غزة.. مشروع ذاتي لتحويل المخلفات الزراعية لأسمدة

يقضي الأربعيني صالح الأسطل من مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة ساعات طويلة يوميا داخل حمّامٍ زراعي لا تتجاوز مساحته الـ 80 مترا، لأجل تحويل المخلفات الزراعية لسماد عضوي وسوائل مغذية للنباتات.

يقول الأسطل لوكالة "الأناضول"، إنّ المشروع يهدف بالدرجة الأولى للتخلص من المخلفات الزراعية، ويساهم في توفير المستلزمات الطبيعية اللازمة للإنبات بتكلفةٍ رمزية.

** بداية المشروع
حصل المشروع على موافقةٍ مبدئية بعد عرضه على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنح تمويلاً في المرحلة الأولى بنحو 5000 دولار، وارتهن أمر استكمال التمويل بشكل المنتج الذي سيخرجه.

ويضيف الأسطل "فكرة المشروع جاءت من خلال مشاهدتي الدائمة لأكوام المخلفات الزراعية في الشوارع، وأيضاً عبر استماعي لشكاوى الناس الذين يتذمرون من الرائحة الكريهة الصادرة عنها".

ويتابع "في المرحلة الأولى وضعت مخططات للمشروع من خلال الاستعانة ببعض تجارب الأصدقاء المزارعين ومواقع الإنترنت، وصممت الشكل المبدئي للوحدات الإنتاجية التي هي عبارة عن أحواض أسمنتية وبلاستيكية".

ويشير أنّ الأحواض الإسمنتية تستخدم في تجميع وتخمير المخلفات ذات الحجم الكبير، ويتم نقلها بعد مدة معينة تحدد حسب طبيعة نوعها، للأوعية البلاستيكية وتكون عبارة عن سائل وتحفظ فيها لفترةٍ أخرى.

وينحو بالقول إنّ المخلفات فور وصولها للمعمل وقبل مرحلة الأحواض الإسمنتية تخضع للفرم عبر ماكينة صغيرة صممها بمساعدة فنيين، ويتم بعدها تغطيتها بمخلفات "غير مفرومة"، وتُقلب بصورةٍ أسبوعية من الأعلى للأسفل.

ويمكن استخدام السائل لكلّ أنواع النباتات الثمرية، حسب أوقات قطفها، ويكفي اللتر الواحد منه، الذي يتمّ خلطه بـ10 لترات من الماء، لمساحة تبلغ حوالي 3 دونمات، ونسبة توفير ثمن المغذيات النباتية‎ المُصنعة في حالة استخدامه من قبل المزارعين تصل لـ150 بالمائة، كما يروي.

وبين الحين والآخر يتعرض المزارعين في غزّة، لخساراتٍ كبيرة في محاصيلهم بسبب الاعتداءات الإسرائيلية والمنخفضات الجوية، الأمر الذي يؤثر على قدرتهم الإنتاجية ويجعلهم بحاجة أكثر للتوفير في التكلفة.

** تدوير المخلفات الزراعية
ويقصد الأسطل المناطق الزراعية الواقعة داخل محافظة خانيونس لجمع المخلفات التي يلقيها المزارعين في نهاية كلّ قطف على مقربةٍ من أراضيهم.

وليست مخلفات الزراعة النباتية هي مصدر إنتاج السائل المغذي الوحيد لدى "أبو عبد الله"، فكلّ ما يخرج من مخلفات الحيوانات والمزارع التي تهتم بتربيتها يصلح لدخول معمله كذلك، كما يوضح.

ويذكر مراسل الأناضول أنّ فكرة تحويل المخلفات الزراعية إلى سماد وسائل، ليست وليدة اللحظة، بل تستخدم في عدد من الأماكن التي تتوافر فيها القدرات المالية اللازمة لإنجاز العملية.

ويبيّن أنّه يعمل بأقل الإمكانات وسط ظروف صحية صعبة، قد تعرضه للإصابة في أوقاتٍ كثيرة، بسبب عدم وجود أدوات السلامة المهنية لديه، ولاعتماده على إنجاز كثير من الأشغال يدوياً.

ويلفت أنّ ما يميز منتجه هو طبيعته المطلقة، حيث لا يحمل ضررا على صحة المواطنين من تلك الكيماوية التي يتم استيرادها من إسرائيل، لأجل استعمالها في عمليات الزراعة والإنبات.

وبحسب قوله، ففي كثير من الأوقات يعاني المزارعين من ندرة توافر تلك المغذيات المستوردة، بسبب ارتهان دخولها للقطاع بحركة المعابر التجارية التي تسيطر عليها إسرائيل.

وتحتاج الأسمدة والمغذيات المستوردة كذلك، لمبالغ عالية، لا يقدر المزارعين في قطاع غزّة المحاصر على تسديدها، بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها السكان منذ أكثر من 13 عام، الأمر الذي يؤثر بالضرورة على قدرتهم الشرائية، وفقاً لكلامه.

ويزيد "لو تمّ تبني فكرة المشروع من قبل الجهات المختصة، وتعميمها على المزارعين بصورةٍ واسعة، سيوفر عليهم ذلك كثيراً، وستقل التكلفة لديهم، وبالتالي ستنخفض أسعار المنتجات الزراعية بصورةٍ عامّة".

** عدّة أنواع
وفي تجربته الأولى استخرج الأسطل مخصب زراعي وسماد طبيعي، تمّ وضعه في خزانات بلاستيكية لاستكمال التخمير، وسيبقى كذلك حتّى انقضاء مدّة الشهرين اللازمة علمياً لإتمام التخمر، وبعدها سيخضع للفحص المخبري.

ويشير أنّه سيتم بعد ذلك توزيعه على مزارعي القطاع بشكلٍ مجاني؛ لاختبار جودته وفاعليته.

ولا يعمل الأسطل على إنتاج السماد الطبيعي بنوعٍ واحد فقط ضمن مشروعه، فاستخراج "الكمبوست" وهو سماد صناعي بلدي يحتاج لتواجد عوامل معينة لاستخراجه من المخلفات هو هدف لديه أيضا، كما يؤكّد.

جدير بالذكر أنّ التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة، تتكلم عن أنّ القطاع الذي تبلغ المساحة المزروعة فيه حوالي 17000 دونم، يستهلك سنوياً أكثر من 12 ألف طن من السوائل والمغذيات والمبيدات الزراعية، منها 30 بالمائة تقريبا أسمدة كيماوية، والباقي عبارة عن مستخرجات طبيعية مستوردة.

المصدر: غزة -محمد أبو دون -