في فهم العلاقة بين أمريكا وإيران ..

بقلم: اماني القرم

أماني القرم

حتى نستطيع فهم منحنى سير الاحداث بين واشنطن وطهران منذ مقتل المسؤول العسكري والأمني الأقوى في ايران والعراق وسوريا ولبنان قاسم سليماني، يجب أن نقرأ برويّة منطلقات العلاقة بين الطرفين ونضع في الحسبان أنه على الرغم من كون إيران دولة اقليمية كبرى إلا أن تضخيم خطرها وقوتها العسكرية وحرية حركتها شرقاً وغرباً ليس معناه دائماً الحقيقة . فيما الولايات المتحدة دولة عظمى بمعايير عالمية اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، وعليه هناك حدود وقيود للأولى تضعها الثانية.

تتجه استراتيجية النظام الايراني منذ وجد (أيًّا كان شكله )  إلى شيء واحد هو تأمين استقرار الخليج من خلال نظام اقليمي تقوم فيه إيران بدور القائد المهيمن الطارد لأي قوى أخرى من خارج المنطقة. وهذا مردّه عقيدة في الوجدان الايراني وإيمان بعظمة الدولة الفارسية وقدرتها التاريخية والجغرافية وبأنها الدولة المثلى لقيادة الاقليم. وقد ترسخت هذه العقيدة بفضل التحولات في المنطقة، ليس فقط منذ عام 2011 وإنما منذ سقوط صدام حسين 2003 الذي كان يعد حائط الصد للتغول الايراني . ارتبطت العقيدة الايرانية بميزتين تتفرد بهما عن باقي دول المنطقة: الأولى نمط سلوكي تاريخي يميل للتوسع واقتناص الفرص والبحث عن مكامن الضعف في الدول المجاورة لتملأ الفراغ. والثانية: حينما تتحرك إيران تقيس الأمور في الميزان من حيث  طبيعة القوى في الاقليم ومزاجها ، حجم الثمن ومقدار المنافع .

 ولهذا رغم الصوت العالي والشعارات الضخمة ، فمعظم السياسات الايرانية ذات نهج براغماتي وواقعي، مما يعني شدة الحذر في الأزمات والأوقات الحاسمة . أيضاً أهدافها الثورية تجعلها تبدو وكأنها على خلاف دائم مع الولايات المتحدة والغرب ، إلا أنه من الصعب أن تجدها تندفع بتحركات لا عقلانية تضطرها الى خسارة مضاعفة ! وإنما تتحرك في المساحة المفتوحة أمامها وتتراجع تكتيكياً حين الشعور بقرب زيادة الخسائر.

في المقابل، ترى الولايات المتحدة ،منذ الثورة الخمينية 1979 ، في النظام الايراني تهديداً مباشراً ومستمراً لمصالحها في المنطقة ولحلفائها . لأن خطورة ايران لا تقتصر فقط على ثنائية العلاقة بين الطرفين، بل للتداعيات الاقليمية والدولية التي يمكن ان تأخذ معها المنطقة بأسرها الى ما لا يحمد عقباه.

ولهذا فالإدارات الامريكية على اختلاف نهجها، ستستمر في التعامل مع ايران في محيط  ثلاثة أهداف واضحة ومتشابكة :

الأول: منع إيران من أن تصبح دولة نووية:  حيث تعمل  الولايات المتحدة بمختلف الوسائل كالعقوبات والعزل السياسي والدبلوماسي للحد من قدرات ايران في تطوير أي تكنولوجيا نووية حتى ولو كانت سلمية كما تدعي ايران . لأن هذا الامر سيعزز من قدرة الدولة الايرانية ويزيد من نفوذها وتحقيق هيمنتها ويمكن أن يقود المنطقة الى سباق نووي .

أما الثاني فهو حماية الحلفاء الخليجيين واسرائيل . فالنظام الايراني في شكله الحالي بمثابة تهديد مستمر للدول المجاورة له، حيث تزداد خطورته بفعل ارتفاع مستوى سياساته الاستفزازية وتدخلاته، هذا من ناحية.  أيضاً بفعل مستوى التقارب والتهديد بين طهران وواشنطن من ناحية اخرى . فكلا الامرين ( التقارب والتهديد) سيّان للدول المجاورة لأن مستوى التقارب معناه التخلي عن الحلفاء المنافسين ، وزيادة التهديد معناه تعرضهم لضربات انتقامية من ايران .

والثالث: تأمين مضيق هرمز وتدفق النفط . ولأن ايران ،كما سبق القول، تحاول الحفاظ على ما تبقى من مكتسباتها وتقرأ حسابات الربح والخسارة بتمعن فإنها تعلم أن اغلاق المضيق هو خطوة جنونية سيجعل العالم يتحد ضدها ويعرضها لفتح كل الملفات  وفقدان كل المكتسبات .

من تلك الحدود أو القيود يمكن فهم أين سيصل مستوى الاحداث بين الولايات المتحدة وايران في الفترة المقبلة. مع ملاحظة ان الحظ كان له دور في الاحداث فبعد ان كانت ايران تحاول جني مكاسب خسارتها لسليماني،  أصبحت في مرمى الاتهام والانتقام عالميا بعد اسقاط الطائرة الأوكرانية وسقوط مصداقية طهران معها!

 

بقلم د. اماني القرم

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت