في ظل مخاوف تسود العالم، سجلت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا في الأسواق العالمية وحافظت على ارتفاعها لأيام متتالية عقب مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني فجر الجمعة في هجوم صاروخي أميركي وقع قرب مطار بغداد الدولي، تبع ذلك توعد إيران بالرد، ما أثار القلق من تأثر إمدادات النفط في الشرق الأوسط.
وفي حين بدأت الولايات المتحدة تعد نفسها لأي انتقام محتمل، تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بـ "ثأر شديد" على هذه الضربة، بينما حث المجتمع الدولي على ممارسة الأطراف المعنية لأقصى درجات ضبط النفس، للسعي إلى عدم التصعيد في منطقة الخليج.
وفور شيوغ نبأ اغتيال سليماني، سادت حالة من الإرباك أسواق المال والنفط العالمية، وسط قلق المتعاملين من تصعيد خطير في التوترات يؤدي إلى تعطيل إمدادات الخام في الشرق الأوسط.
فقد قفزت أسعار العقود الآجلة لخام برنت حوالي ثلاثة دولارات صباح يوم الجمعة لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ سبتمبر 2019، حيث سجل الخام القياسي العالمي 69.16 دولار للبرميل، وهو السعر الأعلى منذ 17 سبتمبر، لكنه انحسر لاحقا إلى 68.21 دولار، لتصبح مكاسبه 1.96 دولار بما يعادل ثلاثة بالمائة.
وأشار الخبراء إلى أن تصعيدا أكثر خطورة في الشرق الأوسط سيكون له تأثير أوسع على الأسواق الاقتصادية والمالية من خلال ارتفاع حاد في أسعار النفط الخام، وبما أن لا أحد يعرف ما إذا كانت إيران سترد على عملية الاغتيال أم لا، ومتى سيحدث ذلك وكيف، فإن مخاطر تهديد معروض النفط الخام من المنطقة تظل قائمة.
وقال محللون بالمصرف الاتحادي السويسري (يو بي إس) إنه "عند أخذ المخاطر في الاعتبار، أضافت الأسواق علاوة مخاطر بسبب المخاوف من تصاعد التوترات"، مضيفين أن "مدة استمرار علاوة المخاطر مرتبطة بما إذا كانت تدفقات النفط ستتأثر أم لا".
إلا أن التساؤل الرئيسي هنا يكمن في ماهية تداعيات اغتيال سليماني على الاقتصاد الأمريكي، وللإجابة بموضوعية عن ذلك يجب معرفة حقيقة مهمة أولا.
تجاوزت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة المملكة العربية السعودية وروسيا لتصبح أكبر بلد منتج للنفط والغاز، لتكون بذلك أحدث المصدرين العالميين للنفط والغاز. بل وأصبح النفط والغاز أكثر أهمية للولايات المتحدة من أي وقت مضى.
ووفقا لتقرير المعهد الأمريكي للطاقة حول تأثير صناعة النفط والغاز على الاقتصاد الأمريكي: تساهم صناعة النفط والغاز بـ 10.3 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة في الاقتصاد الأمريكي، وهو ما يمثل حوالي 5.6 في المائة من إجمالي الوظائف الأمريكية.
ووفقا لبيانات (يو بي أس) في عام 2017، ساهمت جميع الصناعات ذات الصلة مثل استثمار النفط والغاز والمعدات بنسبة 54 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2017. ليتجاوز بذلك معدل مساهمة صناعة الطاقة ما سجله في السنوات السابقة بكثير.
وفي حال وصل سعر النفط افتراضا إلى 80 دولارا للبرميل، فكم الأرباح التي ستحصل عليها الولايات المتحدة؟. يبلغ الإنتاج اليومي الحالي للنفط الخام الأمريكي 10 ملايين برميل، وفقا لبيانات وزارة الطاقة الأمريكية. إذا ارتفع سعر البرميل بحوالي 30 دولارا، سيتم تحقيق ربح يقدر بـ 360 مليون دولار تقريبيا في يوم واحد، وهو ما يعني ربحا يقارب 130 مليار دولار تقريبيا في السنة.
ولفت بعض المحللين إلى أن الولايات المتحدة اغتنمت فرصة الانتقام للهجوم الذي وقع على السفارة الأمريكية في العراق قبل بضعة أيام من خلال الإقدام على اغتيال الجنرال سليماني مباشرة، مما يؤجج التوترات المتصاعدة بالفعل بين أمريكا وإيران.
ونظرا لقيام الولايات المتحدة بنشر قوات لها في عدة دول بالشرق الأوسط، بشكل أساسي في السعودية وقطر وغيرها من الدول. فإنه بمجرد ارتفاع حدة التصعيد المتبادل، قد يتسع النزاع بين الولايات المتحدة وإيران ليشمل دولا أخرى، ولا تبدو أي من تلك الدول بمنأى عن الانجرار لهذا النزاع.
وإذا ما اندلعت حرب أو اضطرابات في المنطقة، فإن "أول بجعة سوداء لعام 2020" سوف تتبلور: صعود كبير في أسعار النفط الخام مما سيقود إلى ارتفاع مؤشرات التضخم العالمية ويؤدي إلى صدمات هائلة في أسعار الأصول العالمية.
ناهيك عن ذلك، فإنه بسبب تأثير التحوط الناجم عن الحرب، فقد تصبح الولايات المتحدة الملاذ الآمن للأموال العالمية، مما سيخفف ضغط البيع على الأسهم الأمريكية وقطاع العقارات الأمريكي.
وفي الحقيقة، فإن هذا هو فعلا ما أرادت "وول ستريت" رؤيته يتحول إلى واقع عندما وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة منذ عام 2016.
ويقول المحللون إن المتعاملين يحاولون تقدير المخاطر التي ستنجم عن الرد الإيراني، وهم ما زالوا في حالة انتظار وترقب حتى الآن لمعرفة ما إذا كان رد الفعل سيوازي ما توقعته عناوين الأخبار حول العالم.