هو "يوم عيد" كما وصفته اسرائيل .. تصدير الغاز إلى مصر بناء على اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار ولمدة عشر سنوات اعتبرتها تل أبيب أهم تعاون اقتصادي بين البلدين منذ معاهدة السلام 1979 . ومن المفترض أن يبدأ العمل بها في الأيام القليلة القادمة.
إن السؤال البديهي الذي يجول في ذهن أي أحد هو كيف تحولت مصر أحد أهم منابع الغاز الطبيعية في العالم والمسئول الأول عن شبكة الغاز العربي حتى عام 2010 من دولة مصدرة للطاقة الى مستوردة من اسرائيل ؟؟هل هي ديناميكيات السياسة وتغييرات الموازين؟ أم ماذا؟
تعود القصة الى العام 2009 حين تم اكتشاف حقل غاز ( تمار) في شرق البحر المتوسط قبالة لبنان والأراضي المحتلة، تلاه اكتشاف حقل ليفيثيان بالقرب منه في العام 2010. وبالمناسبة كلا الحقلين يقعان تحت طائلة نزاع قانوني بين اسرائيل ولبنان بسبب ترسيم الحدود المائية بينهما وأحقية كل دولة فيهما. ولأن الاكتشافات كانت مفاجئة واسرائيل لم توقع على قانون البحار فالوضع القانوني معقد، والقاعدة المتبعة في الاستفادة من الغاز في كلا الحقلين هي وضع اليد. تعززت قوة اسرائيل في الطاقة مع اكتشاف حقلي غاز (سارة وميرا ) في العام 2014 أمام شواطئ بلدة الخضيرة ، مماأدى الى اكتفاء ذاتي لمدة 40 عاما قادمة بعد أن كانت تستورد 50 % من استهلاكها المحلي من الغاز من مصر، وسمح فائض الانتاج بالتصدير للخارج .
في الوقت الذي استطاعت فيه اسرائيل تنويع من مصادرها الطاقوية وتسخر خبراتها التكنولوجية لاستغلال اكتشافاتها من الغاز سياسيا واقتصاديا ، كانت مصر تختبر التغيير الجذري في نظامها السياسي إثر ثورة 25 يناير 2011 ، وكان الاقتصاد المصري يُضرب بكل قوة وتهدم مؤسسات الدولة.
من وبالات ثورة 25 يناير أنها أخرجت الخلايا النائمة لتخرب في البلاد، حيث أدى تفاقم الاوضاع السياسية وانهيار المنظومة الامنية خلال السنوات التي تلتها الى تدهور حاد في الاقتصاد وتصاعد حدة الازمة المالية. ولعل أبرز الانتكاسات التي منيت بها مصر هو سلسلة التفجيرات المتتالية لخطوط انابيب الغاز في سيناء، والتي كانت تصدَر الغاز لاسرائيل/ وبغض النظر عن قضية تصدير الغاز المصري الى اسرائيل وما شابها من مصالح خاصة وتسويات / الا أن الهدف من التفجيرات لم يكن اسرائيل وإنما كان ضرب الاقتصاد المصري في مقتل،لأن ما حدث في السنين التالية أثبت أنه يصب في مصلحة الدولة العبرية . وبفعل التفجيرات توقفت مصر عن التصدير تماماً وهربت استثمارات الشركات المنقبة، وعجزت الدولة المصرية عن دفع استحقاقات هذه الشركات وتراكمت الغرامات عليها، الأمر الذي أدى الى بطء الانتاج وتراجعه مع استمرار زيادة الاستهلاك المحلى فخلق فجوة متزايدة اضطرت معها السلطات المصرية الى البحث عن بدائل سريعة لتعويض النقص الحاصل ومن ثمَ تحولت مصر من دولة مصدرة الى دولة مستوردة.
سياسة اسرائيل التصديرية للطاقة لا تقف عند مصر والاردن فقط، بل عينها على أوروبا والعالم ،حيث تأمل في اتمام شبكة أنابيب لتصدير الغاز الى أوروبا بالتعاون مع قبرص . ومن شأن هذه الشبكة توفير سوق اقتصادي آمن لاسرائيل بعيدا عن الضغوطات السياسية للدول الاقليمية. قبل عدة سنوات كانت تل ابيب تنظر الى أنقرة كشريك أساسي في التعاون الاقتصادي وأمن الطاقة ، ولكن مع تغيرات السياسة وتدهور العلاقات بين البلدين، توجهت أنظار اسرائيل على الفور الى قبرص ومنها الى الاتحاد الاوروبي الذي وافق على دفع نصف تكلفة خط الانابيب المقرر اتمامه .
ما حدث في العقد الماضي سيبقى حاضراً ومؤثراً في السنوات القادمة . كلنا أمل أن تستعيد مصر دورها ليس في مجال الطاقة فحسب، بل في الريادة الاقليمية في كل المجالات..
بقلم د. اماني القرم
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت