صفقة ترامب - نتن ياهو عليها فلسطينياً كلّ شيء وليس لها فلسطينياً أي شيء ، هي برنامج عمل لمجلس إدارة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين الذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية، فما سمي بالصفقة التي كان مفروضاً من وجهة النظر الأمريكية الصهيونية أن يوقع عليها الجانب الفلسطيني مقابل السخاء المالي له بغض النظر عن مقدار تنازله عن حقوقه كانت برنامجاً سياسياً أراد الجميع فرضه على الفلسطينيين الذين نبهوا على خطورته منذ لحظة تنفيذه على الأرض ، والتي ابتدأت باعتبار القدس الموحدة عاصمة للاحتلال الصهيوني، والذي تلاها نقل السفارة الامريكية من تل أبيب إلى القدس مع التزامن في اغلاق القنصلية الأمريكية لدى فلسطين والموجودة في القدس منذ عام ١٨٤٤ ، حيث جاء اغلاق القنصلية الأمريكية بعد ١٧٤ عاماً على عملها دون انقطاع لينهي الاعتراف الأمريكي بالوجود التاريخي والقانوني والسياسي والشرعي للشعب الفلسطيني فوق أرضه الفلسطينية، وليعبّر هذا البرنامج عن أهداف أمريكية صهيونية استراتيجية وهي انهاء الوجود الفلسطيني من على أرضه الفلسطينية، وليدلل بالتالي على أن الصراع القائم في فلسطين هو صراع وجود وليس نزاع حدود .
إنّ هذا البرنامج السياسي الأمريكي الصهيوني جاء اليوم تتويجاً لنتائج المؤتمر الصهيوني الأول عام ١٨٩٧ والذي أعلن أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، وكان المؤتمر الصهيوني بذلك قد حدد طبيعة الصراع مع الشعب الفلسطيني والذي لم يبدأ بعد في ذلك الوقت بأنه صراع وجود ، أنهم ذاهبون إلى أرض ما أسموها بيهودا والسامرة لاقتلاع سكانها منها ورميهم في أصقاع الأرض ، وما زالوا حتى يومنا هذا يؤكدون بالممارسة الفعلية على الأرض أنهم يخوضون صراع وجود على الأرض التي يعتقدون أنها لهم تاريخياً وإلهياً . أمام توصيف الصراع على أرض فلسطين بأنه صراع وجود ، وخوض الغزاة الصهاينة كل المعارك والحروب معنا فلسطينيين وعرب يؤكد كل يوم استهداف وجودنا الفلسطيني ، وليست وحدها المعارك والحروب كانت تعني ذلك ، فالمواقف السياسية الدولية كانت تنحى في ذات الاتجاه من سايكس بيكو إلى وعد بلفور إلى الانتداب البريطاني فقرار التقسيم ومن ثم الاعتراف المتسارع بدولة ما سمي ب " اسرائيل " في أيار عام ١٩٤٨ ، كل هذا يؤكد أن الصراع الذي يخوضه العدو الصهيوني ضدنا هو صراع وجود .
وعلى مدى الواحد والسبعين عاما الماضية كان يسعى العدو الصهيوني على تجسيد وجوده على أرض فلسطين مقابل نفي الوجود الفلسطيني على أرضه ، فلم تكن حرب حزيران عام ١٩٦٧ واحتلال كل أرض فلسطين والمزيد من الأراضي العربية إلا تأكيداً على تثبيت الوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية ، لذلك كان التفسير الصهيوني للقرار ٢٤٢ بأنه انسحاب من أراضٍ محتلة وليس من الأراضي المحتلة ، وأنّ هذه الأراضي أراضٍ متنازع عليها في إطار صراع الوجود ، حتى استطاع العدو الصهيوني بعد حرب تشرين عام ١٩٧٣ أن يثبت وجوده على الأرض الفلسطينية باعتراف عربي رسمي من قبل مصر أكبر دولة عربية واخراجها من دائرة الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى صراع فلسطيني اسرائيلي وذلك من خلال إطار معاهدة السلام التي وقعت في كامب ديفيد ١٩٧٩ . وجاء اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ ليكرس الوجود الصهيوني باعتراف رسمي فلسطيني بدولة " اسرائيل " مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، وخلال مدة تنفيذ اتفاق اوسلو التي كان من المفروض أن تفضي إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ وجدنا العدو الصهيوني يتهرب من كل التزاماته في اتفاق أوسلو مؤكدا على دور السلطة الفلسطينية بأنه دور وظيفي لادارة حكم ذاتي للسكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع والقدس دون أي سيادة فلسطينية على أي جزء من الأرض الفلسطينية ، ليخرج الرئيس بوش في صيف ٢٠٠٢ برؤية حل الدولتين الذي يؤدي إلى اعتراف عربي بحق الوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية، والذي توّج بمبادرة السلام العربية ، ولم تكن رؤية بوش أكثر من وهم وقع فيه الفلسطينيون حيث راحوا يتمسكون وينادون به مؤكدين بذلك على حق الوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية، موقعين أنفسهم في المخطط الصهيوني الذي جرهم للاعتراف له بحق الوجود ، وفي ظل ذلك عمل العدو الصهيوني على زيادة تواجده المدني من خلال عمليات الاستيطان التي تزداد كل يوم حتى أصبحت المستوطنات تغطي أرض الضفة الغربية وتقسمها إلى جزر لا يتم التواصل بينها إلا عبر طرق التفافية ، وليخرج السفير الأمريكي الصهيوني فريدمان من داخل هذه المستوطنات حيث يسكن ليؤكد شرعية الاستيطان على الأرض الفلسطينية، ثم ليخرج الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بومبيو بتصريحاتهم التي تبرر وجود الاستيطان بأنه غير مخالف للقانون الدولي وهذا يصبّ في توصيف الصراع بأنه صراع وجود .
وفي جانب كل ذلك لم يكل أو يمل الرئيس الأمريكي ورجال ادارته بالوعود المتكررة لاطلاق صفقة القرن التي كانت تنفذ على الأرض حتى كان يوم الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني ٢٠٢٠ ومن داخل البيت الأبيض وبحضور العديد من سفراء الدول ومن بينهم سفراء عرب إلى جانب رئيس حكومة العدو نتن ياهو حيث تم الاعلان عن صفقة ترامب نتن ياهو التي أعلن نتن ياهو نفسه عن خطوطها العريضة التي شملت ما يلي وحسبما أوردته وسائل الإعلام : – أبو ديس (مساحتها لا تتجاوز 4 كيلومترات مربعة) عاصمة دولة فلسطينية مستقبلية. – فرض السيادة الإسرائيلية فورا على 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن. – “تفكيك” سلاح حركة حماس في قطاع غزة، وإعلانها منطقة منزوعة السلاح. – إلزام الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل “دولة يهودية”. – لن يتم إخراج أي إسرائيلي من أية مستوطنة. – القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. – كل ما هو خارج الجدار الفاصل (العنصري) في القدس هو أراضٍ فلسطينية. – حل قضية اللاجئين خارج حدود إسرائيل. – يمكن لاحقا عودة اللاجئين الفلسطينين إلى أراضي الدولة الفلسطينية. – إقامة صندوق لتعويض اللاجئين. – إلزام الفلسطينيين بالعمل ضد “الإرهاب” ووقف “التحريض”. – شق طرق وأنفاق للربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة في الدولة الفلسطينية. – وقف البناء في المستوطنات خلال فترة انتقالية 4 سنوات يتم خلالها التفاوض على إقامة الدولة الفلسطينية. – إقامة مشاريع في الدولة الفلسطينية بقيمة 50 مليار دولار، بتمويل من دول خليجية. – الحفاظ على الوضع القائم في المناطق المقدسة بالقدس الشرقية. – منح الفلسطينيين مناطق في صحراء النقب يتم ضمها إلى الدولة الفلسطينية. - ضم منطقة المثلث إلى ما تبقى من أرض الدولة الفلسطينية .
إنّ كلّ هذه البنود تستهدف الوجود الفلسطيني على أرضه التاريخية أي أن الصراع هو صراع وجود ، وبالتالي فإنّ هذه الصفقة البرنامج تؤكد على استمرار النهج الأمريكي الصهيوني في صراعه معنا بأنه لا يترك أية فرصة ليعمل على نفينا من فوق أرضنا أو سلبنا حقنا في الوجود السياسي السيادي عليها . فالصراع في حقيقته وجوهره هو بين حق فلسطيني وعدوان امريكي صهيوني ، بين روايتين متضادتين ، الرواية الفلسطينية لأصحاب الأرض مقابل الرواية الصهيونية لغزاة هذه الأرض ، فهل يستمر الفلسطينيون بتمسكهم بحل الدولتين متنازلين بذلك عن حقهم في معظم أرضهم لصالح الرواية الصهيونية . إن إدارة الصراع من قبل القيادة الفلسطينية يتطلب منها التمسك بالرواية الفلسطينية بكليتها دون التخلي عن أي جزء منها لصالح المشروع الصهيوني ، والخروج من وهم حل الدولتين الذي هو ليس محل اتفاق وتوافق فلسطيني داخلي ، لأن المطلوب فلسطينياً اليوم ليس الذهاب إلى حل عادل متفق عليه ، فالحل العادل في جوهره يعني التسليم بالرواية الصهيونية والتسليم بقبول حق للغزاة الصهاينة على الأرض الفلسطينية، حيث أنّ المطلوب فلسطينياً هو تبني استراتيجية عامة في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية ، هذه الاستراتيجية هي الاستراتيجية التي انطلقت على أساسها الثورة الفلسطينية منذ خمسة وخمسون عاماً ، والتي تقوم على نفي أي حق تاريخي وسياسي وديني للصهاينة على أرض فلسطين ، فالمشروع الاستعماري الصهيوني هو نقيض مطلق لفلسطين وهما يسيران على خطين متوازيين لا يمكن أن يتقاطعا في أية نقطة مهما كان جوهرها ، فلا يمكن للفلسطيني أن يلتقي بروايته مع الرواية الصهيونية ، لأنّ أي التقاء بينهما هو نفي لرواية أحدهما ، فكيف تلتقي الرواية الفلسطينية مع الرواية الصهيونية وتتنازل عن حقها التاريخي .
إننا كشعب فلسطيني وفي كافة أماكن تواجده وبكل قواه وفصائله ومؤسساته وفي المقدمة منهم منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكل شعبنا العربي الفلسطيني أن نقف وقفة جادة ومسؤولة في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة إمّا أن نتنازل عن حقوقنا ونقر لعدونا بحق الوجود على أرضنا وإما أن نعود إلى أبجدية الصراع بأنه صراع وجود، وأن كلّ ما قدمناه من تنازلات أدى بنا إلى شطب كل حقوقنا ، وأننا أصبحنا مجرد أداة في يد عدونا نتحمل مسؤولية وجودنا كسكان فقط ، فالصراع اليوم وبعد برنامج ترامب - نتن ياهو يتطلب إعادة ترتيب اولوياتنا وفي المقدمة منها تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية التي يناط بها عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني يخرج عنها برنامج وطني يحدد مهامنا الاستراتيجية والمرحلية ومحدداً وسائل وأدوات العمل والتنفيذ وذلك بعيداً عن منح العدو الصهيوني أي حق له في الوجود على أرضنا الفلسطينية وهذا يعني بكل وضوح اعتبار رسالة الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني لاغية وباطلة ، كما يجب الاعلان الواضح والصريح بالغاء اتفاق أوسلو وعدم الالتزام بأي بند من بنوده . لم يعد الأمر اليوم كما كان قبل صفقة ترامب ، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام وسيطاً نزيها ازاء القضية الفلسطينية بقدر ما كانت صاحبة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين، فقد أصبح الأمر واضحاً جلياً كما كان من قبل واضحاً جلياً ، فهدف العدو الأمريكي الصهيوني هو انهاء وجود شعبنا العربي الفلسطيني وشطب قضيته نهائيا وتحويلنا إلى مجرد سكان فوق أي أرض كانت وبحقوق أقل من إنسانية .
بقلم : صلاح صبحية
٢٠٢٠/٢/١
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت