تتجه أنظار العالم "شاخصة" مساء هذا اليوم إلى موقعين مركزيين متوازيين، البيت البيضاوي في واشطن "مقر الرئاسية الامريكية" والمقاطعة في رام الله "مقر الرئاسة الفلسطينية"، منتظرة الفعل ورد الفعل وتأثيرهما على اعقد صراع في العالم شغل باله طوال أكثر من مائة عام.
يدرك الفلسطينيون وجزء هام من العالم أن الخطة الأمريكية المزمع إعلان جزء منها أو إعلانها تأتي في سياق الانتخابات الامريكية في نوفمبر القادم في محاولة للحصول على دعم أصوات الجماعات المؤدية لإسرائيل في الولايات المتحدة ما يشبها شبهة فساد سياسي. وأنها خطوات أحادية منسقة بين الإدارة الامريكية وحكومة اليمين الاسرائيلية لإنقاذ نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية في مارس القادم بعد فشله في جولتي الانتخابات العام الفارط.
كما أن الفلسطينيين يروى أنه "على شاكلة المقدمات تأتي النتائج"، فقد قامت الإدارة الامريكية في العامين الفارطين بإجراءات تقويض للحقوق الفلسطينية وخرق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية سواء بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو نقل السفارة الامريكية إليها ووقف دعم المؤسسات الدولية الراعية للاجئين الفلسطينيين بالإضافة إلى اغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني وغيرها ما يدل على أن أي خطة أمريكية مقترحة لن تحترم الحق الفلسطيني ومصالح الشعب الفلسطيني.
إن القواعد الحاكمة للنظر في أية مبادرة أو تحرك سياسي مبني على الحق الفلسطيني المضمون بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بحق تقرير المصير وإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعلى مصالح الشعب الفلسطيني وتحالفاته الاقليمية والدولية وحقه في العيش بكرامة وحرية وحقه في استغلال ثرواته الطبيعية. وهما "الحق والمصالح" مؤشر القبول والرفض وما بينهما.
يقدم هذا المقال عدة خيارات أمام القيادة الفلسطينية المجتمعة مساء اليوم للنظر فيما سيعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهي على النحو التالي:
الخيار الأول: رفض المبادرة الامريكية كلية؛ هذا الخيار هو الخيار الاسهل من الناحية الشكلية وله ما يبرره من ناحية المضمون؛ خاصة أن الإدارة الامريكية اتخذت إجراءات عملية في العامين الماضيين، كما اسلفنا أعلاه، تتناقض مع الحقوق الوطنية الفلسطينية وتمنع إمكانية الوصول إلى حلول لقضايا الحل النهائي بالتفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن هذه المبادرة تم التفاوض عليها بين الإدارة الامريكية والحكومة الإسرائيلية دون مجرد اخذ رأي القيادة الفلسطينية، وأن هذه المبادرة تحول دون تطبيق خيار حل الدولتين. في المقابل فإن هذا الخيار يعني مزيد من المواجهة مع الإدارة الامريكية، ومنح اليمين الإسرائيلي فرصة للفوز في الانتخابات في حال وجود مواجهات عنيفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يُمكن الحكومة الإسرائيلية من تصوير الفلسطينيين في الاعلام العالمي بأنهم هم الرافضون لأي جهد دولي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما فعلت الولايات المتحدة وإسرائيل عام 2000 بتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية افشال مفاوضات كامب ديفيد.
الخيار الثاني: قبول المبادرة الامريكية "صفقة القرن"؛ هذا الخيار هو الأصعب على القيادة الفلسطينية خاصة أن الإجراءات الامريكية المذكورة آنفا افقدت هذه الصفقة أية مبررات لقبولها من حيث المبدأ. إن القبول بهذه المبادرة يجنب القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني المواجهة مع الإدارة الامريكية ويحافظ على وجود السلطة الفلسطينية وعدم انهيارها ووقف بعض الإجراءات الامريكية خاصة ما يتعلق بالتمويل الأمريكي، ويفتح افاق اقتصادية واسعة للفلسطينيين وفقا للوعود الاقتصادية التي تم الحديث عنها في ورشة البحرين. لكن في المقابل فإن القبول بهذا الشكل يظهر أن القيادة الفلسطينية قد تخلت عن جميع الثوابت الفلسطينية، وعن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي طالما نادت بها، وأنها قبلت بالإجراءات الأحادية التي اتخذتها الإدارة الامريكية مسبقا. مما يضعها في مواجهة مع الشعب الفلسطيني.
الخيار الثالث: اعلان القيادة الفلسطينية أن المبادرة الامريكية تتضمن عناصر إيجابية يمكن أن يُبنى عليها "أي نصف الكأس الملآن". هذا الخيار يظهر الفلسطينيين أنهم يتجاوبون مع التحرك السياسي لحل القضية الفلسطينية، وأنهم ليسوا عقبة أمام حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أنه يتيح فرصة للفلسطينيين لإبداء تحفظاتهم على المبادرة والتي قد تنسف الأسس التي قامت عليها وفي نفس الوقت تجنيد تحالف عربي ودولي لرفض النصوص المتعارضة مع القانون والشرعية الدولية. كما أن هذا الخيار يمنح فرصة للنظر إلى التفاعلات الداخلية في إسرائيل ومواقف الأطراف المختلفة منها بما في ذلك اليمين الإسرائيلي المتطرف وتأثيرها على انتخابات "الكنيست" القادمة. ويمنع مواجهة مع الإدارة الامريكية المنحازة لليمين الإسرائيلي في ظل أتون الحملة الانتخابية الامريكية القادمة.
في المقابل، فإن هذا الخيار قد يعيد الانقسام للموقف الفلسطيني الموحد القائم "حاليا" على رفض ما يأتي من الإدارة الامريكية بما فيه هذه "الصفقة"، ويثير "نقاشا" صاخبا ويعيد السجال الإعلامي القائم على التخوين والتكفير بين الأطراف الفلسطينية مما يفقد الفلسطينيين القدرة على المواجهة مع الاحتلال.
الخيار الرابع: اعلان التريث أي القول إن القيادة ستدرس هذه المبادرة من جوانبها المختلفة وأنها ستتشاور مع الاشقاء العرب والأصدقاء في العالم لبلورة موقف واضح منها.
هذا الخيار يظهر الفلسطينيين أنهم يرغبون في دراسة معمقة لهذه المبادرة ما يتيح فرصة للفلسطينيين لإبداء تحفظاتهم على المبادرة، وفي نفس الوقت تجنيد تحالف عربي ودولي في عملية المشاورات التي ستجيرها مما يمنحهم تقديم تحفظات على النصوص المتعارضة مع القانون والشرعية الدولية مستندة في ذلك إلى مواقف عربية ودولية. كما أنه هذا الخيار يمنح فرصة للنظر إلى التفاعلات الداخلية في إسرائيل ومواقف الأطراف المختلفة منها بما في ذلك اليمين الإسرائيلي المتطرف وتأثيرها على انتخابات "الكنيست" القادمة. ويمنع مواجهة مع الإدارة الامريكية المنحازة لليمين الإسرائيلي في ظل أتون الحملة الانتخابية الامريكية القادمة. ويفشل محاولات إسرائيل اظهار الفلسطينيين في الاعلام العالمي بأنهم هم من يفشلون الحلول السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما فعلت الولايات المتحدة وإسرائيل في عام 2000 بتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية افشال مفاوضات كامب ديفيد.
في المقابل، فإن هذا الخيار قد يعيد الانقسام للموقف الفلسطيني ويثير "نقاشا" صاخبا يحمل المسؤولية للقيادة الفلسطينية لعدم سرعة اتخاذ قرار حاسم لرفض المبادرة الامريكية.
الخلاصة:
إن الخيارات المطروحة أمام القيادة الفلسطينية هذا المساء هي خيارات صعبة وتحتاج إلى امعان النظر في تداعيات كل واحدة منها على القواعد الحاكمة "الحقوق والمصالح الوطنية" للموقف الفلسطيني الحامي لهما. إن حصافة القيادة الفلسطينية هنا مطلوبة لتدبر الشأن العام وحماية حقوق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه ورعاية مصالحه في الداخل والخارج بما يتمشى مع القانون الدولي ومبادئ العدالة في ظل ظروف غاية في التعقيد، وفي ظل غياب مساندة حقيقية من قبل الأطراف العربية وغياب موقف دولي مناهض للاحتلال. إن خيار التريث وعقد مشاورات داخلية وخارجية، كما جاء في الخيار الرابع أعلاه، يمنح القيادة الفلسطينية تجنب مواجهة مع الإدارة الامريكية الحالية التي تخوض حملة انتخابية تستخدم انحيازها لإسرائيل كجزء من دعايتها الانتخابية، ويمنع تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية افشال الجهود الامريكية. وفي الوقت نفسه تقلل من الخسائر الفلسطينية الداخلية وتزيد من التحالف الدولي في رفض خرق قواعد القانون الدولي ومبادئ الحل المعتمدة لإنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ومع ذلك، فإن هذا ليس كافيا لحماية الحقوق الوطنية الفلسطينية حيث أن هناك حاجة لخطوات إضافية لتصليب الجبهة الداخلية هي:
أولا: إيجاد صيغ لوحدة ميدانية بين القوى والتنظيمات الفلسطينية بغض النظر عن الاختلافات في المواقف السياسية لهذه القوى
ثانيا: تعميق المقاومة الشعبية في جميع المناطق الفلسطينية وتأطيرها وتنظيمها بحيث تصبح نظام حياة للفلسطينيين في مواجهة مفتوحة مع جنود الاحتلال ومستوطنيه.
ثالثا: تعزيز المشاركة السياسية وفتح حوار داخلي يأخذ بعين الاعتبار القوى السياسية والاجتماعية المختلفة لضمان أوسع مشاركة في اتخاذ القرار.
رابعا: استمرار القيادة الفلسطينية في جهودها السياسية والقانونية في المنظمات والمؤسسات الدولية لإدانة الممارسات الإسرائيلية وملاحقة قياداته السياسية والعسكرية أمامها.
جهاد حرب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت