يبحث الكيان الصهيوني عن رئيس جديد للسلطة الفلسطينية يكون «براغماتيا» من أجل التوصل إلى حل لما يسمى النزاع في الشرق الأوسط، بحيث تفتح «صفقة القرن» الأبواب على مصارعها أمام هذا الحل في المرحلة المقبلة.
ويصر الذين حاكوا الصفقة المؤامرة في الكيان الصهيوني وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أنها «فرصة تاريخية للفلسطينيين». ومن هؤلاء المبعوث الأميركي السابق لشؤون المفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، الذي قال «هذا وقت تاريخي للفلسطينيين، بإمكانهم الانخراط والمضي قدما على الطريق لرؤية إن كان يمكن للسلام أن يتحقق أو بإمكانهم اختيار عدم القيام بذلك والوقت سيمضي».
أما رئيس الوزراء الصهيوني المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، فقد أكد أن «الصفقة تضمن اعترافا أميركيا بضم المستوطنات وغور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل»، مضيفاً في مقال نشره في صحيفة «يسرائيل هيوم» الصهيونية، يوم الجمعة الماضي: «نحن والولايات المتحدة سنقرر إذا استوفى الفلسطينيون شروط قيام دولة فلسطينية (وهي شروط تعجيزية)، والخطة مختلفة عن أي خطة تم طرحها في الماضي وتشكل «فرصة تاريخية» لإسرائيل».
بنيامين نتنياهو خاطب الناخبين الصهاينة عموما، وناخبي اليمين واليمين المتطرف خصوصا، قائلاً: «الخطة تفرض شروطا متشددة وصارمة على الفلسطينيين مقابل صفقة مستقبلية، وبين أمور عديدة، تلزم الخطة بتغيير أساسي للمجتمع الفلسطيني».
هذه الشروط المسبقة مطلوب من الفلسطينيين تنفيذها قبل الدخول في مفاوضات سياسية، ومن أجل إنهاء المفاوضات السياسية، عليهم استيفاء الشروط التالية:
– الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة «يهودية».
– الاعتراف بالقدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل.
– الموافقة على سيطرة أمنية إسرائيلية على كل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن، جوا وبحرا وبرا.
– وقف التحريض ضد إسرائيل، بما يشمل المنهاج الدراسي في كتب التدريس وجميع مؤسسات السلطة الفلسطينية.
– نزع كامل للسلاح في غزة ومن أيدي جميع السكان الفلسطينيين.
– التنازل كليا عن «حق العودة».
– إجراء انتخابات حرة، وضمان حرية الصحافة، والدفاع عن حقوق الإنسان، والحفاظ على حرية العبادة، ومنح مساواة في الحقوق للأقليات الدينية.
وإضافة إلى ذلك، بعد توقيع الصفقة، إذا لم ينفذ الفلسطينيون الشروط الأمنية المطلوبة منهم، فسيكون بإمكان إسرائيل قلب الخطوات التي نص عليها الاتفاق.
إن قراءة دقيقة للشروط آنفة الذكر، تشير حتما إلى أنها أكثر خطة ودية تجاه الكيان الصهيوني. وبحسب اعتراف نتنياهو: «هي انقلاب تاريخي لمصير إسرائيل، ولأول مرة، خطة ترامب تفعل العكس تماما لكل ما تم طرحه في خطط سياسية سابقة».
فعن أي رئيس جديد للسلطة الفلسطينية يكون «براغماتيا» يبحث عنه الكيان الصهيوني، لكي يتنازل كليا عن حقوق الشعب الفلسطيني ويقبل تصفية القضية الفلسطينية برمتها، ومن ينتبه إلى قول نتنياهو: «نحن والولايات المتحدة سنقرر إذا استوفى الفلسطينيون الشروط التعجيزية» يدرك تماما حالة الاستكبار العدوانية التي يتصف بها أطراف المؤامرة.
ما كان الشعب الفلسطيني ليقاوم ويصمد كل هذه العقود الزمنية من الصراع الوجودي ضد المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي، ويقدم التضحيات الجسام على الصعد كافة حتى يقبل اليوم بخطة أو صفقة أو بمشروع يذهب بقضيته ومستقبله أدراج الرياح. وبالتالي لن يجد العدو الصهيوني والإدارة الأميركية زعيماً أو رئيساً أو قيادياً أو فرداً فلسطينياً يتنازل عن بيت المقدس وأكنافه مقابل حكم ذاتي أو سلطة مسخ أو دويلة لا تسمن ولا تغني من جوع.
من خلال ما سلف يمكن الاستنتاج أن «صفقة القرن» تنطوي على أبعاد متعددة، متصلة باللحظة السياسية والإستراتيجية، والسياق التاريخي، وموازين القوى، والخلفيات الأيديولوجية، وغيرها من العناوين ذات الصلة، غير أن هذا كله وغيره لن يجبر الشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية على إنهاء الصراع الوجودي بجرة قلم صهيو أميركي رجعي حتى لو بقي سيالا لعقود زمنية طويلة مقبلة.
إن تحرير فلسطين واجب لا يمكن للمنطقة أن تشهد النهوض من دون إتمامه. وهذا يتطلب إطلاق يد المقاومة الشاملة في كل فلسطين التاريخية وعبر الحدود وعموم المنطقة. والصفقة الترامبية، فرصة حقيقية لتكريس وحدة الشعب الفلسطيني وقواه الحية وللأمة العربية لإعلان وفاة مشاريع التسوية والتصفية حيث لا يفل الحديد إلا الحديد.
كتب نعيم إبراهيم
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت