فتح تكليف وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، الباب على توقعات محفوفة بالتشاؤم، نظرا للتعقيدات الكبيرة المحيطة بالمشهد السياسي في البلاد، والجدل الناشب بشأن استقلالية علاوي عن الأحزاب السياسية والتدخلات الخارجية، ومدى قدرته على الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي في بغداد ومدن الجنوب (ذات الأغلبية الشيعية)، الذي اندلع منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
الشارع العراقي الغاضب لم ينتظر كثيراً، إذ سرعان ما نزل إلى الميادين للتعبير عن رفضه المباشر لتكليف علاوي، من ساحة التحرير وسط بغداد، إلى ساحات الناصرية وميسان والبصرة وبابل وكربلاء والنجف، التي رفع المحتجون فيها صورة لعلاوي مكتوب عليها «مرفوض باسم الشعب».
ودخل علاوي معترك السياسة عام 2005، وفاز بعضوية البرلمان لدورتين متتاليتين في 2006 و2010، ضمن قائمة «الوطنية العراقية» بزعامة إياد علاوي، وتم تكليفه بحقيبة الاتصالات مرتين لكنه استقال في المرتين، احتجاجاً على ما قال إنه «تدخل سياسي في شؤون وزارته من جانب رئيس الوزراء في حينه، نوري المالكي».
وعود غير قابلة للتنفيذ
وتعهّد علاوي بـ«تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب، وبعيدة عن المحاصصة». ووعد بالعمل من أجل «تلبية مطالب المحتجين، وحماية التظاهرات السلمية، ومعاقبة المسؤولين عن قتل المحتجين»، كما تعهّد كذلك بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، الذين سجنوا خلال الاحتجاجات.
وأكد علاوي أنه «سيحارب الفساد المتفشي بالعراق بشكل جدّي، وسيعمل على حصر السلاح في يد الدولة». وأضاف أنه سيستقيل إذا حاولت الكتل السياسية فرض مرشحين للمناصب الوزارية. وإقليمياً، شدد علاوي على أنه لن يسمح بـ«تحويل العراق ساحة لصراع إقليمي وتصفية حسابات»، متعهداً بـ«حماية العراق من أي تدخل خارجي».
وشمل برنامج علاوي، الذي تضمن 14 تعهداً؛ «إلغاء اللجان الاقتصادية للأحزاب والقوى السياسية»، التي تعدّ المورد الرئيسي للأحزاب والكتل السياسية، التي تحصل عليها من خلال هيمنتها على الوزارات والعقود التجارية.
ورأى مراقبون أنّ تعهدات علاوي بدت متفائلة جداً في ظل الصعوبات والمعوقات القائمة، وأهمها «هيمنة الكتل السياسية الفاسدة على المشهد السياسي». هذا فضلاً عن أنّ «بعض التعهدات المتعلقة بتحسين الواقع الاقتصادي تحتاج إلى فترة زمنية طويلة، والبعض الآخر يتطلب قرارات جريئة قد تستدعي المواجهة المسلحة مع المتمردين على القانون وسلطة الدولة».
وأضاف المراقبون أنّ وعود علاوي وتبرّؤه من الطبقة السياسية الفاسدة، التي كانت أصلا وراء اختياره للمنصب، وتقرّبه من المحتجّين والزعم بأنّه مرشّحهم، عنت للشارع المنتفض أنّ الرجل شرع منذ البداية في «ترويج الأوهام على طريقة كلّ من سبقوه إلى رئاسة الحكومة، وأنّه مرفوض مثل سلفه المستقيل عادل عبدالمهدي»، علماً أن سيناريو تكليفه لا يختلف عن سيناريو تكليف عبد المهدي؛ إذ تم باتفاق بين «كتلة الفتح» بزعامة هادي العامري، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وكان الصدر عبّر عن دعمه لتكليف علاوي، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قام أنصاره بالاعتداء على المحتجين ومطاردتهم في بغداد وبقية المحافظات، في محاولة لتفكيك خيم الاعتصام وفضّ التظاهرات الرافضة لتكليف علاوي.
فوضى السلاح؟
واعتبر المراقبون أنّ علاوي رفع من سقف وعوده، على نحو يتجاوز بكثير قدرته على تنفيذها، وعلى سبيل المثال، فإنّ الوعد بـ«حصر السلاح بيد الدولة»، ساهم في الانتقاص من مصداقيته، حيث يعلم العراقيون أن ما يعرضه الرجل في هذا الشأن «مجرّد أوهام سوّق لها قبله كلّ من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ورئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي»، من دون أن ينجحا في ذلك، أو يقلّصا من سلطة الجماعات المسلحة وسطوتها على عملية صنع القرار، في ظلّ تداخل نفوذها السياسي والعسكري مع سلطة الدولة.
وتظهر الكثير من العوامل والمعطيات أنّ ضبط فوضى السلاح، وإنهاء نفوذ التنظيمات المسلحة، من أعقد الملفات التي ستواجه رئيس الوزراء العراقي الجديد في حال صدقت نواياه بتنفيذ وعوده، وهو أمر يستبعده المراقبون معتبرين أنه لا توجد مؤشرات مشجّعة تشي بقدرته على تنفيذ ذلك!!.
فؤاد محجوب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت