لوحظ ان الشعب الفلسطيني وقواه الحية، تباينت في موقفها من قصف طائرات امريكية لموكب قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الايراني، وقتله على الفور، حيث راح نشطاء مواقع التواصل يراوحون مكانهم ما بين مؤيد ومعارض لعملية الاغتيال.
بداية ما دفع امريكا لقتل سليماني هو الدفاع عن مصالح امريكا وليس غير ذلك، وترمب لم يتخذ القرار بمفرده، بل هناك ادارة امريكية قدرت الامور وقررت ان تغتال من تعتقد انه بات خطرا على مصالحها، او انه تجاوز خطوط حمر في المنطقة العربية.
من اصعب المواقف ان يوضع المرء او قيادة فلسطينية او حتى فصيل فلسطيني ما بين خيارين صعبين، فعلى الساحة الفلسطينية كان التباين صارخ، فهناك من اعتبر سليماني شهيد لدعمه المقاومة الفلسطينية والتي حققت تقدما نوعيا وملحوظا ضد الاحتلال، وبسبب مواجهة سليماني لتمدد امريكا في المنطقة العربية.
بالمقابل هناك من اعتبر مقتل سليماني مرحب به، كونه شارك بفعالية في ضرب المعارضة والثورة السورية وشارك في حرب اليمن، ومنهم من لجأ الى عقيدة الشيعة كي يبرر هجومه على سليماني.
ما غاب عن الكثيرين من نشطاء مواقع التواصل، ان العلاقات الدولية في الزمن الحالي وفي غالب الازمان ما هي الا عبارة عن مصالح وصراعات قوى، حيث تطمح كل قوة ان يكون لها الكلمة الفصل، ولا تسمح بصعود قوى اخرى تنافسها، وان كان لا بد من المواجهة فانه يسبقها محاولة احتواء ان نجحت.
ان عرفنا، ان السياسة هي فن ادارة صراعات القوى فيما بينها فان الصورة تتضح اكثر فاكثر ، ومن هنا نستطيع ان نفهم ما جرى ولماذا اغتالت امريكا سليماني، ومن الخطأ عدم ملاحظة ان ايران تطمح ان تكون قوة اقليمية وعالمية، وتعبئة فراغ تركه ضعف وهوان العرب، بسبب حرص حكام العرب على الحفاظ على كراسييهم وعدم تطور او النهوض ببلادهم.
قضت السنن الكونية بالتبدل، وسورة "الروم" تتلى حتى يوم الدين، موضحة كيف هو التبدل والتغير، وان على المسلمين والمؤمنين بالله ان يفرحوا دوما لانهم عرفوا سنة الله في الكون وهي التبدل والتغير في بضع سنين، وان هذا الامر كله بيد الله، وليس بيد من بيده القوة من البشر والدول والحضارات العظيمة، لان القوة مهما عظمت قد تخسر في معركة قادمة، ولدينا امثلة كثيرة، كيف ان معركة بلاط الشهداء كان المسلمون اكثر عدة وعتادا من الاسبان، ومع ذلك خسر المسلمون وقتها، وكيف ان معركة اليرموك ربحها المسلمون رغم قلة عددهم وقتها، والامثلة الاخرى لا تعد ولا تحصى.
يبقى السؤال: هل انت مع ام ضد اغتيال سليماني، وهنا يبرز قول واجابة لدى قطاع معين من الشعب الفلسطيني، انه افضل الصمت في حالة مثل هذه كونها معقدة والجواب له تبعات حساسة وليس من الحكمة الاجابة عن هكذا سؤال.
بالمقابل عدم الاجابة على السؤال يفسر انه دليل ضعف وعدم وضوح في المسير والقواعد التي ينطلق منها العقل السياسي الفلسطيني او العربي في تفسير وفهم الاحداث التي تجري من حولنا والتي من الطبيعي جدا ان تؤثر فينا سلبا او ايجابا.
في كل الاحوال لن يتوقف الصراع على النفوذ والقوة في عالم اليوم كون هذا سنة تاريخية قضاها الله تعالى في الحياة الدنيا ولا مفر منها، وعدم الاجابة عن اسئلة حساسة او معقدة يعني بالضرورة عدم القدرة على الاجابة بشكل محيط ومفسر، وترك الاحداث تجري وتداهم من لم يحسن الاعداد والاجابة.
لا يصح ان يكون الفرد المسلم او اي قوة سياسية وعسكرية ليس لديها اجابات عن احداث وقعت او واقعة او ستقع، فسنة التدافع لا محال واقعة، والصراعات لن تتوقف، والوقوف جانبا على الحياد في ظل مواقف ووقائع مفصلية تاريخية، تبقي الفرد او المجموع خارج السياق، والتاريخ لا يصنعه المحايدون، والانتصارات لا تتحقق على يد من لا يملكون الاجابات، او من بقوا في قوقعة الفهم الخاطئ للسنن الكونية، بل يصنع التاريخ من فهم، وعقل، وخطط بحكمة وروية، بعيدا عن العاطفة، ولحظة تاريخية عابرة.
د. خالد معالي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت