جنازة الملايين السبعة التي شهدتها شوارع طهران في تشييع ووداع الجنرال قاسم سليماني ، زعيم " فيلق القدس " التابع للحرس الثوري الإيراني ، الذي اغتالته يد الغدر الأمريكية في بغداد ، جنازة مهيبة وعظيمة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل ، وتشكل أولى الردود الإيرانية على جريمة الاغتيال البشعة التي نفذتها الطائرات الأمريكية في الجمعة الدامية .
هذه الجنازة هي رد مجازي ، إن جاز التعبير على الجريمة المروعة التي نفذت بقرار سياسي من أعلى مستوى في الإدارة الأمريكية ، لذلك ، كان هناك تساؤل لوزير خارجية إيران موجهاً سؤاله لترامب : "هل سبق لك أن رأيت مثل هذا البحر من البشر في حياتك ؟ " .
نعم ، هل شهد العالم جنازة بهذا الحجم من قبل ؟
طوفان بشري هائل تجاوز أكثر من سبعة ملايين إيراني ، ورغم ذلك جاءت بعض وسائل الإعلام بأخبار تفيد بأن المشاركين بضع الآلاف ومنهم من كان أكثر ذكاءً فقال بأن المشاركين مئات الآلاف ، ويبدو أن في تلك الأخبار افتعال وفبركة وتخبط وهروب من الحقيقة الساطعة التي كتبها دماء ضحايا الجريمة الأمريكية ، ما يشي بعدم موضوعية وعدم شفافية في نقل الخبر ، بل في نقل الصورة .
بالتأكيد حجم الجنازة هو استفتاء شعبي وجماهيري وسياسي ، وهو تجديد للثقة بالقيادة الإيرانية التي ترنحت قواها في الأعوام السابقة وشهدت وهناً وضعفاً ، بل وشهدت مواقف رافضة واسعة لأدائها من قبل الشارع الإيراني ، لتأتي جريمة الاغتيال البشعة وتعيد اللحمة بين مختلف الأطراف الإيرانية وتتوحد في خندق واحد هو العداء لأمريكا وإسرائيل وسياساتها الخارجية المعادية لشعوب المنطقة .
دون أدنى شك بأن الرئيس الأمريكي ترامب ومعه أركان الإدارة الأمريكية قد تابعوا مجريات وأحداث جنازة الملايين بعد أن أخذهم الغرور وأخذتهم الغطرسة إلى ابعد من مجرد تنفيذ جريمة اغتيال قائد ، إلى محاولة اغتيال شعب ، بل واغتيال أمة .
هذه الجنازة الكبيرة وغير المسبوقة التي تابعها العالم ككل ، كلٌ من الزاوية التي يريد أن يرى الحدث من خلالها ، هي رسالة واضحة تدلل على تماسك ووحدة وصلابة الشعب الإيراني وأصدقاء إيران حول العالم ، وهي رسالة سياسية بالدرجة الأولى سيتم استثمارها إلى ابعد الحدود في الرد على السياسات الأمريكية المعادية لإيران ، وقد تشكل مدخلاً لتحسين أي شكل من أشكال التواصل الإيراني مع العالم ، بما في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها إذا ما أحسن الأداء الإيراني .
فيا سيّد ترامب : "هل سبق لك أن رأيت مثل هذا البحر من البشر في حياتك ؟ " ، فقبل أن تقدم على أي عمل أو أي مغامرة غير محسوبة النتائج تذكر أن العدوان الأمريكي كلما كبر وتصاعد ، كلما وحد الشعوب ووحد القوى ووحد الضمائر الحيّة في العالم ، رفضاً للسياسات العنجهية الأمريكية التي تتعامل كقوة فوق الشرعية الدولية وفوق الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تردع جرائم الاغتيال الهمجية مهما كانت مبرراتها .
محمد علوش
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت