لن يحصل الفلسطينيون على أفضل مما عكفت على إعداده لهم إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، فمنذ لحظة تسلمها للسلطة وهي ترسم ملامح المنطقة كما تخيلها، وتخطط لمستقبل الإسرائيليين محليا وإقليميا دون الحاجة لتدخل الفلسطينيين وأقربائهم العرب، وبالرغم من ذلك فسيحصلون على الأمان من مخططات الاحتلال ومؤامرات العالم منذ اليوم، وستتوقف تعديات الاحتلال وجرائمه ويتوقف الاستيطان (مؤقتا) ثم وعد لهم بمستقبل اقتصادي عظيمٍ أساسه خمسة مليارات دولار ومناطق صناعية جديدة وانفتاح على الاقتصاد العربي وبالطبع الإسرائيلي، فلا ضير إن فتحت أعينهم على لا شيء: لا دولة، لا عاصمة، لا قدس، لا حدود، لا سلطة، لا سلاح، لا تعليم، لا مستقبل، لا دين، لا عروبة، لا كرامة، لا حرية، لا شيء أبدا.
مخطئ من يظن هذه الحالة حالة جديدة وليدة اللحظة أو مؤامرة يقودها رجل مراهنات أمريكي وقح وصل بطريقة مشبوهة لرئاسة أكبر وأقوى بلد في العالم، فلعلها بدأت بالتآمر على وجود الشعب الفلسطيني أساسا في القرن التاسع عشر، ثم الدعاية الصهيونية لإعطاء أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وادعاء العالم بأن الشعب الفلسطيني أقلية عرقية ودينية تعيش مع اليهود على أرضهم كما صرح به بلفور في وعده المشؤوم، وللأسف أقر بها المفاوض الفلسطيني كأساس لعملية السلام وتقبلها كمرجعية غير معلنة لاتفاقياته المبرمة مع الاحتلال بداية من أوسلو التي قبل فيها حكما ذاتياً وكأن الشعب الفلسطيني أقلية على أرضه لا حق له ولا تاريخ، وهي مبرر السلطة لمواصلة التنسيق الأمني والدافع وراء تجريم المقاومة ونزع سلاحها.
يتعامل الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين برؤية روادهم الأوائل وغرورهم وعنجهيتهم، فلم يعترف بيجن بوجودهم وأنكرت غولدا مئير مأساة اللاجئين، ويلتقي معهم ترامب بنظرته للعلاقة بين الفلسطينيين والصهاينة بمرآة كولمبوس والهنود الحمر التاريخية، فلا وجود للفلسطيني إلا كسوق استهلاكي لمنتجات المغتصبات الصهيونية، أو كأيدي عاملة داخل فلسطين التاريخية المغتصبة والمغتصبات لصالح الاحتلال، ولربما كانت لهم حاجة لوسطاء لترويج المنتجات الصهيونية في الدول العربية، أو وكلاء لتنفيذ الخدمات لمن يتحرج من طلبها من الصهاينة، لكن ذلك لم يعد مهما فالعالم اقتنع بنظرية أن إسرائيل واحة الديمقراطية والحرية والعلم والتقنية في العالم، وقبولها كدولة صديقة أو شقيقة هو نهاية المطاف والقدر الذي لا مفر منه.
والحقيقة المُرّة أن من يُعطي ما لا يملك لمن لا يستحق كان ملاحقا، وسيظل ملاحقا من سياسيي بلده لسوء خُلقه وقلة حنكته السياسية ونرجسيته التي لا يوازيه فيها أحد ثم تعديه على البروتوكولات والأعراف الدولية المعروفة، ولكن ذلك لا يعني تبرؤهم من صفقته إن نجحت فهو لن يكلف اقتصادهم شيئا ولن تؤثر على علاقاتهم الدولية أو مصالحهم بالوطن العربي إلا إيجابيا، أما نتنياهو فهو خارج المشهد السياسي لولا عدم وجود شخص بمكره ودهائه ليقود المرحلة، وتنقصه الشرعية الدستورية إن وجدت شرعية حقيقية داخل إسرائيل، ووصوله لهذا المفصل المهم في تاريخ القضية الفلسطينية سيجعل منه بطلا قوميا بدل نذل مرتش وقاتل، ومهزوم في أكثر من مرة بالحرب على غزة.
وبالرغم من الصخب الذي يرافق هذه المؤامرة إلا أنها تعطي الإسرائيليين ما حصلوا عليه فعلا على الأرض بعد سنين من المراوغة في المفاوضات، وفرض الأمر الواقع في ظل عجز السلطة الفلسطينية سياسيا ونبذها المقاومة فكرا ومنهاجا، ثم صمتِ العالم عن تجاوزاتها الاتفاقات التي تم التوصل إليها برعاية دولية، كما أن الفلسطينيين فقد تم عزلهم عربيا ودوليا في ظل الرِّدة التي انفجرت بعد الربيع العربي، وتجردوا تدريجيا من أي مقومات اقتصادية وسياسية لدولة حرة مستقلة قادرة على الاستمرار في غياب الوحدة السياسية والعضوية بين الضفة وغزة، والتنافس على المصالح الفئوية الخاصة وتجاهل وحدة الوطن وسلامة أراضيه، ثم استمرار النزاع حول تصدر المشهد والتأثير في الرأي العام.
ولن تخسر الولايات المتحدة شيئا فالفاتورة ستصل إلى الدول العربية الغنية بالنفط التي ستسعد أن تضع عن عاتقها حمل قضية فرض عليها أن تتصدر المشهد لعقود دون أن يكون لها حل يرضي الأسياد في البيت الأبيض ويخدر الشعوب العربية، ولن تمانع مصر بالتخلي عن مناطق تمتلئ بمقاتلي داعش ومهربي الأسلحة والمخدرات من دولة العدو وتسليمها للفلسطينيين ظاهريا وللمغتصبين فعليا، ولن يسمع أحد احتجاجات الأردن حكومة وملكا خاصة في وضعها الاقتصادي المتردي ووقوفها صامدة أمام إعصار ما سمي بالربيع العربي وامتداداته، وبالرغم من تردي العلاقات بينه وبين الكيان الصهيوني خاصة بعد رفض تمديد (عقد إيجار) الباقورة والغمر، ورفض الأردن تغيير وضعه الصوري في المسجد الأقصى، إلا أن خياراته على الأرض محدودة وإمكاناته السياسية أقل من الوقوف بجدية بوجه هذه المؤامرة، أما باقي أنظمة عالمنا العربي فهي مثخنة بعد معاركها الوجودية الأخيرة.
وتبقى الآمال بشعوبنا العربية وأحرار العالم والمنظمات الشعبية، فالقضية تخص جميع المسلمين في العالم، بشهادة سورة الإسراء، وهي وصية مليار ونصف عربي ينتمي إليهم أبناء فلسطين، وهم ملزمون بالتبرؤ من هذه الخطة علانية من خلال مظاهرات تجتاح العالم والعالم العربي، لخلق تيارات ضغط حتى تعلن الحكومات موقفا واضحا منها، ثم التوجه إلى المحاكم الدولية لتجريم هذه الخطة ومن يحاول تنفيذها باعتبارها مخالفة للقرارات الدولية وتتعدى على أبسط حقوق الشعب الفلسطيني بدولة حرة مستقلة على أرضه، وإنشاء منظمة رسمية تعنى بحفظ تراث اللاجئين وتوثيق شجرة العائلة لكل فلسطيني داخل وخارج فلسطين وصور عن مستندات ملكيتهم لأرض فلسطين، وبالنهاية دعم الاقتصاد الفلسطيني ليكون منتجا وفعالا ماديا قادرا على الحياة بعيدا عن التبعية للصهاينة واللعبة السياسية.
أما عنوان المقال سيدي القارئ فهي هلوسات تدور في خاطري والمطلعين والمحللين، حين سمعوا ما ابتدأ به ترامب خطابه بإدانة التطرف الإسلامي واعتباره العدو الأول لحاضر ومستقبل المنطقة، والتسبيح بحمد إسرائيل واحة التقدم والنور الذي يشع على الشرق الأوسط والعالم، صاحبة الوعد الغليظ، وليس هناك وعدٌ يمكن تفسيره إلا عودة المسيح ليحكم العالم من القدس، وأن الفلسطينيين يتقلبون في جحيم الفقر والتطرف وترامب هو المبعوث مخلصا لكلا الشعبين، إذن فهي إحدى الخطوات الممهدة لعودة مخلصهم الموعود ولن يكون بعدها إلا بناء الهيكل اليهودي على أنقاض قبلة المسلمين وآية كتابهم ومفتاح عزتهم لا قدر الله.
أ.أسامة نجاتي سدر
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت