عبر التاريخ، كانت القوة – مهما عظمت- تسقط سقوطا مدويا في حالة استخدامها بشكل غير صحيح ومتهور، والتعجل باتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية يدفع لها دفعا القادة بسبب عوامل داخلية معقدة، وبسبب استعجال لقطف ثمرة لم تنضج بعد، وهو ما حصل من قبل "ترمب" و"نتنياهو" اللذان ظنا انه بالقوة وحدها فقط يمكن تغيير سنن الكون، وتحدي الله في نواميسه وقهر الشعوب.
لا شك ان "نتنياهو" والذي ظهر منتشيا خلال الاعلان عن صفقة القرن، وصفك كثيرا لها، الا انه بدا غير واثقا من نجاح خططه، فيما قال "ترمب " انها قد تكون آخر فرصة للفلسطينيين، في خداع مفضوح من قبله كان يظن انه سرعان ما سينطلي على الشعب الفلسطيني.
من بشائر انقلاب الصورة لصفقة القرن، هو صراحة "ترمب" في غيه وظلمه واعلانه خططه جهارا نهارا، فيما كان من سبقوه من رؤساء امريكا، يستخدمون اقوى خطط المكر والدهاء في الضحك على الشعوب العربية والاسلامية لاطالة عمر الاحتلال لاطول مدة ممكنة.
كما لا ننسى ان ازمة "نتنياهو" دفعته لاستباق واستعجال ما ظن انه سيدعمه في الانتخابات بعد اكثر من شهر الان امام "غينتس"، وغاب عنه انه دفع بذلك قوى فلسطينية لاتخاذ موقف سريع لافشال صفقته وقد تصل لالغاء "اوسلو" ، ووحد قوى الشعب الفلسطيني بتسرعه وحبه للسيطرة والغطرسة.
انظر كيف جاهر "ترمب" بالاعلان عن وجود ثلاثة سفراء لدول عربية في الاحتفاء يصفقة القرن، وكيف عمل على فرز الحكام امام شعوبهم تلقائيا، فالقدس في وجدان العرب وقلوبهم ولا يمكن ان يوافقوا على ما يخصها بصفقة القرن، وبالتالي سرع في تنقية الذهب وهو هنا الشعوب العربية من الخبث، وهم هنا حكام العرب الذين وافقوا على الصفقة، فالحديث هنا يدور ظلم واضح،وعن مقدسات وعقيدة لا خلاف ولا نقاش فيها، وليس صراع على كراسي.
سرع مؤتمر الاعلان عن صفقة القرن من تقوية الوعي الفلسطيني والعربي، فلا يوجد عاقل يقبل بما طرح لانه ضرب في قلب الحقيقة وزورها، وضرب في صلب العقيدة التي تعتبر القدس عقيدة ليوم الدين وزورها وقلب الحقائق حولها.
الفرز بدا ايضا عندما طرح "ترمب " 50 مليار دولار مقابل موافقة الفلسطينيين على صفقة القرن، فمنذ متى كانت العقيدة والمقدسات والحرية والاوطان تباع وتشترى، اليس هذا استخفافا واستحقارا للعرب والمسلمين والفلسطينيين؟! والاستخفاف هنا لا ينطلي على اصحاب المبادئ والاخلاق من شعبنا والشعوب العربية والاسلامية.
بتهور "نتنياهو" و"ترمب" حول تصريحهم بسحب سلاح غزة، رفع من قيمته تلقائيا امام من كانت على قلوبهم غشاوة، فما دام قد طالب الاثنين بسحب السلاح فهذا يعني نقيضه تلقائيا، وكل حر وشريف كانت انطلت عليه خدع الاحتلال واعوانه سابقا، سيدافع عن سلاح غزة الذي يقلق الاحتلال وامريكا.
في المنظور الحالي، صحيح ان "نتنياهو" و"ترمب" اختاروا التوقيت الحالي لاعلان الصفقة، كونهم مهدوا لها بنقل السفارة وضم الجولان واعتبار القدس عاصمة للاحتلال، والاستيطان شرعي، مستغلين الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والحروب العربية العربية وارتدادات الربيع العربي، الا ان ذلك لا يعني ان القصة والحكاية، انتهت وطويت القضية الفلسطينية للابد والى غير رجعة.
في الاصل، كان مخطط ان تقام دولة الاحتلال من النيل الى الفرات، واستجلاب كافة يهود العالم للدولة المصطنعة، لكن الذي حصل ان هذه الدولة المصطنعة والمدعومة من اقوى قوى بالعالم، لم تصمد امام مقاومة بسيطة ومتواضعة في جنوب لبنان، وانسحبوا صاغرين ذليلين من غزة، وهدموا 22 مستوطنة بايديهم، "فاعتبروا يا اولي الابصار".
د خالد معالي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت