المتواصل للقضية الفلسطينية والوقوف إلى جانبها ، وانخراط أبنائها في مقاومة أبناء فلسطين للكيان الصهيوني .
وفي ظل محنة الجزائر وحراك شعبها كانت فلسطين بأعلامها حاضرة في ملاعبها وساحات وميادينها . وستبقى فلسطين وفية أمينة لثورة المليون شهيد من أبناء الجزائر الحرة الأبية ، والتي نتطلع أن تستعيد دورها وألقها خدمة لقضايا أمتنا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت وستبقى عهدة لدى الجزائر والشعب الجزائري الشقيق .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت