المؤشرات والمعطيات السياسية والميدانية للوضع في محافظة إدلب السورية، تتراوح حتى الآن بين التصعيد العسكري القائم، والمساعي الدبلوماسية المستمرة الرامية إلى التهدئة، على رغم فشل المباحثات والمحاولات التركية الروسية المتتالية للتوصل إلى اتفاق بينهما حول ملف إدلب، وهو ما ينذر بسيناريوهات غير محمودة، كان الكرملين حذّر من مخاطر الانزلاق إليها.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان وضع شرطاً للتهدئة، تطبيق اتفاق سوتشي بالكامل، وهو ما يعني انسحاب القوات السورية إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، فيما تسعى دمشق وموسكو إلى فرض معادلة جديدة تتمثل بتثبيت الوضع الحالي بعد التقدّم الذي حققه الجيش السوري.
صواريخ باتريوت
وأمام إصرار أردوغان على «مغامرته» وتورطه في سوريا، ونشر عدد كبير من وحداته العسكرية في إدلب، تساءل العديد من الخبراء عن فائدة وجدوى ذلك، مادام لا يملك السيطرة على الجو!. ولعل ذلك، هو ما دفعه إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة لتزويد أنقرة ببطاريات «باتريوت» الصاروخية. ويُعدّ هذا الطلب تغيراً مفاجئاً من قبله، بعد أن اشترت تركيا منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية «أس 400»، (على رغم اعتراض الأميركيين)، وهو ما أثار جدلاً لم ينتهِ بعد بين البلدين.
تردّد وجدل أميركي
ولم يصدر عن واشنطن بعد موقف واضح بشأن الطلب التركي. ونقلت مصادر إعلامية أميركية أنّ ثمة جدلاً يدور داخل أروقة مراكز القرار الأميركي حول طبيعة الدعم الذي يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لتركيا، وأن هناك وجهات نظر متعددة ما بين الكونغرس والبنتاغون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض، في هذا الشأن.
وتقول المصادر إن الخارجية الأميركية تحبّذ أن تُقدم واشنطن على انهاء الحظر الذي تضعه الولايات المتحدة، منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، على بيع منظومة باتريوت إلى تركيا. وتستند الوزارة في مقاربتها إلى موقف الرئيس دونالد ترامب الذي كان دافع عن موقف الرئيس أردوغان بشأن قراره شراء منظومة أس-400 الروسية، محملاً سلفه أوباما مسؤولية عدم توفير خيار آخر أمام أنقرة.
ويشير مراقبون إلى أنّ «برودة واشنطن حيال أنقرة في ملفات كثيرة»، ومنها الملف السوري، هي المسؤولة عن تنامي علاقات تركيا مع روسيا، مُعتبرين أن واشنطن استثمرت في دعم الجماعات الكردية المسلحة (قوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية)، في إطار الخطط الأميركية لمحاربة تنظيم داعش، وأن هذا الاستثمار أضرّ بعلاقاتها مع تركيا، على رغم التحالف التاريخ بين البلدين!.
وردّاً على ذلك، تتحدث تقارير أميركية عن توسّع الجدل في واشنطن بدعم «خيار الدفع لاستعادة تركيا كحليف للولايات المتحدة». وكان ترامب أجرى اتصالاً مع نظيره التركي عبّر من خلاله عن تضامن الولايات المتحدة مع تركيا.
في المقابل، ثمة وجهة نظر أخرى، يقودها مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، تعتبر أن تركيا «ذهبت بعيدا في علاقاتها مع روسيا، وأنه بات من الصعب تخيل استعادة التحالف معها وتخليها عن علاقاتها الاستراتيجية المتقدمة مع روسيا (عسكرياً واقتصادياً وسياسياً)، على نحو يتجاوز المسألة السورية». ويكرّر أنصار هذا الرأي أنه إذا كان واجب واشنطن و«الناتو» مساندة تركيا عسكرياً، فمن واجب أنقرة تجاههما «الابتعاد عن موسكو وعن السلاح الروسي، وهو ما لم تفعله بعد».
ويشير هؤلاء إلى أنّ أنقرة لا تبدي، في الوقت الراهن على الأقل، أية رغبة أو نية في تقديم التنازلات التي تطالب بها واشنطن، علماً أن الأخيرة تريد من أنقرة، كما يرجّح المراقبون، أن تختار بين الـ«باتريوت» ومنظومة صواريخ «أس 400»؟، أو أقلّه أن تضمن أنها «لن تشغل الصواريخ الروسية أبداً»، في ما يصرّ أردوغان على أنّ هذا «الضمان لن يكون وشيكاً»!.
ورغم أن وزارة الدفاع الأميركية لم تدلِ برأي حاسم في إطار هذا الجدل، إلا أن البنتاغون ما زال «لا يستسيغ القبول بتعايش منظومة باتريوت الأميركية مع منظومة أس-400 الروسية، في بلد هو عضو داخل منظومة الناتو العسكرية»، منطلقاً كذلك من أن وجود سابقة في هذا الصدد، قد يفتح المجال أمام اختراق روسي أمني عسكري للحلف الأطلسي، من خلال اتفاقات وتفاهمات مع أعضاء آخرين.
وإلى ذلك، يرى محللون أميركيون أن الولايات المتحدة تدرج موقفها الداعم لتركيا في سياق استراتيجية لا يهمها فيها الموقف من تركيا، بل يُراد منها وضع حدّ للصعود الروسي، لاسيما في أوروبا والشرق الأوسط. ويُلفت هؤلاء إلى ما صدر عن المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري من تصريح اعتبر فيه أن «السلوك العسكري الروسي في سوريا يمثل تحديّاً للحضور الأميركي في المنطقة»!.
وفي هذا السياق، يحذر أعضاء في الكونغرس من أنّ تركيا قد «تسعى لاستغلال المواقف الجديدة الصادرة عن واشنطن، لابتزاز الطرف الروسي على أمل تحسين شراكتها وشروط تحالفها معه»، لا أكثر!.
ويخلص خبراء أميركيون إلى أنّ الولايات المتحدة قد توافق على إرسال منظومة الباتريوت إلى تركيا، شريطة أن يتم نشرها داخل الأراضي التركية لأغراض دفاعية، وألا يُزجّ بها في معارك سوريا.
وينطلق هؤلاء من الاعتقاد أنّ إدارة ترامب «لا تريد قلب التفاهمات التي جرت بين الرئيسين بوتين وأوباما عام 2015 والتي أتاحت لموسكو مباشرة تدخلها العسكري في سوريا»، وأن واشنطن يهمها «تصويب هذه التفاهمات وتعديل التوازنات داخلها، بما يُقيّد روسيا بشراكات جديدة أميركية وأوروبية بشأن التسويات المحتملة لإنهاء الصراع في سوريا»؟!ّ.
فؤاد محجوب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت