كيف يمكن قراءة هجوم بيرني ساندروز،أبرز مرشحي الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية على بنيامين نتنياهو ووصفه بـ«العنصري» و «الرجعي»؛ وماذا يعني أن تُدرج سبل حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ضمن مواضيع المناظرات حاليا بين مرشحي الحزب؟
وهل يعني تأكيد ساندرز على ضرورة «عدم تجاهل معاناة الفلسطينيين» أنه يتبنى سياسة أميركية رسمية «جديدة»، أم أنه يظهِّر هنا أمام الناخب الأميركي (وأطراف أخرى) أن سياسات «الجمهوريين» عبر إدارة ترامب تجاه هذا الملف تفتقد إلى «التوازن» الذي كانت تمثله «الإدارات الديمقراطية» في إدارة ملف التسوية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني؟
وهل ستنعش هذه التصريحات أمل البعض في الدور الأميركي والرهان على فوز مرشح الحزب الديمقراطي، على اعتبار أن هزيمة ترامب يعني سقوط «صفقته»؟
لايمكن ـ من حيث المبدأ ـ تجاهل أهمية مواقف ساندرز وعدد من زملائه من مرشحي الحزب الديمقراطي الأميركي خلال المناظرة التي تجري خلال المنافسة على الفوز بتمثيل الحزب في الانتخابات الرئاسية. وخاصة أن انتقادات سياسة ترامب تجاه الموضوع الفلسطيني انصبت على نقل السفارة الأميركية إلى القدس وشطب «حل الدولتين» واعتماد مبدأ فرض الحل على الفلسطينيين بدلا من ربطه بنتائج التفاوض الثنائي، وكذلك هجوم ساندرز على «أيباك» بسبب ارتباطها بـ«بالقادة الذين يعبرون عن التعصب ويعارضون الحقوق الفلسطينية»، ومن الواضح أنه يقصد من بين هؤلاء نتنياهو.
ومن الضروري القول إن الهجوم على سياسات إدارة ترامب بخصوص القضية الفلسطينية أمر مهم وخاصة على لسان المؤسسات والشخصيات والقوى الأميركية، ومن بينها مايصدر على لسان أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ.
ومن الضروري أيضا، في الوقت نفسه، التأكيد على أهمية وضع هذه المواقف في حدودها الواقعية وسياقاتها السياسية والظرفية، كونها ماتزال مسقوفة بأسس الاستراتيجية الأميركية الراسخة لدى الحزبين الأميركيين«الديمقراطي» و«الجمهوري»،تجاه مجمل الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي المقدمة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها منذ العام 1948.
ولذلك، يوجد فرق جوهري مابين الاهتمام بالتعارضات المعلنة بين الحزبين «الديمقراطي» و»الجمهوري» بشأن الملف الفلسطيني وتظهير هذه التعارضات، ومابين النظر إلى مواقف ساندرز وعدد من زملائه باعتبارها «سياسة أميركية جديدة» تجاه مآلات التسوية الساسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبالتالي، النظر إلى فوز مرشح «الديمقراطي» وهزيمة ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية باعتباره ليس فقط هزيمة لـ«صفقة القرن»، بل وأيضا بوابة «مرتجاة» لعودة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مع عودة «الراعي السابق» للتسوية بالشروط التي انطلقت وفقها بعد توقيع اتفاق أوسلو. وتستند هذه النظرة الخاطئة إلى قناعة كارثية تقول بأن «أوسلو» و«صفقة القرن» مساران متناقضان تماما.
صحيح أن ملفات الخلاف مابين الحزبين الأميركيين عشية الانتخابات الرئاسية كثيرة ومتشعبة في السياستين الداخلية والخارجية ، وهي ربما الأكبر بينهما منذ عقود، لكن مراجعة الدور الأميركي تجاه التسوية في عهد ولايتي باراك أباما (الديمقراطي) المتعاقبتين، لم يسجل أي ضغط على حكومات نتنياهو بشأن الاستيطان وهدم المنازل والتطهير العرقي ،مع أن أوباما في خطابه الشهير بالقاهرة (4/6/2009) قد دعا إلى تجميد مؤقت للاستيطان وإلى وقف هدم المنازل، وتحدث عن ضرورة قيام دولة للفلسطينيين.
وفق ماسبق، تشكل هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية ضربة قوية لـ«الصفقة»، لكنها لاتسقطها تماما. ويعود هذا الاستخلاص إلى سببين: الأول هو أن لهذه الصفقة حامل أساسي هو الاحتلال صاحب السلطة الفعلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو نشط في تطبيق عناوينها حتى قبل إعلانها، وسيستمر في ذلك حتى مغادرة إدارة ترامب،باعتبار أن «الصفقة» نتاج اندماج رؤية ترامب مع المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي.
والسبب الثاني أنه في حال قدوم إدارة ديمقراطية فهي لن تفعل شيئا بخصوص الشق الفلسطيني من الصفقة (الاستيطان،القدس،اللاجئين،الحدود). ويمكن العودة إلى ماجرى في «قمة كامب ديفيد 2» (تموز /2000)، للتأكد من أنه كان للإدارة الديمقراطية في ذلك الوقت صفقتها (صفقة كلينتون) بشأن كل القضايا المذكورة ، وقد رفضت فلسطينيا على المستويين السياسي والشعبي واندلعت بعد ذلك «إنتفاضة الاستقلال» (28/9/2000).
كما أن هذه الإدارة لن تفعل شيئا بخصوص الشق الإقليمي للصفقة ، فهي بحثت في محطات عدة مسألة «الحل الإقليمي» مع استعصاء المفاوضات الثنائية،كما أنها سعت في وقت اسبق من ترامب إلى تطبيع العلاقات الرسمية العربية ـ الإسرائيلية، لكن الظروف التي كانت تعيشها المنطقة ومكانة القضية الفلسطينية في العمل العربي المشترك في ذلك الوقت منعت الكثير من الرسميات العربية من القيام بخطوات تطبيعية معلنة مع الاحتلال.
وهذا يعيدنا إلى الدور المفترض للولايات المتحدة باعتبارها دولة عظمى ودائمة العضوية في مجلس الأمن، ممايعنى نزولها عند قرارات الأمم المتحدة بدلا من ازدراء هذه المؤسسة الدولية ومايصدر عنها من قرارات. وسيكون الدور الأميركي مطلوبا دائما لما تتمتع به من قوة سياسية، لكن تحت سقف الأمم المتحدة وليس خارجها وضمن مؤتمر دولي بإشرافها، وليس كما كان الأمر عليه منذ بدء عملية التسوية قبل نحو ربع قرن.
ومن المتوقع، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية أن تنشط الرهانات مجددا على فوز المرشح الديمقراطي، متكئة على فظاعة ماتطرحة إدارة ترامب بشأن القضية الفلسطينية وآلية فرض خطتها على الفلسطينيين والمنطقة، دون استرجاع التجربة الماضية مع الإدارة الديمقراطية والتي ساهمت في إطلاق يد التوسعية الإسرائيلية وممارسة أشد أنواع الضغط على المفاوض الفلسطيني حصرا.
الرهان الوحيد المجدي هو على الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها السياسية والمجتمعية من زاوية إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري وفق استراتيجية موحدة تعتمد الانتفاضة والمقاومة وتدويل القضية في مواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، وعلى طريق التقدم على سكة تجسيد الحقوق الفلسطينية ووفق بوصلة قرارات المجلسين الوطني والمركزي.
من دون ذلك، وحتى لو هزم ترامب في الانتخابات، سيواصل المشروع الاستعماري الاستيطاني تغوله على حقوقنا ومستقبلنا الوطني، والمضي باتجاه إقامة دولة «إسرائيل الكبرى».
محمد السهلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت