في مثل هذا الشهر من سنة 2011، قامت الحرب الأهلية في ليبيا، لإزاحة حكم العقيد القذافي، وإنهاء فلسفة الكتاب الأخضر، كميثاق يجمع الليبيين، بعدما جعل من ليبيا بلدا محوريا في إفريقيا، وقوة نفطية لها بعدها الاقتصادي والاجتماعي، ومكنها من التأثير في أسواق النفط.
اليوم وبعد ثمانية أعوام من غزو الناتو (الغربي العربي ) لليبيا ، يبدو واضحا للجميع حجم الكارثة التي لحقت بالليبيين، نتيجة هذا الغزو المحسوب الأهداف والنتائج، فاليوم وللأسف تحولت ليبيا وبتأمر من بعض من يدعون أنهم من أبنائها لبؤرة استعمار جاذبة للقوى الاستعمارية الاقليمية والدولية، وهذا التوريد المستمر للسلاح من بعض العواصم الغربية والإقليمية والعربية للجارة التي كانت أمانة وخيمتها تتسع للجميع، يتزامن مع استمرار فصول الصراع العسكري على الأرض، والذي ترك بدوره عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومئات الالاف من المشردين والمهجرين واللاجئين، ودمارا واضحا وبطريقة ممنهجة لكافة البنى التحتية بالدولة الليبية.
فعلا إنها ثمانية أعوام عكست بالضرورة حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكل ما جري في ليبيا، وهي أهداف تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة العربية والثروات الطبيعية فيها، فاليوم نسمع عن مؤتمرات دولية لا تغني ولا تسمن من جوع الليبيين التواقين للاستقرار، بل تتم هذه المؤتمرات في مناطق جغرافية خارج الوطن الليبي، وهذا ما يدل على حجم الأزمة التي تعيشها الدولة الليبية، المتمثلة بانعدام الأمن والاستقرار، بعد الهداية التي أهداها الغرب للشعب الليبي تحت راية الربيع العربي، والتي لم تكن بردا وسلاما عليهم، بل ظلت شرارتها اللعينة وبالا ودمارا عليه، وأدخلت البلد في حرب أهلية وفشلت كل المشاورات الداخلية، بدءا من الحكومات المتعاقبة، والجماعات المتنافسة، فلم تنجح حكومة طبرق، ولا حكومة الإنقاذ، مرورا بالمؤتمر العام، إلى الوفاق الوطني، فعلا إنه مشهد يزداد تعقيدا مع مرور الأيام، وهذا ما يستلزم وضع خطوط عمل فاعلة على الارض الليبية من قبل بعض القوى الليبية الوطنية، لوضع حد للفوضى وتنسيق حلول مقبولة لإيقاف حالة النزيف التي يتعرض لها الوطن الليبي، والا ستبقى ليبيا الدولة بكل مكوناتها تدور بفلك فوضوي طويل، عنوانه العريض هو الفوضى والصراع الدائم على الأرض الليبية، والخاسر الوحيد من هذه الفوضى هو الشعب الليبي، الذي يدفع اليوم من دمه ومن مستقبله ومستقبل أجياله القادمة ضريبة خطأ تاريخي كبير، ارتكبه بعض الأبناء الذين شاركوا بوعي أوبلا وعي بمشروع تدمير ليبيا، التي لا يمكن تصور أي حل لمعضلتها دون إنخراط كل أبنائها، لماذا ...؟ لان كل التجارب أثبتت أن حلول أي أزمة لا تكون مجدية إلا إذا كانت نابعة من فواعلها الداخلية، لا مفروضة من الخارج وأن منطق القوة لن يزيد إلا من تردّي الأوضاع وتفاقمها. وعليه، فإن أي حل يستثني الليبيين سيكون مصيره الفشل ولو بعد حين.
ومن ثم فالجزائر كانت أول الداعين، في غمرة صدمة وحيرة أحداث الربيع العربي، إلى الحوار بين الليبيين، وكانت سارعت إلى العمل للملمة الوضع، في هذا البلد الشقيق غير أن طائرات الحلف الأطلسي، فرضت منطق الحرب لتتحوّل ليبيا، بسبب ذلك التدخل العسكري إلى كرة لهب تنذر بحرق كل المنطقة، وعليه فموقف الجزائر ظل ثابتا لم يتغير، نابع من عقيدة وخيارات وطنية، يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ويبقي المساعي الدبلوماسية قائمة، سواء باحتضان المشاورات أو تقريب وجهات النظر بين البعثات الدولية، خاصة بعد الإنزال الأخير للمرتزقة الدواعش داخل البلد، وخطورة الموقف على الأرض وانعكاساته على دول الجوار(يفرج الله).
بقلم :عماره بن عبد الله - كاتب جزائري
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت