بخفة وسرعة بديهة يستعرض الفتى الفلسطيني من غزة عبود زايد، فنونا قتالية صينية تقليدية مع مدربه لدقائق معدودة دون أن يهزم أحدهما الآخر.
وما إن انتهى الفتى ومعلمه من استعراض قدراتهما القتالية، حتى صفق بقية الطلبة لهما، مشيدين بأدائهما المتقن بكلمات تشجيعية وحماسية لحثهما على الاستمرار والمضي قدما في رياضة "وينغ تشون".
ويلتحق عبود (12 عاما)، برفقة 40 آخرين في أول مدرسة محلية في قطاع غزة مختصة في تعليم فنون القتال الصينية.
ويقول عبود بينما يستعرض مهاراته لوكالة أنباء "شينخوا" الصينية إنه انضم إلى المدرسة منذ أربعة أعوام في محاولة لضبط تصرفاته المتسرعة وتنمية مهاراته في السيطرة على ردود أفعاله بما يتلاءم مع الكثير من المواقف.
ويضيف وهو يمازح أحد زملائه أثناء التمرين "استطعت من خلال هذه الرياضة الاعتماد على الطاقة الداخلية لدي، بدلا من الاعتماد على العنف البحت".
ويتابع عبود أن "رياضة وينغ تشون تبدو للوهلة الأولى أنها عنف، لكنها تعتمد بشكل كبير على المرونة والاسترخاء"، مشيرا إلى أن شخصيته تغيرت إلى الهدوء والرزانة مع ممارستها.
ويشير إلى أن هذه الرياضة ساهمت في تغيير شخصيته من العنف إلى الهدوء المتحصن بالقوة الحقيقية، لافتا إلى أنه يتخذ اللاعب الصيني الشهير إيب مان مثله الأعلى في عالم الرياضة.
ويتلقى عبود، الذي يتمتع ببنية جسدية رياضية، برفقة زملائه دروسا عملية في تعليم فنون القتال الصينية ثلاث مرات أسبوعيا لمدة ساعتين في كل لقاء.
ويسعى الفتى إلى تعليم زملائه لإتقان رياضة "وينغ تشون"، عبر تعليمهم أساسيات الرياضة القتالية الناعمة، حيث يطمح أن يصبح "مدربا محترفا يوما ما".
وتعد رياضة "وينغ تشون" أحد الفنون القتالية الصينية التقليدية، وهي أحد أساليب الكونغ فو، يعود أصلها إلى جنوب الصين.
وجرى إعداد تدريباتها من أجل القتال المتلاحم بما في ذلك تقنيات اليد الفارغة واستخدام الأسلحة، حيث تعتبر من أقوى الأساليب القتالية مقارنة بغيرها، ويسهل على الجميع تعلمها بمختلف الأعمار والجنس.
ويقول المدرب علاء زايد ل"شينخوا"، إن "هذه الرياضة تعزز تنمية القدرات الداخلية للمقاتل، خاصة وأن كل إنسان لديه قوة داخلية يمكن اكتشافها من خلال ممارستها".
وأضاف بينما كان يتابع أحد طلابه لإتقان بعض الحركات، أن "ينغ تشون تعمل على تحويل قوة الخصم ضده، حيث يمكن استخدامها من أجل الإيقاع به وإلحاق ضرر أكبر به".
ويشير زايد إلى أن القاعدة الأساسية التي يعتمدون عليها هي "اقتل الفيل بقوته من خلال استرخاء الطرف الآخر"، على حد تعبيره.
وعادة ما يتحكم اللاعب بالعقل الباطني في جسده، خاصة حين يصل إلى مراحل متقدمة من إتقانها، بالإضافة إلى أنه يتخلص من الطاقة السلبية التي يكتسبها نتيجة تعرضه لمواقف غير طبيعية قد تؤدي إلى القلق أو الخوف الشديد.
ويعاني ما يزيد عن 60 في المائة من الفلسطينيين من الاكتئاب والضغوط النفسية، بحسب إحصائية صادرة عن منظمة الصحة النفسية في غزة في عام 2017، معتبرة أن ذلك يعود إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة.
ويعاني سكان قطاع غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، من حصار إسرائيلي منذ أكثر من 13 عاما، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيه.
وسبق أن شنت إسرائيل ثلاث حروب على غزة عام 2008، و2012 و2014، أوقعت الآلاف الشهداء والجرحى، بالإضافة إلى الآلاف من المرضى النفسيين نتيجة الضغوط النفسية التي تعرضوا لها.
ويقول زايد إن "رياضة ينغ تشون تساعد في التخلص من الضغوط النفسية، عبر إخراج الطاقة السلبية وتوظيفها في الاتجاه الصحيح كي يتمكن الانسان من استعادة حياته الطبيعية".
ويبرز أهمية هذه الرياضة بأنها تمر في ست مراحل، أولها تعليم المتدربين الصبر والتحمل والتعرف على قوتهم الداخلية، ومن ثم تعلم الانتقال بالحركات القتالية من الثبات إلى الحركة، والتحكم بالأصابع بخفة عالية.
ويوضح أن "المتدرب ينتقل لاحقا نحو الأساليب القتالية، التي تعتمد على القوة النابعة من الاسترخاء وليس العنف، مثل مرحلة تعلم اللعب بالعصي، ومن ثم لعبة الدمية الخشبية، وأخيرا الفراشة والسيوف والتي تعتبر الأخطر من الفنون القتالية".
ويقول وليد النزلي، وهو أحد مدربي اللعبة في غزة، والذي يعمل على تدريب 15 طالبا في المدينة، إن "الرياضة تمنح الثقة بالنفس والقدرة على التحكم بكافة المواقف التي يمر بها الإنسان".
وأكد النزلي ضرورة تحلي اللاعب "بالصبر والحكمة كي يتقنها بشكل كبير، مشيرا إلى أن الرياضة الصينية بكافة أنواعها "قادرة على أن تكون علاجا حقيقيا للعديد من المشاكل النفسية التي يمر بها الإنسان".
ويعرب الرجل عن أمله في إنشاء "مدارس لتعليم الفنون القتالية الصينية على مستوى القطاع بما يتناسب مع ازدياد أعداد الطلاب"