إن التعبير عن مفهوم حقوق الانسان يعني أن يعيش الانسان حياته دون خوف أو ظلم أو قمع أو اهانة، وهذا ما يجب أن يعزز في كافة المجتمعات على حد سواء رغم اختلاف الثقافات والعادات وعمليات التفكير التي تسود كل منها، إنما أصبح هذا المفهوم يشكل هاجساً لبعض الأنظمة الحاكمة والدول التي تتغنى بهذه الحقوق نتيجة سياساتها الخاطئة، لا سيما أننا نتحدث عن مجتمعِ وشعبِ يفتقد لأدنى حقوقه المشروعة سواء على صعيد الداخل أو الخارج. ولهذا المفهوم أثاره الايجابية في حال توفرت مساحة لممارستها كون أننا نتحدث عن حالة كالمجتمع الفلسطيني الذي لا يخلو من الأزمات المتواصلة، فما أحوجنا إلى توفير أفكار ونوايا إيجابية تعزز من هذه القيمة والتي تساهم في بناء مجتمع مدني على أسس ديموقراطية تتحقق فيه العدالة والحرية وسائر الحقوق الأخرى، وذلك وفقاً للوثيقة الحقوقية الدولية التي صدرت 1948الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
منذ أن احتل الشعب الفلسطيني من قبل اسرائيل وهو يعاني الويلات والنكبات نتيجة حالة عدم التزامها وايفائها بكافة الحقوق التي تكفلها المواثيق والقرارات الدولية باعتباره شعبا يعيش تحت الاحتلال، وذلك بدءً من اقتلاعه من أرضه عام 1948 وتهجيره، إلى عمليات الاعتقال المستمرة، والاستهداف المباشر للمدنيين، وصولاً إلى الحصار الاسرائيلي المستمر من اغلاق معابر ومنع المرضى من العلاج إلى ما آلات إليه الظروف في واقعنا الحالي الذي نعيشه، حيث مثلت هذه الممارسات الاسرائيلية انتهاك صارخ على حقوق الانسان الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تختلف أشكال الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطيني، فحسب الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني - حشد في تقريرها لعام 2019 أظهرت أن استهداف المدنيين في مسيرات العودة السلمية (جرائم حرب) أدى لاستشهاد 35 متظاهر، ما رفع حصيلة الضحايا إلى (216) قتيلا منهم (47) طفلاً، وامرأتان، و(9) من ذوي الإعاقة، و(4) مسعفين، وصحفيان، أما الإصابات فارتفعت إلى (14810) مصابًا، منهم (3699) طفلاً، و(389) امرأة، و(255) مسعفًا و(219) صحفيًّا، إضافة إلى الهجمات الحربية على قطاع غزة التي انتهت بتاريخ 12 نوفمبر والتي أسفرت عن استشهاد (36) مواطناً وإصابة العشرات، وتدمير المنازل والعمارات السكنية. وأشارت الهيئة إلى أن عدد الشهداء الفلسطينيين بلغ خلال العام المنصرم 142 شهيدًا/ة، منهم 5 معتقلين استشهدوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي على يد قواتهم، باستثناء اثنين قتلهم المستوطنون، والإعدامات الميدانية اليومية في القدس والضفة الغربية التي راح ضحيتها 17 فلسطيني واحتجاز بعض جثامينهم.
حيث أن الملامح والظواهر خلال عام 2019 ظهرت بأبشع صورها من خلال ما يفعله الاحتلال أولاً، وما يتعرض له المواطن من قبل الحاكم الفلسطيني ثانياً، كما أصبحت علاقة الحاكم بالمحكوم هي من تحدد الحقوق والواجبات، وهذا يأتي منافياً لمفهوم حقوق الانسان الذي يُنشد في كل موطن يكون خالي من أي انتهاك او اعتداء على واقع الحقوق الفردية أو الجماعية.
عام 2019 أكدت أن قوات الاحتلال الاسرائيلي تقوم بفرض عقوبات جماعية على الشعب الفلسطيني من خلال ما ذكر لا سيما في القدس من تهويد واعلانها عاصمة لدولة الاحتلال، والضفة من استيطان واعتقالات ومداهمات، وقطاع غزة من حصار واستهدافات للمدنيين والمباني السكنية وغيرها، لذا ما نراه اليوم يحُتم علينا كمشروع وطني تحرري أن يكون لدينا حسن البادرة في تخليص أنفسنا من هذه الشوائب، والسعي نحو بناء مجتمع يؤمن بالحرية والديمقراطية التي تضمن الحقوق الأساسية لكل مواطن، إضافة لمجمل الحقوق الفردية والجماعية. لكن الملاحظ أن الواقع السياسي المنقسم أثر وبشكل سلبي كبير على واقع الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية من حيث تزايد حالات الاعتقال السياسي في شقي الوطن، والتقييد المستمر للرأي والتجمعات السلمية، وغياب ثقافة الايمان بالأخر، وتراجع الأوضاع المعيشية، إضافة للإجراءات التي تضرب جوهر البناء الوطني وسير العملية القانونية الدستورية.
والسؤال الجوهري، هل ستبقى الحالة الحقوقية للإنسان الفلسطيني تعيش دور التراجع خلال عام 2020، وهل بالإمكان تعزيزها؟ مع تسارع المتغيرات والظروف المحيطة بات واضحاً أين تكمن عملية الحل في إنهاء كافة المظاهر التدميرية التي تعيشها حالة حقوق الانسان في فلسطين والاسهام في كيفية تمكينها وأخذ دورها الكافي، وهذا كله لن يتم بمعزل عن تحقيق عدة جوانب هامة أبرزها: إنهاء كل أشكال الانقسام الداخلي واستعادة الوضع القانوني السليم، وتعزيز الدور السياسي للمواطن الفلسطيني بما يخدم حقوقه كافة عبر بوابة المصالحة الفلسطينية، وخلق وعي وطني جامع يعزز من القيم الوجودية للإنسان الفلسطيني وقضاياه التي تتعرض للانتهاك سواء من طرف الاحتلال أو الأنظمة الفلسطينية الحاكمة، إضافة لإحياء الدور الجماعي في التخلص من الأزمات الموجودة، وإعطاء مؤسسات حقوق الانسان مساحة كافية للقيام بدورها على أكمل وجه ومنع تعرضها للانتهاك لتقديم صورة حقيقية عن الواقع.
عودة على انتهاكات الاحتلال، أوضحت الهيئة العقوبات الجماعية تبرز من خلال إغلاق المعابر أمام التجار والمرضى الفلسطينيين، حيث حرم قرابة 8000 مريض من السفر لتلقي العلاج اللازم لهم في مشافي خارج القطاع، وتفاقم المعاناة الإنسانية، حيث تعاني قرابة 70% من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة من انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع نسبة الفقر إلى 75%، والبطالة إلى 52%، إضافة إلى أزمات المياه والكهرباء والصحة، واعتقال الصيادين والمزارعين واطلاق النار عليهم. فيما ذكرت أن عام 2019 شهد حملات مداهمة واعتقال بشكل كبير، حيث وصل عدد المعتقلين عشوائياً إلى أكثر من 5500 من المدنيين بالضفة والعشرات في غزة، ويوجد في سجون الاحتلال أكثر من 5 الاف اسير بينهم 900 أسير مريض، كما بلغ توغل الاستيطان الاستعماري في مدن الضفة والقدس المحتلة ما نسبته 45%، إضافة لهدم 180 منزلًا وتهجير 669 شخصًا. حيث أشارت إلى أن حكومة الاحتلال وبدعم أمريكي عملت على استهداف "الأونروا" في إطار سعيها لتصفية وتقويض عمل هذه المنظمة التي تعد بمثابة الشاهد الأخير على نكبة 1948 وما تبعها من مآسي، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال ارتكبت 760انتهاكًا بحق الصحفيين، إضافة للإغلاق القسري ومصادرة الممتلكات الصحفية.
وحول مدى تعاطي المؤسسات الحقوقية والاعلامية والجهات المختصة مع حالة حقوق الانسان، يتنامى دور تلك المؤسسات في السعي نحو توثيق ونشر هذه الجرائم التي تنتهك الحالة الحقوقية في فلسطين، وهذا ما يتطلب إلى ضرورة تعزيز التنسيق المشترك بين المؤسسات الحقوقية والاعلامية من أجل تكامل الأدوار، إضافة إلى الاطلاع المستمر من قبل الجهات المسؤولة على واقع الحالة والسعي نحو وضع حلول فورية عاجلة من أجل منع تفاقمها وازدياد الحالة تعقيداً نظراً لما نعيشه اليوم من ظروف سياسية معقدة واقتصادية متردية واجتماعية مفككة.
المعروف أن أهمية احترام الحقوق الفردية وحقوق الإنسان ظهرت مع تطور المجتمعات والعلاقات الاجتماعية، والتي على اثرها تشكل هناك رداعاً للأنظمة الحاكمة خاصة منها المستبدة، والتي تعمل على استغلال الانسان وانتهاك مجمل حقوقه، لذلك هذا يتنافى تماماً مع واقع الحالة الحقوقية التي تعيش التردي في مجتمعنا الفلسطيني والذي بات مهدد نتيجة غياب القانون الذي ينظم سير العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ووفقاً لورقة سياسات عامة بعنوان "سبل انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية" هذا يستدعي إلى ضرورة العمل على نشر ثقافة حقوق الانسان وتوضيح أهميتها، وتفعيل استخدام الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان، وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية في حماية حقوق الإنسان وضمان احترام وتطبيق القواعد والسياسات الناظمة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
لكن هذا كله، يبقى معالجته مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بحق الانسان الفلسطيني في ممارسة حقه في الانتخاب والترشح باعتباره مدخلاً قانونياً يمكن من خلاله نشر ثقافة حقوق الانسان، وتعزيز الصمود الداخلي أمام المشاريع التصفوية التي تهدد وجود الانسان الفلسطيني وحقوقه المشروعة في ظل استمرار الانتهاكات الاسرائيلية والتآمر الأمريكي، إضافة للانقسام الداخلي الذي عطل الحياة بمختلف أشكالها القانونية والسياسية وغيرها، لذلك المطلوب فلسطينياً، تحرك جدي وحازم في إتمام المصالحة الفلسطينية باعتبارها البوابة الأمنة لشعبنا وحفظ حقوقه المشروعة، وانهاء كل أشكال التفرد والهيمنة التي يقودها طرفي الانقسام والبحث عن سبل الشراكة السياسية التي تدعم الحياة السياسية والحقوقية وتجعلها تسود وفقاً لقانون يخضع له الجميع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تفي بالمتطلبات الوطنية والانسانية، والعمل على إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير المرجعية والمظلة الوطنية للشعب الفلسطيني في كل مكان بما يوفر نظام سياسي على أسس ديمقراطية توحيدية.
إضافة إلى ذلك أن يتم العمل على صعيد أخر من خلال تفعيل الدبلوماسية الخارجية، والعمل على مخاطبة المؤسسات والمنظمات الدولية للتحرك الفعلي لفضح جرائم الاحتلال الاسرائيلي، والمطالبة بوقف كل أشكال ممارساته العدائية بحق الشعب الفلسطيني من قتل واعدامات واستيطان وجرائم حرب متواصلة بحق المدنيين، والتأكيد على تطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها 194 الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم.
السؤال، كيف يمكن مواجهة صفقة القرن أمام الحالة الصفرية لحقوق الانسان في فلسطين بعد مرور 13عام من الانقسام وتفشي عوامل التشظي؟!
بقلم: حمزة حماد
صحفي من غزة
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت