العلمانية أحد المفاهيم التي أثارت جدلية مطولة على صعيد الشعوب و خصوصاً في العالم العربي حيث اختلف تعريفها حسب وجهات نظر الأشخاص و الأيدولوجيات التي ينتمون إليها ، فتفسيرها الحرفي هي العلم و العالم و لكن عند الإجماع فهي تعني فصل الدين عن الدولة و كان السؤال هنا : هل العلمانية إحدى الأدوات التبشيرية التي يحاول الغرب نشرها لنذهب في صدام مع تعاليم الشريعة الإسلامية.
بالحقيقة هي ليست كذلك فحتى الأن ينسب الى الغرب انتمائهم للديانة المسيحية و تنتشر في كل العالم و الوطن العربي مراكز التبشير التي تدعوا للانسجام مع الديانة المسيحية و اتباعها ولا يخفى النظرة العدائية التي يكنها المجتمع الغربي للعرب و المسلمين و طريقتهم في ربط كل معنى للإرهاب بالإسلام.
إن الفهم الحقيقي للعلمانية التي أخد بها الغرب أنه لا فصل بين الدين و الدولة و لا علاقة للرب بالأمور الدنيوية انما تم ازاحة مفهوم أن الدين حكر على جماعة و هذه الجماعة هي الوسيطة و أن الأمور الدنيوية عليها أن تبقى ملازمة لنصوص جاءت قبل آلاف السنين، فالعلمانية لا ترفض وجود الرب, بل تقبل به وباستحضاره , لكن ليس كنصوص قاطعة أو تعاليم صارمة ,بل تقبل التعايش معه كمبادئ و قيم نبيلة تتكيف مع الظروف المجتمعية و الحياتية الموجودة ، فهي تنفي توظيف الدين بطريقة يقبلها العقل لخدمة الإنسان و المجتمع و هذا لا يتنافى مع الأديان و روحها فالدين وجد لخدمة الإنسان و المجتمع.
مرت الألفية الأولى والثانية ، رأينا فيها تجارب لخوض تجارب الانخراط بالعمل السياسي لدى الجماعات الاسلامية وكانت التجربة الاولى في قطاع غزة ، باستلام حركة حماس قطاع غزة عبر صناديق الانتخاب وذلك بسبب فشل تجربة السلطة وانتشار الفساد وغيره من المظاهر التي شكلت بيئة مناسبة للمطالبة بتغيير جذري في النظام الموجود وامتدت هذه التغييرات لتصل الى المحيط العربي من تونس الى مصر ليستلم الاخوان المسلمين الصفوف الاولى ويتصدر الاسلام السياسي للمشهد ولكن هذه التجارب باءت بالفشل السريع نتيجة عدم وجود خبرة لدي الاسلام السياسي اضافه لاستعجال هذه الجماعات الحصول على المكاسب الخاصة ضمن انظمة تعشش بداخل غرفها الضيقة انظمة سابقة وخصوصاً الاطر الامنية والعسكرية فبائت بالفشل السريع وانهارت هذه المنظومات على عكس تجربة قطاع غزة ، حيث نجحت حركة حماس بالحفاظ على وجودها بالحديد والنار تارة وبفرض ما يستلزم بقائها على الموطنين من ضرائب وتجارة داخلية وخارجية ولكن من حيث الخدمات المقدمة للمواطنين هي فشلت في تقديم الحد الأدنى ، فرغم المليارات التي تدخل قطاع غزة سنوياً ، إلا أن الوضع الاقتصادي من سيئ لأسوء والبنية التحتية شبه مدمرة من مياه وكهرباء ، إضافة لتراكم أعداد المعطلين عن العمل ،فإذن بالمجمل هذه التجربة ايضا بائت بالفشل أو افشلت نتيجة الحصار الواقع على قطاع غزة وسوء الادارة للأموال التي تدخل القطاع وتذهب لمشاريع مؤقته غير مستدامة وغير مدروسة .
أن ارتباط الفعل السياسي بحياة المجتمعات جعل الحديث عن الاسلام السياسي والارهاب محط انظار كثير من المستشرقين كبرنادلويس وجيل كيبل وغيرهم ،الذين قالوا أن الحركات الاسلامية ماهي الا غطاء يستخدم لحشد الجماهير ووسيلة للعب على العاطفة الدينية بالفطرة وكسب تأييدها متكئة على النزعة الشعاراتية المفضلة لهذه الحركات كمقولة "القران دستورنا " و"الاسلام هو الحل "ورفع المصحف في قبه البرلمان في ايحاء ديني لا تخفى دلالته على البسطاء ،فالصراح الشخصي للبحث عن المكاسب الذاتية هو الدافع الطاغي في حقل الاسلام السياسي .
ومن هنا وبعد سقوط تجارب التبشير تارة والسقوط المدوي لرجال الكنيسةوفشل تجربة الاسلام السياسي في التحكم في مستقبل الشعوب ،بل وتعطيل تقدمها وتطورها وبعد النجاح الباهر لدول الاتحاد الاوربي بعد الانتهاء من هذه الحقبة ، ان العلمانية في أوروبا توسعت لتشمل التطور و خلط العلم بالحياة و تنمية العقل البشري ليتلاءم مع الزمن الذي يعيش فيه كل النواحي الاجتماعية و الاقتصادية حتى تتماشى مع مجريات الحياة اليومية.
ان الجذور الأساسية للعلمانية في العالم و خصوصا في الغرب لم تقم على أساس تغيب الإله أو الإلحاد إنما قامت على عدم احتكار فئة معينة للدين و تنصيب أنفسهم و حماية الدين و توجيه الناس كما في عهد الكنيسة صقوق الغفران.
لذلك علينا اعادة التفكير بشكل واضح بما يلزم لتحقيق التطور والتنمية وبالأخص باننا على ابواب الانتخابات ،علينا البحث عن الكفاءات والاستفادة من تجارب الامم ،فالدين علاقة بين الانسان وربه والعلم والوطن للجميع .
فؤاد صفوت بنات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت