حذر تيسير خالد ، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من خطورة ما يجري على الارض في المناطق المصنفة حسب الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي كمناطق ( ج ) بشكل عام وفي الاغوار الفلسطينية بشكل خاص ومن خطورة الاجراءات التي يقوم بها الجيش بتوجيهات من الوزير اليميني المتطرف نفتالي بينيت لدفع وتيرة الاستيطان والاستيلاء على اراض الفلسطينيين الى الحدود القصوى على ابواب الجولة الثالثة من الانتخابات المبكرة للكنيست الاسرائيلي .
وأشار خالد في حوار مع وسائل الاعلام الى الأخطار المترتبة على مشاريع الضم التي تخطط لها دولة اسرائيل واضحة تماما ، وهي تتردد على ألسنة المسؤولين في تل أبيب تارة تحت عنوان ضم الاغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت خطوة على طريق ضم الكتل الاستيطانية وما يسمى بالمستوطنات المعزولة الى دولة الاحتلال الاسرائيلي وفرض السيادة الاسرائيلية عليها كما يدعو لذلك في كل مناسبة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وتارة ثانية بنقل سجل اراضي المستوطنات ، التي أقامتها اسرائيل في مختلف محافظات الضفة الغربية من الادارة المدنية التي تعتبر الذراع المدني للجيش الى وزارة القضاء في اسرائيل وتارة ثالثة بوقف ما وصفه وزير الجيش نفتالي بينيت بالسيطرة الفلسطينية – الأوروبية على المنطقة المصنفة ( ج ) وتعهده منع البناء الفلسطيني فيها من خلال أربعة مستويات عسكرية واقتصادية وقضائية وإعلامية، وهدم البيوت فيها وفقا للمصلحة الإسرائيلية ، بقربها من شارع التفافي للمستوطنين أو بمحاذاة مستوطنة والحفاظ عليها باعتبارها مناطق نفوذ ومجال حيوي للمستوطنات والنشاطات الاستيطانية وتارة رابعة بتشكيل لجان خاصة للدراسة والشريع بما يتيح للمستوطنين تملك الاراضي في الضفة الغربية المحتلة عبر شركات خاصة او عبر القوانين المدنية السارية في دولة الاحتلال دون المرور على الادارة المدنية ، ما يعني تطبيق القوانين المدنية على الاراضي المصنفة وفق الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي كمناطق ( ج ) .
وردا على سؤال حول نشاطات اسرائيل الاستيطانية بعد صعود دونالد ترامب الى الرئاسة في الولايات المتحدة الاميركية أوضح خالد أن النشاط الاستيطاني قد تضاعف عدة مرات مع ادارة الرئيس ترامب ، حيث تظهر المعطيات حسب بيانات الامم المتحدة والبيانات الاسرائيلية كذلك بما فيها تلك التي توثقها منظمات اسرائيلية مناهضة للاستيطان مثل حركة “السلام الآن” أن انخفاضاً في حركة البناء الاستيطاني من حوالي 3066 وحدة سكنية العام 2016 إلى 1643 وحدة العام 2017 نتيجة تراجع مشاريع الاستيطان في العامين الأخيرين من فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في حين قفز هذا العدد بنحو 2.5 ضعفاً إلى 6800 وحدة في العام 2018 مقارنة مع العام 2016 ، أي أن هناك زيادة ضخمة في النشاط الاستيطاني ، حيث استحوذت مناقصات البناء على أكبر زيادة في هذا النشاط .
إن من يتابع تطور النشاط الاستيطاني يدرك أن هناك ارتفاعا مذهلا في عدد الوحدات الاستيطانية التي قدمت خطط لبنائها وتمت الموافقة عليها عام 2019 مقارنة بالعامين السابقين، ليصل عددها إلى 10 آلاف وحدة مقارنة بنحو 6800 في كل من السنتين السابقتين ، وبشكل عام فقد جرى التخطيط أو تمت المصادقة منذ العام 2016 على مشاريع أكثر من 22 ألف وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية، وصدرت مناقصات لإقامة 8 آلاف وحدة وبهذا يكون النشاط الاستيطاني قد قفز الى أعلى مستوى تسجله البيانات عن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية العام 2002 . هناك تناغم وتنسيق على مستوى المواقف والاجراءات العملية على الارض بين حكومة اسرائيل وبين الادارة الاميركية وهناك تغطية سياسية وديبلوماسية من الجانب الاميركي لسياسة اسرائيل الاستيطانية ، فهذه الادارة لا تتردد ان تعلن على لسان مسؤوليها ان الاستيطان لا يتعارض مع القانون الدولي الامر الذي يشجع اسرائيل على دفع وتيرة الاستيطان الى مستويات غير مسبوقة .
وفي إجابته عن السؤال بشأن الاستراتيجية الوطنية لمواجهة خطر الاستيطان الاسرائيلي أجاب تيسير خالد : للأسف الشديد لا توجد استراتيجية وطنية بالمعنى السياسي الشامل لمواجهة خطر الاستيطان وهو خطر داهم يهدد وحدة التراب الوطني مثلما يهدد الوجود الوطني الفلسطيني ، ما هو موجود لدى منظمة التحرير الفلسطينية او السلطة الوطنية هو سياسات تتعامل مع الاستيطان بردود فعل تنجح هنا وتفشل هناك ، فيما الاستيطان يتوسع ويتعمق وينتشر كالسرطان في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة . اعني بالسياسات معارك متقطعة في الميدان يقدم فيها المواطنون ما لديهم دفاعا عن الارض في مقاومة الاستيطان دون ان يلمسوا بأن المناطق المهددة بالاستيطان هي في السياسة الرسمية الفلسطينية مناطق تطوير من الدرجة الاولى من حيث المخصصات في الموازنات العامة لدعم الصمود وتطوير القطاع الزراعي وخلق فرص عمل للقوى الفلسطينية العاملة تغنيها عن التوجه للعمل في المستوطنات مثلا ، مخصصات الزراعة في الموازنات العامة للحكومات الفلسطينية المتعاقبة لا تتجاوز في احسن الاحوال واحد في المئة وهكذا هو الحال بالنسبة للوزارات والإدارات العامة المعنية مثلا بتطوير الخدمات والمخططات الهيكلية والبنى التحتية في الريف ، فيما تستحوذ النفقات الأمنية على نحو ثلث المخصصات في الموازنة العامة .
هذا وضع غير سليم ويحتاج الى تصويب حتى يصبح ممكنا البحث في استراتيجية وطنية لمواجهة خطر الاستيطان . وعلى المستوى السياسي المحلي فإن قيود اوسلو تشكل عقبة كأداء في طريق تطوير استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الاستيطان ، فاتفاقيات اوسلو جزأت الضفة الغربية الى مناطق على الطريقة التالية : هذه لك أي للسلطة الفلسطينية ( مناطق ا ) وهذه لي أي للادارة المدنية وهي الذراع المدني لسلطات وقوات الاحتلال ( مناطق ج ) وهذه لي ولك أي مناطق ( ب ) . هذا جعل مناطق ( ج ) وفي حدود معينة مناطق ( ب ) مجالات حيوية للنشاطات الاستيطانية . وفي ظل هكذا تقسيم للضفة الغربية يستحيل الحديث عن استراتيجية وطنية لمواجهة الاستيطان ، فشرط البحث في استراتيجية لمواجهة الاستيطان ينعقد إذا ما تحررنا من قيود اوسلو وتوجهنا بكل قوة نحو السيطرة على سجل الاراضي في الضفة الغربية وتحولنا الى سلطة قادرة على فرض قانون لتسوية الاراضي وتسجيلها باسم اصحابها وفي الوقت نفسه مد ولاية القضاء والمحاكم الفلسطينية على جميع المقيمين في اراضي دولة فلسطين تحت الاحتلال كما حددها قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 67/19 لعام 2012 واستعنا بالقضاء والمحاكم والعدالة الدولية وبالشرطة الدولية ( الانتربول ) من اجل جلب كل من بتعدى على الارض الفلسطينية الى العدالة الدولية . هذه معركة يستحق ان نخوضها بكل قوة وعزيمة لأنها من اركان استراتيجية وطنية لمواجهة الاستيطان .
انا لا اقلل هنا من أهمية المقاومة الشعبية السلمية للاستيطان التي تجري في اكثر من مكان في الضفة الغربية بما فيها القدس ، فهناك امثلة رائعة من الصمود في وجه جرافات الاحتلال وقطعان الاحتلال في بلعين ونعلين والمعصرة والنبي صالح والخان الاحمر ومسافر يطا وغيرها من مناطق جنوب الخليل وفي عزون وعزون عتمه وكفر قدوم وفي بورين وعوريف وعصيره القبلية وقريوت وجالود وقصره وجوريش واللبن الشرقية وغيرها كثير حيث يخوض المواطنون معاركهم ضد الاستيطان ويقدمون تضحيات تستحق التقدير والاحترام ، غير انها معارك متناثرة قد تربك الاحتلال ولكنها لا توقف عجلة مصادرة الاراضي ووقف زحف الاستيطان ، ما يوقف عجلة مصادرة الاراضي وزحف الاستيطان هو بناء جبهة مقاومة شعبية تعم الريف وتستلهم تجربة انتفاضة الحجارة عام 1987 من حيث اتساع نطاق المشاركة فيها وتستلهم انتفاضة البوابات في الحرم القدسي الشريف في تموز 2017 ، التي كانت تتطور نحو عصيان وطني في وجه اجراءات الاحتلال في القدس دفعته الى التراجع عن مخططاته .
وحول الاجراءات القانونية والسياسية على المستوى الدولي دعا خالد الى اشكال متعددة وواسعة على هذا الصعيد ... ففي مواجهة الاستيطان يجب طرق ابواب مجلس الأمن الدولي باستمرار واستثمار الانجاز العظيم ، الذي تحقق في مجلس الأمن نهاية العام 2016 بصدور القرار رقم 2334 ، يجب تذكير مجلس الامن باستمرار بمسؤولياته في دفع اسرائيل نحو احترام ذلك القرار وغيره من القرارات التي تجرم النشاطات الاستيطانية وتعتبرها غير شرعية وتدعو اسرائيل الى وقفها دون قيد او شرط حتى لو كلفنا ذلك استخدام الولايات المتحدة حق النقض في كل مرة نطرق فيها ابواب المجلس . تنفيذ القرار 2334 يجب ان يكون معركتنا لعزل اسرائيل ومعها الولايات المتحدة واظهارهما بمظهر القوى الغاشمة التي تعطل القانون الدولي والعدالة الدولية والشرعية الدولية . وإلى جانب مجلس الامن هناك أيضا الجمعية العامة للأمم المتحدة وأهمية طرق ابوابها تحت بند الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة في كل مرة تحاول فيها الادارة الاميركية تعطيل القانون الدولي والشرعية الدولية في مجلس الأمن ، هذا الى جانب المحكمة الجنائية الدولية ، التي يجب عليها ان تسارع الى حسم مسألة الولاية المكانية او القانونية للمحكمة وبدء النظر في جرائم الحرب التي ارتكبتها وما زالت اسرائيل تركبها في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران عام 1967 والتركيز في هذا على الجرائم ضد الانسانية المحددة في الفصل السابع لنظام روما الاساسي للمحكمة وخاصة جرائم نظام الابارتهايد والتمييز العنصري والتطهير العرقي وجرائم الحرب المحددة في المادة الثامنة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر الاستيطان جريمة حرب وجلب المسؤولين عن هذه الجرائم الى العدالة الدولية .
والى جانب هذا المستوى من التحرك في مجلس الامن وفي الجمعية العامة للامم المتحدة وفي المحكمة الجنائية الدولية هنالك ضرورة للتحرك على المستوى السياسي في علاقاتنا نحن والعرب ومع اصدقائنا كذلك مع مجموعات الدول ودعوتها لممارسة دورها في الضغط على حكومة اسرائيل لوقف جرائم الاستيطان واستخدام سياسة ولغة المصالح على هذا الصعيد بما في ذلك استخدام لغة وسياسة المقاطعة الاقتصادية وفي الحد الادنى تجريم وتحريم دخول منتجات المستوطنات الزراعية والصناعية وخدماتها الى اسواق دول العالم مع التركيز هنا على الدول او مجموعات الدول التي تربطها اتفاقيات تجارية او اتفاقيات شراكة مع اسرائيل كما هو حال الاتحاد الاوروبي . ان اتفاق الشراكة بين اسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي يشترط على اسرائيل احترام حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وحيث ان اسرائيل لا تحترم هذا الشرط يجب علينا طرق ابواب دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة ومنفردة ودعوتها في كل مناسبة الى استخدام علاقاتها ونفوذها لدفع اسرائيل نحو احترام شروط اتفاق الشراكة المشار اليه ناهيك عن مطالبة هذه الدول بضرورة استجابة حكوماتها لمواقف مجالسها البرلمانية التي دعتها في اكثر من مناسبة لمقاطعة صريحة وواضحة لمنتجات المستوطنات بدل سياسة وسم هذه المنتجات التي لا تجدي نفعا في الضغط على حكومة اسرائيل هذا الى جانب مطالبتها الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وفقا لقرار الجمعية العامة رقم 67/19 لعام 2012 لكبح جموح اسرائيل نحو تدمير ما يسمى بحل الدولتين .
وباختصار يمكن التأكيد أننا بحاجة فعلا الى استراتيجية وطنية لمواجهة خطر الاستيطان الاسرائيلي ، الذي ينتشر كالسرطان في جسد الفلسطينية ، اما عناصر هذه الاستراتيجية الغائبة حتى الآن فإنها تتطلب وقف التدهور في العلاقات الوطنية الفسطينية والدخول في حوار وطني شامل للاتفاق على خارطة طريق وطنية تنقذ ما تبقى من الارض في الحد الأدني وتوقف زحف الاستيطان ومشاريع الضم وتحدد متطلبات فك الارتباط بدولة الاحتلال الاسرائيلي والتحرر من قيود الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين بدءا اتفاقيات اوسلو وانتهاء باتفاق باريس الاقتصادي ومتطلبات تدويل الحقوق والقضية الوطنية الفلسطينية وخوض معاركها في جميع المحافل الدولية المعنية .