حين رن جرس الإنذار

علي بدوان

في مثل هذا اليوم من العام 2007، وتحديداً بتاريخ 19/1/2007، وفي المشفى العسكري الأول التابع لجيش الشعب الصيني في مدينة تيانجين، رنَّ جرس الإنذار الموجود في جيبي وأنا في ردهات المشفى، فكان عليَّ أن أستعد فوراً، نفسياً، وجسدياً، فالعمل الجراحي سيبدأ.

جرس الإنذار، ورنينه، تلك هي اللحظات الحاسمة، التي دَقّت والتي كُنت أنتظرها، محاولاً التغلب من مخاوف ورهبة المشهد الآتي، وتفاصيله التي كُنت أتخيلها، وأرسم السيناريو الخاص بها ...

رنَّ جرس الإنذار في جيبي، حيث نداء الحياة والولادة الجديدة، يتغلّب على المرض، ورحمة الرحمان تغمرني ... فحاولت على الفور التقاط أنفاسي، وشَحذِ ارادتي، وإبطال مفاعيل أيِ رهبةٍ أو خوف ...

مجموعة من الممرضات الصينيات، استنفروا في المشفى، وهرعوا باتجاهي ... وبدؤا العمل فوراً ... في التهيئة للعملية الجراحية المُعقّدة ... تهيئتي شخصياً ...

دخلت إلى غرفة العمليات الساعة الخامسة مساءاً في اليوم ذاته 19/1/2007. وكل ما أذكره في طريقي لغرفة العمليات، خضوعي أولاً لتعقيم جديد داخل صالون طويل، حيث كان يتساقط رذاذ التعقيم على جسمي وعلى العربة لفترة زمنية جيدة، وبعدها سارت العربة في رواق أخر جرت فيه أيضاً عملية تعقيم بطريقة ثانية للعربة أثناء سيرها البطىء في الرواق، إلا أن وصلت إلى غرفة العمليات المفترضة وأنا والعربة وكل ماحولي ومعي في حال تعقيم فائقة، وحينها جرى نقلي إلى طاولة العمل الجراحي بطريقة دقيقة، لأصبح في وضعية الاستلقاء على الظهر، تبعها إجراء عملية ربط اليدين بقوة بعد فردهما، كذلك الرجلين إلى طاولة العمليات بواسطة أحزمة رابطة.

في هذه الأثناء وكل ما أذكره، أن أصوات الموسيقى الناعمة كانت تمليء غرفة العمليات، بل وطلب من طبيب التخدير أن اختار أي لون موسيقي أريده، وبدأ يحادثني ويلاطفني ومعه مجموعة من الممرضات بطريقة إنسانية وودية، بينما كان فريق العمل المتكامل يجري لي عملية تخدير، وبعدها فقدت الوعي وأصبحت في عالم أخر.

انتهت تلك العملية الجراحية، التي كانت أشبه برحلة الى المريخ، وعدت بعد شهر تقريباً لدمشق، وعدت لنشاطي وعملي المعتاد حتى الان بحمد الله.

ليس هنالك في قواميس اللغات كلمات تستطيع أن تُعبّر عن الشكر والإمتنان للمنسق العام لمشفى تيانجين (مومينغ) فهو نعم الإنسان، احتضنني منذ أن تعرّفت عليه ومعه أطباء المشفى خصوصاً البروفسور جيو، والبروفسور زيانغ تشن، والبروفسور مامي وفريق الأطباء الاختصاصيين ( جيو جي جين، جان جيم، ثيو، صوي، هيو، بان، شنكوفي ….) وغيرهما، ولم أكن اشعر قط أنني في حضرة ورعاية أطباء مهرة ومخلصين، بل في رعاية ملائكة انزلت إلي من السماء. هكذا كان شعوري تجاه هؤلاء البشر الاستثنائيين، وهكذا يشعر بقية المرضى الذين التقيتهم والذين كانوا يتلقون علاجهم. وعليه، أريد أن أقول أنني كنت أرى مشاعر الحب الصادق في عيون الأطباء والممرضات في مشفى تيانجين مجبولة بالأمل، فقد ساهموا في إنقاذ حياة إنسان أحبوه واحتضنوه وقدموا له أجمل هدية للحياة.

(ملاحظة : التفاصيل موجودة في كتابنا القادم : سيرة ذاتية)

في ساحة تيان ان امين

 

مع البروفسور جيو


 

(الصورة بعد العملية الجراحية باسبوعين مع البروفيسور جيو جي جين)

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت