أميركا ـ إيران.. هل انتهى التصعيد الأخير؟

بقلم: فؤاد محجوب

ايران

رجّح كثير من الخبراء والمحللين انتهاء موجة التصعيد الأخيرة بين واشنطن وطهران، بعد القصف الإيراني الموجع لقاعدتي «عين الأسد» و«أربيل» الأميركيتين، والذي لم يُلحق خسائر في صفوف القوات الأميركية، التي بدا أنّها احتاطت له، بعد أن أُبلغ به رئيس الوزراء العراقي مسبقاً.

وقد «غرّد» وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على إثره قائلاً؛ «ذلك هو ردّ إيران، وقد انتهينا». ليجيء «سيناريو» الردّ على نحو معاكس للضجة الإعلامية الكبيرة التي أثيرت عقب اغتيال الجنرال قاسم سليماني، غربياً وإقليمياً؛ سواءً تلك المهوّلة منها لقيمة وأهمية الضربة الأميركية، والمبالغة تالياً، في آثارها وتداعياتها المحتملة على المنطقة، (التي ستؤدي إلى «زلزلتها»، كما قال كثيرون، وذهب بعضهم حدّ الحديث عن «حرب عالمية أو إقليمية جديدة»!)، أو تلك المقلّلة جداً من أهمية ما جرى، والمروّجة خصوصاً لـ«عجز إيران عن الاتيان بأي ردّ عليه»!.

وحول عدم وقوع خسائر بشرية جرّاء الهجوم الذي شنته طهران، ذكرت وكالة «رويتر»، نقلاً عن ضابطين عراقيين، إنه قبل ثماني ساعات تقريباً من الهجوم (8/1)، «سارع الجنود الأميركيون والعراقيون في قاعدة عين الأسد لنقل الأفراد والسلاح إلى مخابئ حصينة»، على نحو بدوا فيه وكأنهم «على دراية بأن القاعدة ستتعرض لهجوم». وعندما سقطت الصواريخ، فإنها «أصابت مواقع كان قد تم إخلاؤها، ولم يسقط جرّاءها أي قتيل أو مصاب».

ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، لاحقاً، عن قائد في «الحرس الثوري» قوله: «لم نكن ننوي القتل. كنا ننوي إصابة الآلة العسكرية للعدو». كما أعلن قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، أنّ الهدف من الضربات «لم يكن قتل جنود العدو»، بل «أن نظهر أننا قادرون على ضرب أي هدف نختاره».

لا للحرب الشاملة

وخلص محللون إلى أنّ الجانبين؛ لم يكن لديهما الرغبة أو النيّة في التصعيد أكثر، والانجرار إلى حرب مباشرة شاملة بينهما، (ولكلٍّ منهما أسبابه الخاصة لذلك). فـ«العقل البراغماتي» في طهران، وعلى رغم تضرره الكبير من سياسة الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على البلاد، يدرك جيداً، حسب قول المهتمين، أنّ ميزان القوى العسكري لا يفسح في المجال أمام مزيد من التصعيد، والمجازفة باحتمال الانزلاق إلى حرب شاملة مع الولايات المتحدة، وعليه، فقد انتصر القرار الإيراني لهذا «العقل» على حساب خطاب «التحشيد التعبوي الأيديولوجي»، واكتفى بردّ محدود في الساحة العراقية، لا يجرُّ إلى مواجهة أكبر مع «الشيطان الأكبر»!.

وعلى المقلب الآخر، فإن إدارة ترامب لم تكن تريد هي الأخرى توسيع رقعة المواجهة، والقطع نهائياً مع «سياسة الاحتواء» التي لطالما انتهجتها الإدارات الأميركية السابقة مع طهران، وخاصة في ظل الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة نهاية العام الجاري، على مستوى الرئاسة والكونغرس الأميركيين. أما قرار اغتيال سليماني، فتعتبره الإدارة «حدثاً عابراً» له علاقة بالرئيس دونالد ترامب وأجندته الانتخابية، أكثر منه قراراً يراد منه تغيير «قواعد اللعبة» تماماً مع طهران.

إسقاط الطائرة الأوكرانية

وقد جاء حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية، «الخطأ الكارثي»، حسب وصف الرئيس حسن روحاني، الذي أودى بحياة 176 شخصاً، واعترفت طهران بعد تردّد بمسؤوليتها عنه، ليكرّس القرار الإيراني بتجنّب مزيد من التصعيد مع واشنطن، وخصوصاً في ظلّ حالة من الغضب في البلاد من التأخر في الإقرار بالمسؤولية عن الحادث، تمثلّت في انتقادات واحتجاجات داخلية، اعترفت بها ونشرتها وسائل إعلام رسمية، أو مرخصة.

وكانت طهران حاولت في البداية التملص من مسؤولية إسقاط الطائرة، والحديث عن وجود «مؤامرة خارجية (أميركية إسرائيلية) لتوريطها في الحادث وحرف الأنظار عن مقتل سليماني»، لكن هذا التأخير في الاعتراف جلب نتائج عكسية لها، بعدما توفرت «أدلة لدى أوكرانيا ودول أخرى، كان بعض مواطنيها ضحايا في الطائرة، تثبت مسؤولية إيران عن الحادث»، ما حوّل وجهة «المعركة الإعلامية» إلى دفة أخرى، تعتبر أن «طهران لم تراعِ القانون الدولي الذي يأمر بإغلاق المطارات، وإعلام الجهات المعنية لحظة الهجمات الحربية».

وطالبت صحف إيرانية معتدلة بـ«إقالة الذين أخروا نشر السبب وراء تحطم الطائرة، وأضروا بثقة الناس في المؤسسة الحاكمة، أو أن يستقيلوا». كما دعا مهدي كروبي، أحد زعماء «الحركة الخضراء» المعارضة، الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي إلى التنحي بسبب إسقاط الطائرة الأوكرانية.

وأقرت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية شبه الرسمية، بحدوث اضطرابات مناهضة للحكومة، وأنّ المحتجين رددوا شعارات ضد السلطات، بل ومزقوا أيضاً صوراً لقاسم سليماني!. كما أقر رئيس حزب اتحاد الشعب الإيراني علي شكوري زاد (13/1)، بتوسّع ما وصفه بـ«الصدع بين الشعب والدولة»، في وقت سعت فيه السلطات إلى إخطار الشرطة بتجنب قمع المتظاهرين، على عكس الاحتجاجات السابقة التي جوبهت بـ«عصا غليظة».

ووسط ضغوط دولية وداخلية، ذكرت مصادر إعلامية مقربة من طهران أنّ الأخيرة طلبت من الحركات والجماعات المسلحة الموالية لها في العراق، بـ«وقف جميع أنشطتها ضد مصالح الولايات المتحدة في العراق»، مع التركيز على هدف «إخراج القوات الأميركية منه». ورأى مراقبون أن مثل هذا القرار قد يساعد على تكريس مسار التهدئة بين إيران والولايات المتحدة، وسط معلومات وتقارير تفيد عن استعداد إدارة البيت الأبيض لـ«التفاوض مع طهران وبأنها لا تريد هي الأخرى حرباً شاملة ضدها».

تراكم التحديات

وهكذا زادت هجمات الصحف المحلية والاحتجاجات من «التحديات الماثلة أمام المؤسسة الحاكمة» في طهران، وجعلها تنشغل بمشاكلها الداخلية مرة أخرى، علماً أنها كانت واجهت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أسوأ اضطرابات شهدتها البلاد منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.

ومن أهم التحديات الملحّة التي تبرز الآن أمام قادة طهران؛ مصير الاتفاق النووي، وتطور الوضع الداخلي لجهة الركود الحاد في الاقتصاد، والخشية من تجدد الاحتجاجات المعارضة. فبعد يومين على اغتيال سليماني (5/1/)، قررّت طهران اعتماد الخطوة الخامسة والأخيرة لتقليص وخفض التزاماتها المتعلقة بالاتفاق النووي، بما فيها «إزالة البند الرئيسي والأخير من القيود التشغيلية المتعلقة بالاتفاق النووي، أي القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي»، بما يشمل «القدرة على التخصيب، ونسبته، وكمية المواد المخصبة، والبحث والتطوير».

الإقدام على هذه الخطوة، وفي هذا الظرف بالذات، قد يعني «إغلاق نافذة الأمل الأخيرة المتعلقة بالأوروبيين لإحياء الاتفاق النووي»، كما قال معلقون غربيون، وهو ما يمكن أن يُحرج دولاً (مثل فرنسا)، كانت مراهنة على دورها كوسيط في الأزمة، كما يمكن أن تدفع ببريطانيا بوريس جونسون للاقتراب أكثر من إدارة ترامب، كما أضاف المعلقون أنفسهم.

الوساطة القطرية

وهنا جاءت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران (12/1)، بوصفه أحد المرشحين للعب دور «وسيط مع الغرب»، ربما للتهدئة السياسية في العراق والمنطقة، أو لـ«إنهاء مأزق إسقاط الطائرة الأوكرانية»، على الأقل.

وكشفت مصادر دبلوماسية غربية أن الرئيس روحاني طالب الشيخ تميم بتوسط قطر مع الدول الغربية لإيقاف الحملة المتصاعدة، ومساعدة إيران على دفع التعويضات عن إسقاط الطائرة الأوكرانية، كـ«نوع من رد الجميل لطهران على موقفها المساند لقطر في أزمتها مع دول المقاطعة الأربعة ضدها».

فؤاد محجوب

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت