(1)
■ منذ أن تم الإعلان عن «صفقة القرن» (صفقة ترامب –نتنياهو) لم يعد الاستيطان مجرد عملية توسيع في البناء، في هذه المستوطنة أو تلك، ولم يعد يقتصر على بناء مئات أو آلاف من الشقق الاستيطانية سنوياً.
منذ أن تم الإعلان عن «صفقة القرن» لم تعد قواعد الاشتباك (وقواعد اللعبة) هي نفسها.
لم تعد قضية الاستيطان مجرد ملف سيطرح على جدول أعمال مفاوضات الحل الدائم. فقد تجاوزت «الصفقة» هذا الأمر وأعلنت أن المستوطنات باتت أمراً واقعاً، ولا مجال للتفاوض حولها. هي أمر واقع يجب الاعتراف بوجوده، وبناء العلاقات على أساسه.
لم تعد مسألة الحدود تقوم على «تبادل محدود» للأراضي بين الطرفين. فهذه مسألة تجاوزتها «صفقة القرن» وصارت الحدود حيث يزرع نتناهو، وبينيت، ومن سيخلفهما لاحقاً، حجر الأساس لمستوطنات جديدة، ولشق طرق التفافية خاصة بالمستوطنين دون غيرهم.
لم يعد الاستيطان جريمة حرب ترتكبها سلطات الاحتلال، بل تحول، بقرار أميركي، إلى عمل مشروع، «فنحن (كما يقول نتنياهو) نبني على أرضنا، نبني بلدنا». لن تعد الضفة الفلسطينية أرضاً محتلة، (يقول سفير الولايات المتحدة في إسرائيل) بل هي أرض حررها الجيش الإسرائيلية من «الحكم الأردني» عام 67، واسترد بذلك الشعب اليهودي أرضه بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة عملاً بالإرادة الإلهية كما وردت في التوراة.
منذ «صفقة القرن» لم تعد القدس مدينة محتلة، فقد اعترف بها ترامب عاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، ومازالت إدارته تضغط على الدول الأخرى لتحذو حذوها لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والمجتمع الدولي.
منذ «صفقة القرن» انتقلت خطط الاحتلال من مرحلة «توسيع الاستيطان» إلى مرحلة «ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل»، عشية الإعلان عن الشق السياسي «لصفقة القرن»، ولسان حال أقطاب اليمين الحاكم في إسرائيل يقول «حتى لا نفوت الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر»...
• إدارة أميركية أكثر يمينية من اليمن الإسرائيلي.
• أوضاع إقليمية ودولية «مؤاتيه».
• علاقات متنامية بين بعض الأنظمة العربية، ودولة الاحتلال.
• معادلات جديدة لأسس العلاقات الإقليمية، وتبرئة إسرائيل من كونها الخطر الرئيس على مصالح المنطقة.
• انقسام فلسطيني مدمر، فشلت كل محاولات إنهائه.
• استراتيجية فلسطينية رسمية تقوم على الرهانات الفاشلة، مازالت تنتظر استئناف المفاوضات باعتبارها الخيار الوحيد للحل
(2)
بالأرقام، استناداً إلى العديد من المصادر والأبحاث والتقارير، وفي مقدمها التقارير الدورية للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، الذي يشرف عليه تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وتدير شؤونه اليومية الزميلة مديحة الأعرج، يمكن قراءة واقع الاستيطان على الصورة التالية:
• يسيطر الاحتلال عملياً على أكثر من 50% من مساحة الضفة الفلسطينية، منها 11.6% مناطق استيطانية (9.3% مستوطنات ومحيطها، وشبكة طرق على مساحة 2.3%) يقع بعضها داخل جدار الفصل العنصري، يتلوى في عمق الضفة ضاماً معه أكثر من 65 مستوطنة، وحوالي 20% مناطق عسكرية مغلقة، تتوزع فيها 94 قاعدة عسكرية، وحوالي 20% محميات طبيعية «وأراضي دولة» لا يسمح للفلسطينيين بالبناء فيها.
• قسم الاستيطان والطرق الالتفافية الضفة إلى ثلاثة كانتونات رئيسية، الأول في شمال الضفة ويضم مدن نابلس وجنين وطولكرم وطوباس ويرتبط بطريق مع مدينة رام الله والثاني شرقاً ويضم مدينة أريحا. والثالث جنوباً ويضم مدن ومحافظات الخليل وبيت لحم.
• فصلت المستوطنات والطرق الالتفافية بين هذه الكانتونات نفسها وبين امتداداتها الجغرافية في المنطقة «ج»، وأوجدت ما يزيد على 60 معزلاً يتحكم بها الجيش الإسرائيلية بأكثر من 100 نقطة تفتيش ومعبر ثابت.
• أما مدينة القدس فقد بلغ عدد المستوطنين فيها مع نهاية العام حوالي 228 ألف مستوطن، يتوزعون على 15 مستوطنة، تلحق بها منطقة صناعية واحدة، ولم يبق للمقدسيين سوى 13% للبناء والإعمار بعد أن سيطر الاحتلال على 87% من مساحة القدس؛ 35% منها تمت مصادرتها بحجة «المصلحة العامة» للاستيطان وملحقاته، 52% تحولت إلى «مناطق خضراء ومحميات طبيعية، ومناطق أثرية».
• وعلى الصعيد الديموغرافي تخطط بلدية القدس التابعة للاحتلال لإخراج حوالي 125 ألف فلسطيني مقدسي خارج حدود مدينة القدس، بعد أن فصل الجدار العازل بين الامتداد الطبيعي مع مدينة القدس، وبين مخيم شعفاط وعناتا، وقرى كفر عقب، ومخيم بير نبالا، الرام، الجيب، الضاحية، الزعيم، حزما، العيزرية، أبو ديس، السواحرة، الشيخ سعيد.
• يكمن السلوك الإسرائيلي تجاه المقدسيين ديموغرافياً في تقليص عدد العرب إلى 12% من مجمل عدد سكان القدس الشرقية والغربية، مع أن المقدسيين يشكلون حالياً حوالي 23% من مجمل عدد السكان اليهود والعرب في القدس بشطريها، تمارس أدوات الاحتلال التعليمية والصحية والثقافية عليهم دورها في محاولات تغيير ثقافتهم وانتماءهم، فقد وصل عدد الطلاب الفلسطينيين الملتحقين بالمدارس الإسرائيلية حوالي 53%، بينما يلتحق الباقي بالمدارس الحكومية والخاصة الفلسطينية.
• تواصل مخطط طمس الطابع الإسلامي لمدينة القدس، وأسرلة كل مرفق وشارع وحي، والإسراع في مخطط الفصل الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، فقد تجسدت معالم التهويد في شبكة الأنفاق والكنس التي تشبه المدينة تحت المسجد الأقصى في البلدة القديمة، فعلى سبيل المثال يخترق 57 نفقاً المسجد الأقصى من الأسفل، و5 أنفاق تحت سلوان، و8 أنفاق في مناطق متفرقة من مدينة القدس، وهناك آلاف المدافن والقبور الوهمية لليهود شرقي المسجد الأقصى، وتحديداً في المنطقة الواقعة في بلدة سلوان وجبل زيتون، ومخطط الحدائق التوراتية السبع التي تحيط بالأقصى، والتي ستغير المظهر الإسلامي التاريخي لمناطق المحيطة بالمسجد الأقصى.
• وصل عدد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى مع نهاية العام أكثر من 20 ألف مستوطن، ويزداد مع كل عام عدد المستوطنين المقتحمين ومدة مكوثهم في الحرم، مع محاولات أداء بعض الطقوس التوراتية، ويهدف اليمين الصهيوني بهذه الإجراءات إلى فرض التقسيم الزماني والمكاني المسجد الأقصى على غرار تقسيم المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل
)3)
لم يكن الاستيطان، وفي السياق، الضم، خطوات مفاجئة، يتم اتخاذها خلف الجدران، في دولة الاحتلال، بل كان سياسة علنية، تستند إلى استراتيجية واضحة المعالم، لا تحتاج إلى نقاش للإثبات أن دولة الاحتلال لم تعد تبالي، لا بالاتفاقات الموقعة معها، ولا بما يسمى «مفاوضات الحل الدائم»، ولا بقرارات الشرعية الدولية. وأن الاستيطان والضم، لا يقتصر على الأطراف اليمينية في دولة الاحتلال، بل بات يشكل سياسة تدعمها المؤسسات التشريعية وتحيلها إلى المؤسسات التنفيذية.
• ففي 28/2/2018، وبعد أن اعتراف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل (6/12/2017).
صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون «القدس الموحدة»، والذي يحظر نقل أجزاء من القدس المحتلة بأي تسوية مستقبلية إلا بموافقة 80 عضواً بالكنيست، وذلك من أصل 120 عضواً.
حاز القانون، على دعم 64 نائباً وعارضه 51 ويهدف إلى إخراج مخيم شعفاط وبلدة كفر عقب، الواقعين خلف جدار الفصل، من منطقة نفوذ بلدية القدس، وإقامة مجلس إقليمي خاص بهما، ومن شأن هذه الخطوة إحداث تغيير ديمغرافي كبير في القدس، وتقليص عدد سكانها الفلسطينيين.
وكتب وزير التعليم الإسرائيلي (آنذاك) نفتالي بينت بعد إقرار القانون الجديد «لقد ضمنا وحدة القدس. سيبقى جبل الزيتون والبلدة القديمة ومدينة داود (حي سلوان الفلسطيني) للأبد ملكنا».
• في 13/6/2019 وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) برئاسة نتنياهو على بناء «آلاف الوحدات» الاستيطانية في المنطقة المسماة (ج) (حسب تقسيمات اتفاق أوسلو) في الضفة الفلسطينية، خاصة بالمستوطنين.
• وصف موقع «وإلا» الإسرائيلي القرار على أنه مجرد «خطوة أولى على طريق ضم المنطقة (ج) إلى إسرائيل في المستقبل». أما وزير النقل الإسرائيلي سيموتريش فقد قال «إن هذه الخطوة تهدف إلى إحباط البناء الفلسطيني أو أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية».
• في اليوم نفسه، وفي مناورة مفضوحة، وافق الكابينيت على إنشاء 700 وحدة سكنية للفلسطينيين في المنطقة (ج). وصف المراقبون هذه الخطوة أنها تهدف لقطع الطريق على السلطة الفلسطينية للاستثمار في المنطقة (ج)، وفق لقرار إلى اتخذته حكومة اشتيه. وأضاف تقرير إن هذه الخطوة تهدف إلى استبعاد السلطة الفلسطينية عن المنطقة (ج) وإلى فرض سيطرة إسرائيلية على هذه المناطق، وإن إسرائيل هي وحدها من سيقرر عدد وأين ومن سيعيشون في هذه الوحدات السكنية وليست السلطة الفلسطينية أو السكان الفلسطينيين»، ما يؤكد، وفقاً لموقع «وإلا» الإسرائيلي، أن خداع نتنياهو مكشوف وإن خطوته تندرج في إطار الضم التدريجي للمنطقة (ج) التي كان يفترض أن يكون مصيرها موضوعاً تفاوضياً بين الجانيين الفلسطيني والإسرائيلي، في «مفاوضات الحل الدائم» بموجب اتفاق أوسلو.
• في اجتماع عقد يوم 15/9/2019 في إحدى المستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن، في خطوة أراد منها رئيس الحكومة إرسال أكثر من رسالة حول «يهودية المنطقة»، صادقت حكومة الاحتلال على «منح الشرعية» و«القانونية» للبؤرة الاستيطانية العشوائية المسماة «مافؤوت يريحو» (مشارف أريحا) الواقعة جنوب غور الأردن، شمال مدينة أريحا.
وصف نتنياهو القرار إنه مقدمة لقرارات لاحقة سيكون هدفها ضم منطقتي شمال البحر الميت وكل غور الأردن، كذلك أراضي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لإسرائيل. ووصف نتنياهو، غور الأردن في معرض تبرير قرار الضم بأنه «الجدار الحامي لإسرائيلي من الجهة الشرقية»، دون أن يوضح ما هو الخطر الذي تمثله الجبهة الشرقية. وأضاف «أن فرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات في الضفة الغربية وأراضي أخرى، ضروري لأمننا وتراثنا»، ويشمل عدداً من المواقع التي تعدها إسرائيل (أماكن مقدسة لليهود) وستطرح في «صفقة القرن» التي ستعرض لاحقاً.
• في السياق نفسه قام مستشارون قانونيون في وزارة جيش الاحتلال ببلورة «رأي قانوني» يسمح للمستوطنين بشراء وتملك أراضي في الضفة الفلسطينية بشكل فردي، وليس عبر شركات كما كان يتم سابقاً. «هآرتس» نقلت تعليقاً لمصدر مطلع على المعاملات العقارية في الضفة الغربية، قائلاً «إنه مقترح ينتظره المستوطنون منذ سنوات».
ووفقاً للقانون العمول به في الضفة الفلسطينية يسمح فقط للأردنيين والفلسطينيين أو «الأجانب من أصل عربي» شراء وتملك الأراضي في الضفة . ولا يسمح لليهود، ولا للإسرائيليين بتنفيذ صفقات عقارية وإبرام صفقات في الضفة بشكل فردي، بل من خلال شركات وموافقة «رئيس الإدارة المدنية».
المقترح «القانوني» الجديد، يلغي هذا القانون ويفتح الباب للتملك الشخصي للمستوطنين لعقارات في أنحاء الضفة الفلسطينية، عن طريق الضم تحت مسميات «قانونية» يفبركها الاحتلال لصالح مشاريعه الاستعمارية.
(4)
الإدارة الأميركية كانت بلا شك شريكاً في تغطية سياسات الضم الإسرائيلية. مثال ذلك موقف وزير الخارجية مايك بومبيو، وسفير بلاده في إسرائيل ديفيد فريدمان.
يوم الاثنين في 18/11/2019، اعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده لم تعد تعتبر المستوطنات في الأرض الفلسطينية غير شرعية. وادعى بومبيو أنه «بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني للقضية خلصت الولايات المتحدة إلى إن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي (!) ولم ينجح اعتبار إقامة المستوطنات الإسرائيلية أمراً يتعارض مع القانون الدولي، ولم يقدم تقدماً على مسار قضية السلام».
وكانت السياسة الأميركية تعتمد، نظرياً على الأقل، على رأي قانوني صادر عن وزارة الخارجية في عام 1978 يعتبر إن إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية يتعارض مع القانون الدولي.
ويعتبر ميثاق جنيف الرابع، حول قوانين الحرب، إقامة المستوطنات مناقضا لكل المبادئ الدولية.
وعادة ما تستخدم الولايات المتحدة حق النقض لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن ضد إسرائيل، لكن الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما أثار في الأسابيع الأخيرة من ولايته غضب نتنياهو بالسماح بصدور قرار مجلس الأمن الرقم 2334 الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية «انتهاكا صارخاً» للقانون الدولي.
وقال بومبيو إن إدارة ترامب التي تدعم قاعدتها المسيحية الإنجيلية بشراسة إسرائيل، «ترفض المقاربة التي اعتمدها إدارة أوباما».
لكن إسرائيل تواصل بناء الوحدات الاستيطانية. وتقول منظمة «السلام الآن» إن إسرائيل وافقت منذ بداية هذا العام وحتى شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2019 على بناء 8337 وحدة استيطانية، أي بزيادة نسبتها 50 بالمئة عن العام الماضي.
أما بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة دولة الاحتلال فقد رحب بتصريحات بومبيو وقال: إن الموقف الأميركي يصحح خطأ تاريخياً (حسب تعبيره) بحق 600 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسط نحو مليونين وتسعمائة ألف فلسطيني. وتابع، مدعياً «أن هذه السياسة تعكس حقيقة تاريخية بأن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا والسامرة، في الواقع نحن ندعى يهوداً لأننا شعب يهودا». (مستخدماً التسمية التي تطلقها إسرائيل على الضفة الفلسطينية).
أما سفير الولايات المتحدة، ديفيد فريدمان فقد أدلى، في الاتجاه نفسه بتصريحات أشد وضوحاً وانحيازاً للجانب الإسرائيلي، حتى أنه استعان بتعابير وعبارات صهيونية وتوراتية في الحديث عن الأرض الفلسطينية المحتلة وفي وصفها.
وقال فريدمان (8/1/2020):
صفقة ترامب المقرر نشرها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
«إن المرحلة التالية بالنسبة للإدارة الأمريكية، بعد الاعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل، وبسيادتها على مرتفعات الجولان السورية، هي الضفة الغربية.
وتابع "منذ قدومي إلى هنا حاولت إضافة بند إلى الأجندة المزدحمة جدا، وهو العمل مع الإدارة الأمريكية ومع رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) للمساعدة في تصحيح القضايا العالقة بعد حرب الأيام الستة" في (إشارة إلى حرب1967 التي احتلت فيها إسرائيل الضفة و غزة والجولان).
وأضاف "هناك 3 قضايا ذات أهمية كبيرة، وهي أولا: وضع القدس، وثانيا: وضع مرتفعات الجولان وثالثا: وضع الضفة الغربية".
وتجاهل فريدمان إلى أنه فيما يتعلق بالقدس، فإن الرئيس الأمريكي اعترف بها عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، أما بالنسبة لمرتفعات الجولان، فقد اعترف الرئيس الأمريكي بسيادة إسرائيل عليها.
وتجنب فريدمان الحديث عن إمكانية إنشاء دولة فلسطينية، وقال "التوازن هو بين الاعتبارات الأمنية وحرية الحركة، وبين الروايات التاريخية والحقوق، ومحاولة مساعدة الاقتصاد في مواجهة اتهامات التطبيع".
وادعى السفير الأمريكي أنه في حرب العام 1967 «استعادت إسرائيل الضفة الغربية من الأردن».
وأضاف «الأردن احتل الضفة لمدة 19 عاما فقط».
وتابع فريدمان يقول «السؤال هو من يحق له المطالبة بهذه الأرض، هل هي إسرائيل التي تعترف الأمم المتحدة بحقوق دينية وتاريخية لها فيها؟، أو الأردن الذي كان هناك فقط لمدة 19 عاما بدون شرعية، أو الإمبراطورية العثمانية التي غسلت يدها من هذه الأرض، بعد الحرب العالمية الأولى؟».
وأضاف «الجواب واضح جدا.. إن حق اليهود بالبقاء في الضفة واضح جداً».
(5)
رد مركز المعلومات لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) (وهو منظمة إسرائيلية) على التصريحات والمواقف الأميركية، فنشر تقريراً عن أوضاع المستوطنات في الضفة الفلسطينية (كما في القدس). وقال إنه منذ عام 1967 وحتى نهاية 2017 (إلى حين وصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة) أقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة، منها 131 مستوطنة اعترفت بها وزارة الداخلية الإسرائيلية كبلدات، ومنها أيضاً نحو 110 مستوطنات أقيمت من دون مصادقة رسمية «بؤر استيطانية»، ولكن بدعم ومساعدة وزارات حكومية، وعدد من الجيوب الاستيطانية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، فيما رصد وجود 11 حياً استيطانيا في القدس الشرقية أقيمت على أراض في الضفة الغربية، ضمّتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ القدس، وكذلك عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
وبلغ عدد المستوطنين الذين يسكنون في تلك المستوطنات أكثر من 620 ألف مستوطن، منهم أكثر من 413 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية، باستثناء شرق القدس، وأكثر من 209 آلاف مستوطن في أراضي الضفة الغربية لتي ضُمّت إلى بلدية القدس.
وقال «بتسيلم» إن «المستوطنات هي العامل الأكثر تأثيراً على واقع الحياة في الضفة الغربية وإسقاطاتها على حقوق الإنسان الفلسطيني، وهي مدمرة وتطاول ما هو أبعد بكثير من مئات آلاف الدونمات التي سُلبت منهم لأجل إقامتها».
وأشار المركز إلى أن تلك المصادرات للأراضي شملت المراعي والأراضي الزراعية التي صودرت أراضٍ منها لأجل شقّ مئات الكيلومترات من الشوارع الالتفافية المخصّصة للمستوطنين، والحواجز والوسائل الأخرى لتقييد حركة الفلسطينيين فقط، وأقيمت تبعاً لمواقع المستوطنات، وكذلك إغلاق مجال وصول الفلسطينيين إلى كثير من أراضيهم الزراعية، تلك الواقعة داخل نطاق المستوطنات أو خارجها، وترسيم المسار الملتوي للجدار الفاصل، والذي يمسّ على نحوٍ خطير بحقوق الفلسطينيين القاطنين في محاذاته، داخل أراضي الضفة الغربية، والهدف الأساسي لإسرائيل من ذلك أن تبقي إلى الغرب من الجدار ما أمكن من المستوطنات والأراضي التي تعدّها لتوسيع المستوطنات.
ويمتدّ عمران المستوطنات حالياً على مساحة 538,127 دونماً، وتشكّل نحو 10% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إليها 1,650,376 دونماً هي مساحة نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات، وتشمل براري شاسعة لا تدخل في منطقة عمران أيّ من المستوطنات.
وتبلغ مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة نحو 40% من مجمل مساحة الضفة الغربية، وتشكّل 63% من مساحة مناطق (ج).
وأشار «بتسيلم» إلى أن امتناع إسرائيل عن الضمّ الرسمي (سوى ضمّ القدس الشرقية)، لكنها تعامل المستوطنات كجزء من مناطق تملك فيها السيادة الفعلية وتعمل على محو شبه تام «للخط الأخضر» بالنسبة إلى مواطنيها الإسرائيليين، في مقابل تركز السكان الفلسطينيين في 165 جزيرة أرخبيلية [مناطق (أ) و(ب)و (ج) ـ حسب تقسيمات اتفاق أوسلو
(6)
الغطاء السياسي الأميركي عجل وشجّع الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ خطوات لضم أوسع المناطق الاستيطانية.
فبعد أن أجازت وزارة جيش الاحتلال للمستوطنين الأفراد شراء أراضي في الضفة الفلسطينية، ملكية خاصة بهم، خلافاً للقوانين السابقة، التي كانت تحصر مهمة شراء الأراضي لليهود عبر الشركات، اتخذ نفتالي بينيت وزير جيش الاحتلال خطوة «قانونية» جديدة يهدف منها إلى فرض السيطرة «الإجرائية القانونية» على الأرض الفلسطينية تمهيداً لفرض السيطرة السياسية (كما قال) إذ أوعز وزير جيش الاحتلال في 192/2019 بتسجيل الأراضي في المناطق المُصنفة (ج) في سجل الأراضي في وزارة القضاء لدى الاحتلال، بدلاً مما تُسمّى بالإدارة المدنية.
وبحسب صحيفة «يسرائيل هيوم»، إنّ بينيت أجرى سلسلة مُداولات داخل وزارته الأيام الماضية من أجل إجراء تغييرات في عمل ضابط شؤون الأراضي في ما تُسمّى بالإدارة المدنية، بحيث يُسجّل المستوطنون الأراضي بالوزارة المذكورة.
وبهذه الخطوة يعمل الوزير الصهيوني على ضمّ مناطق في الضفة المحتلة إلى إسرائيل بشكل فعلي، من خلال خطوات تتنافى مع القانون والمواثيق الدولية.
وذكرت الصحيفة أن بينيت أوعز لمسؤولين في وزارته بوضع نظام قانوني يُغيّر الوضع الحالي، وأن يكون التعامل في مجال الأراضي بالمستوطنات مثل التعامل داخل أراضي عام 1948.
ويعمل ضابط في الإدارة المدنية في مجال الأراضي في المستوطنات بالضفة المحتلة ويخضع لجيش الاحتلال، وتُقدم لهذا الضابط مُخططات بناء في المستوطنات، ويسعى بينيت إلى خضوع هذا الضابط لدائرة الطابو في وزارة القضاء، بادعاء تقصير مدة انتظار تقديم خطط بناء للمستوطنين.
ونقلت الصحيفة عن الوزير الصهيوني قوله «إن الحديث هنا عن فرض سيادة إجرائية، والسيادة الكاملة تقع ضمن النطاق السياسي، ولا يوجد سبب أن يستمر الإسرائيليون في الضفة الغربية، بالتعرّض لتمييز ضدهم، فهم يدفعون الضرائب ويخدمون في الجيش، ويجب أن يحصلوا على الخدمات نفسها من الدولة».
ولم يتوقف بينيت عند هذه الحدود. فقد كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية في 9/1/2020 عن أن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أعلن عن تشكيل هيئة خاصة لتقوية الاستيطان في مناطق (ج) بالضفة الغربية.
وقالت الصحيفة العبرية، إن هدف هذه الهيئة، هو تقوية وتعزيز وزيادة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، المصنفة كمناطق (ج) بالضفة الغربية، وأن الهيئة اجتمعت عدة مرات في الأسابيع الأخيرة، بهدف دعم الاستيطان والمستوطنين، وتعزيز الوجود الإسرائيلي في هذه المناطق.
أضافت الصحيفة، أن الهيئة ناقشت كذلك، منح تصاريح للمستوطنين، لشراء أراض في الضفة، وربط البؤر الاستيطانية غير القانونية بشبكة المياه والكهرباء الإسرائيلية. كما طالبت الهيئة الخاصة، بمنع إخلاء المستوطنات «العشوائية»، وتسريع الإجراءات القانونية لفرض المزيد من الواقع الاستيطاني بالضفة، قبل موعد الانتخابات.
وأوضحت أن «الهيئة» ستعمل على «تسوية» قانونية لنحو 30 بؤرة استيطانية غير قانونية بالضفة، التي يتم اعتبارها مزارع، وصدرت بحقها أوامر هدم بالسابق.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال قبل صدور القرار بيوم واحد وفي مؤتمر «منتدى كهيلت» إنه لن يتم خلال فترته إخلاء أي مستوطنة كجزء من إتفاق سلام محتمل مع الفلسطينيين. وقال: «لن أقتلع أي مستوطنة في أرض إسرائيل، بموجب أي خطة سياسية، لا يهودية ولا عربية».
ووصف نتنياهو إخلاء المستوطنين «التطهير العرقي، وأكد أنه لن يتم اقتلاع مستوطنات، ولن يتم في عهدي. المبادئ بسيطة: في جميع أنحاء الأراضي الواقعة غرب الأردن، كانت السيطرة الأمنية وستبقى في أيدي إسرائيل. لن يتم تقسيم القدس ولن يتم اقتلاع مستوطنات».
وبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود، في اليوم التالي (28/12/2019) وضع رئيس حكومة دولة الاحتلال خطة من ست نقاط تتضمن تعهدات بتجديد الحدود وضم الأراضي المحتلة، وتطبيع العلاقات مع الدول العربية.
والنقاط الست هي كالتالي:
1 ـ وضع حدود نهائية لإسرائيل.
2 ـ دفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في غور الأردن وشمال البحر الميت.
3 ـ ممارسة الضغوط من أجل اعتراف الولايات المتحدة بتوسيع السيادة الإسرائيلية على جميع البلدات (أي المستوطنات) في الضفة الغربية كلها، دون استثناء.
4 ـ إقامة تحالف دفاعي تاريخي مع الولايات المتحدة يحافظ على حرية التصرف الإسرائيلية.
5 ـ العمل على وقف إيران وحلفائها بشكل حاسم.
6 ـ ممارسة الضغط من أجل التطبيع والاتفاقيات التي ستؤدي إلى اتفاقات سلام مع الدول العربية.
وأكد ثقته أن تحقيق هذه النقاط الست «بات في متناول اليد».
(7)
يبقى السؤال الاستراتيجي؛ ما العمل؟
• الناطق باسم رئاسة السلطة، نبيل أبو ردينة علّق على قرارات حكومة الاحتلال بضم غور الأردن، وشمال البحر الميت ووصفه أنه هو «إعلان حرب على الشعب الفلسطيني» وأضاف أن قرار إسرائيل «يعلن رسمياً نهاية العملية السياسية»، وأن حكومة نتنياهو «بدأت بالفعل العمل على فرض سياسة الإملاءات والأمر الواقع».
غير أن السلطة الفلسطينية لم تترجم هذا التصريح إلى سياسة عملية. فقد أعادت التأكيد، في احتفالات الانطلاقة، مطلع هذا العام على تمسكها بخيار المفاوضات سبيلاً وخياراً وحيداً.
• القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله أكدت في بيان لها في 12/1/2020 «استحالة التعايش مع الاحتلال وسياسات الضم والتوسع الاستعماري في أرضنا، وسط التلويح لضم الغور وتسعير البناء الاستيطاني لتكريس سياسة الأمر الواقع». ودعت هذه القوى «لاستنهاض كل عوامل العمل على كل المستويات وفي مقدمها تصعيد المقاومة الشعبية دفاعاً عن الأرض والقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وعلى المستوى القانوني والدولي».
لكن هذه القوى، ككل مرة، لم تضع الأطر والآليات والأسس لتصعيد المقاومة الشعبية.
• أما بما خص المستوى القانوني والدولي، فقد أعلنت محكمة الجنايات الدولية (20/21/2020) رفضها طلب النائب العام فاتو بنسودا، فتح تحقيقات بشأن جرائم الاستيطان الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، بذريعة أن تقريرها أطول من المطلوب، ودعتها إلى تقديم تقرير جديد. ما يعني دخول القضية في دهاليز المناورات القانونية والقضائية والسياسية، خاصة وأن عدداً من الدول الفاعلة، كالولايات المتحدة وألمانيا، بدأت تمارس الضغوط على المحكمة الدولية لمنعها من فح ملفات جرائم الحرب الإسرائيلية.
• الباحث رامز النابلسي، صاغ تقريراً وافياً بعنوان «سيناريوهات الضم بين الزحف والمعلن». خلص إلى «ضرورة بناء استراتيجية للعمل الوطني الفلسطيني تنطلق من وجوب إعادة تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال، بما في ذلك احباط السياسة الإسرائيلية الرامية لتكريس دور السلطة الفلسطينية كوكيل إداري وأمني واقتصادي يطيل عمر الاحتلال، كما يشكل غطاء لاستمرار سياسات الضم والاستيطان والمصادرة، ما يتطلب الخروج من مسار أوسلو وإعادة النظر في شكل السلطة ودورها ووظائفها، في سياق استنهاض مجمل الحالة الفلسطينية على أساس إنهاء الانقسام وإعادة بناء الوحدة الوطنية».
وأضاف: «إن من شأن ذلك أن يعزز دور العامل الشعبي في توسيع المقاومة والمقاطعة، لا سيما أن السيناريوهات جميعها مرتبطة بالخوف الاسرائيلي من توسيع وتطوير المقاومة الفلسطينية، حيث يتحول الفلسطيني إلى موجود عملياُ حين يعيق تمدد المشروع الاستعماري ويجعل من الوطن الآمن وهماً وهذا ما برز مع انسحاب إسرائيل من لبنان في العام 2000، إذ شكل الضغط الشعبي الاسرائيلي الداخلي على الحكومات بسبب الخسائر الفادحة العامل الأكثر أهمية في قرار الانسحاب من لبنان إن الحل يكمن في التكامل، بين الرسمي والشعبي، وتفعيل كليهما لتشكيل جبهة واحدة مقاومة تعيد الصراع إلى إطاره الطبيعي التحرري».
لكن الدكتور عدنان مجلي (12/1/2020)، وهو يؤكد على أهمية إنهاء الانقسام، في المواجهة وأهمية استنهاض المقاومة الشعبية، يعود ويستدرك قائلاً:
«لا يمكننا كفلسطينيين إحياء النضال الوطني وإقناع الشعب بالمقاومة الشعبية إذا لم نوفّر له نظاماً قائماً على المساواة والعدالة وخالياً من الفساد والمحسوبية، فمن يراقب شيوع هذه المظاهر لن يقبل الإقدام على التضحية فيما يشاهد غير يلاعب بمقدرات الشعب ويعيش في بذخٍ وترف على حساب تضحياته».
وبالتالي لم يعد سؤالنا «ما العمل؟» أحجية تتطلب عبقرية سياسية لتقديم الإجابة اللازمة. الرد واضح:
• الخروج من أوسلو
• تطبيق قرارات المجلس الوطني والمركزي للتحرر من قيود الاتفاقات الموقعة.
• الذهاب إلى المقاومة الشعبية الشاملة.
• الاشتباك السياسي والقانوني مع الاحتلال على الصعيد الدولي.■
معتصم حمادة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت